syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومتوازنة ...بقلم : بشار المنيّر

لم تكن المطالب السياسية وحدها - وإن جعلتها الظروف السورية تبدو كذلك - هي التي دفعت السوريين للنزول إلى الشوارع، في مشهد كان في عرف الكثيرين أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة.


فهناك مطالب أخرى عبرت عنها فئات الشعب المختلفة، تتمحور أساساً حول النهج الاقتصادي للبلاد، الذي تسببت مفاعيله الاقتصادية بأضرار بالغة للقطاعات الرئيسية المنتجة  أما مفاعيله الاجتماعية فقد أدت خلال العقد المنصرم، إلى ازدياد معاناة الفئات الفقيرة والمتوسطة، في الوقت الذي برزت فيه فئات طفيلية جديدة.. ثرية وقادرة، ساهمت بقدراتها ونفوذها، مع مهندسي الاقتصاد السوري السابقين، في إعادة هيكلة الاقتصاد السوري وفق اقتصاد السوق الحر، والسير نحو إقامة نظام رأسمالي طفيلي، منسجم مع توجهات وبرامج الليبرالية الاقتصادية الجديدة.

 

 فعندما تصل نسبة الفقراء في البلاد إلى 41% من عدد السكان، وحين تحدد الخطة الخمسية العاشرة هدفها بخلق 625 ألف فرصة عمل جديدة للنصف الأول من عمر الخطة، لكنها توفر 277 ألف فرصة فقط، وحين تحاصَر صناعتنا الوطنية في عقر دارها، وحين يشعر العاملون في القطاعين العام والخاص والمتقاعدون أن أجورهم تتقزم أمام موجات غلاء متتالية، نتيجة لانسحاب الدولة من دورها في التأثير على الأسواق، وترك الأمور لآليات السوق.. وأسياد الأسواق.. فإن الحصاد المتوقع سيكون مزيداً من الغضب الشعبي.

 

لقد نبهت (النور) منذ سنوات- ونبه غيرها أيضاً- إلى تناقض رؤية بعض مسؤولي الاقتصاد البارزين، مع تطلعات المواطنين السوريين إلى نهج اقتصادي تنموي تعددي، يطور قطاعات الإنتاج القاطرة في البلاد، ويعيد توزيع عوائد النمو الاقتصادي على مختلف الفئات الاجتماعية وفق مبدأ العدالة الاجتماعية. وطالبت (النور) بعد ذلك بعقد مؤتمر وطني اقتصادي، يهدف إلى مراجعة النهج الاقتصادي، واقتراح نموذج بديل، يطلق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، ويدعم السياسة الوطنية للبلاد، لكن آذان من همشوا مطالب الجماهير الشعبية، ومن قللوا من مخاطر تفاقم غضب هذه الجماهير، كانت من طين !

 

أولاً - الإطار السياسي لتنمية اقتصادية واجتماعية

1 - التمسك بالثوابت الوطنية، وحشد الطاقات لاستعادة الأراضي السورية المحتلة، ومقاومة المخططات الإمبريالية الساعية إلى جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة تابعة للنفوذ الأمريكي- الصهيوني.

2 - تعددية سياسية تستند إلى دستور عصري، وصيغة سياسية ديمقراطية، وتداول سلمي للسلطة، وتنافس سلمي بين الأحزاب الوطنية، ومشاركة فاعلة من هيئات المجتمع المدني، وخاصة النقابات.

 

ثانياً - اقتصاد تنموي تعددي 

يمكن تحديد مضمون هذا  النموذج الاقتصادي التنموي استناداً إلى خطة تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تضعها الدولة، وتقوم بتنفيذها بالمشاركة مع القطاع الخاص المنتج، والرساميل الوطنية، لتنفيذ الهدفين الرئيسيين التاليين:

1- تحديث وتطوير فروع الإنتاج الرئيسية كالصناعة والزراعة، ومنظومة البنى التحتية كمشاريع الطرق والنقل السككي ومشاريع الري، وفي توليد فرص عمل جديدة، والحفاظ على قطاع عام اقتصادي فاعل, يتدخل في الحياة الاقتصادية جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص المنتج.

2 - قيام الحكومة بالإشراف على إعادة توزيع عوائد النمو بين الفئات الاجتماعية، عبر سياسة ضريبية عادلة متوازنة، تتيح للخزينة تمويل شبكة واسعة من الخدمات التي تستهدف الفئات الأقل دخلاً، كالتعليم المجاني المتطور، والضمان الاجتماعي والصحي وتنمية المناطق المتخلفة، واستهداف بؤر الفقر، وتمكين المرأة.

 

ثالثاً - مشاركة شعبية ديمقراطية 

إن المشاركة الشعبية الديمقراطية هي شرط جوهري لكل توجه تنموي حقيقي، وذلك عن طريق تفعيل وتنشيط العامل الاجتماعي الداخلي. إن نظريات التنمية القائمة على رؤية اقتصادية بحتة، فشلت في تحقيق النقلة النوعية في حياة الناس، فالمفاهيم الكمية والمؤشرات الإحصائية لم تأخذ بالحسبان الإنسان المشارك في عملية التنمية. إن التنمية، خاصة في الدول الأقل نمواً، هي مسؤولية الدولة، فالمهام الاجتماعية لا يستهدفها القطاع الخاص، لكن هذه التنمية يجب أن تكون عملية تبادلية، أي من الدولة إلى المجتمع،ومن المجتمع إلى الدولة. فالتنمية السلطوية المفروضة من فوق تنتج أزمات اجتماعية. إنّ توسيع المشاركة الشعبية، عن طريق المجتمعات الأهلية في الريف، وهيئات المجتمع المدني على تنوع تنظيماته، في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يضمن لهذه العملية صيرورتها المنطقية الملبية لمصالح الجميع، مما يتطلب تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والجمعيات، لتأتي تعبيراً عن خيارات المجتمع.

 

رابعاً - سياسات اقتصادية ملتزمة وفاعلة 

السياسات المتبعة في اقتصاد التنمية يجب أن تتمحور حول تنفيذ بنود الخطة التنموية، إذ لا يجوز هنا أن تتناقض السياسات مع الأهداف المعلنة للخطة، كما حصل في الماضي، عندما كانت الأهداف في واد، وسياسات الطاقم الاقتصادي للحكومة السابقة في واد آخر.

1 - إعادة النظر بسياسات الانفتاح والتحرير، ولا نعني هنا العودة إلى غلق الأبواب.. بل الانفتاح على الاقتصاد الإقليمي والدولي بقدر ما يحقق الفائدة لصناعتنا الوطنية وإنتاجنا الزراعي.

 

2 - الحفاظ على ملكية الدولة وإدارتها للمرافق الحيوية والاستراتيجية، كالمرافئ والمطارات وقطاعات الكهرباء والمياه، وتحديث طاقمها الفني والإداري، وإعادة النظر ببعض التشريعات التي يفوح منها رائحة خصخصة هذه المرافق!

3 - مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي وقعتها الحكومة السابقة، وإلغاء ما كان منها مجحفاً وضاراً بقطاعاتنا الإنتاجية.

4 - دعم صناعتنا الوطنية وتحديثها، وتقديم ما يلزم من تسهيلات كي تصبح هذه الصناعة، فعلاً.. لا قولاً، قاطرة التنمية في البلاد، ووضع برنامج واضح لإصلاح القطاع العام الصناعي.

 

5 - تحفيز القطاع الخاص المنتج على المساهمة في عملية التنمية، وتشجيع الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية على إقامة المشاريع الملحوظة في خطة التنمية الشاملة.

6 - ضمان الأمن الغذائي في البلاد عن طريق الدعم الدائم لقطاع الزراعة، والاستمرار في تنفيذ المشاريع المائية، ومصانع السماد والعلف، وتنمية الثروة الحيوانية، ومنح التسهيلات لمشاركة القطاع الخاص في إقامة المشاريع الصناعية- الزراعية في المحافظات الشرقية.

 

7 -  زيادة حجم الموازنات الاستثمارية، وتوجيهها نحو المشاريع الكبرى، كإقامة صناعات حديثة.. أو مد شبكة متطورة للنقل السككي.

8 - الاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة، بالمصانع الصغيرة والورشات والحرف والمشاغل، التي تشغّل الجزء الأكبر من اليد العاملة في البلاد، ومساعدتها على تأمين مستلزمات الإنتاج من مواد أولية وطاقة، وتسهيل حصولها على القروض المصرفية، وإعفاء بعضها من الرسوم والضرائب عند توفيرها لفرص عمل محددة، وتحفيز ما كان منها في اقتصاد الظل على التحول إلى الاقتصاد الرسمي والقانوني، وحصر نشاطات الشركات الاستثمارية الكبرى والشركات القابضة،  بالمشاريع الأساسية ذات  التكاليف الاستثمارية المرتفعة، لا في  المطاعم والمنتجعات.

 

9 - تطوير السياحة الثقافية والدينية والعلاجية، وعدم الاعتماد فقط على السياحة التقليدية(سياحة النخب). 

10 - توجيه القطاع المصرفي الخاص والعام نحو المساهمة في المشاريع الكبيرة الملحوظة في خطة التنمية وإطلاق القروض العامة(سندات الخزينة) لتمويل المشاريع الاستثمارية حصراً.

 

11 - مكافحة الفساد بجميع أشكاله وتجلياته، فهو يعطل تنفيذ الخطط التنموية، ويحبط آمال الجماهير الشعبية بعملية التنمية برمتها.

خامساً - سياسات اجتماعية هادفة

 

1 - تنمية المناطق المتخلفة، وخاصة المناطق الشرقية من البلاد، واستهداف المجتمعات المحلية بحزمة من الخدمات التعليمية والصحية، ومشاريع تحسين الدخل الأسري في هذه المناطق.

2- استعادة الدور الرعائي الداعم للفئات الفقيرة، ووضع سياسة ثابتة للأجور تقوم على سلم متحرك يتناسب مع غلاء المعيشة، والحفاظ على المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة.

 

3 - وضع خطة شاملة لتجفيف بؤر الفقر، وخلق فرص عمل جديدة في المناطق الفقيرة بالتعاون مع المجتمعات المحلية والأهلية.

4 - الحد من تفشي البطالة، خاصة بين الشباب. وإن زيادة استثمارات الحكومة في قطاعها العام، والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير فرص عمل جديدة، وتقديم التسهيلات المصرفية للمهنيين والحرفيين الشباب، ودعم الزراعة السورية، هي أبرز الحلول في هذا المجال.

5 - دعم التعليم المجاني وتطويره، ومعالجة تسرب التلاميذ، والاهتمام الخاص بتعليم الفتيات في المناطق الأقل نمواً، وإقامة جامعات حكومية جديدة قادرة على استيعاب الزيادة المضطردة في أعداد الطلاب. 

 

6 - تنفيذ الوعود القديمة الجديدة التي قطعتها الحكومات بتمكين المرأة السورية، وزيادة مساهمتها في الحياة السياسية والاقتصادية، وسن التشريعات العصرية الهادفة إلى مساواتها الكاملة مع الرجل.

 

إن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية استناداً إلى نموذج اقتصادي تنموي تعددي، لن يمارس تأثيره في البنى الاقتصادية وقطاعات الإنتاج، أو في التبديل الجذري للأوضاع الاجتماعية والمعيشية لجماهير الشعب السوري فقط، بل ستمتد مفاعيله إلى الأوضاع السياسية في البلاد، إذ يساعد في تحقيق الاستقرار المجتمعي، ويدعم النظام السياسي الديمقراطي الذي مهدت له حزمة من المراسيم، والذي سيستكمل أسباب انطلاقته بعد إجراء التعديلات الدستورية.

2011-11-03
التعليقات
بهجت حداد
2011-11-03 19:44:45
المقال جيد
المقال جيد ولكن التطبيف اقرب للحلم

سوريا