syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
كيف نقلل من أهمية العامل الخارجي في الأزمة السورية ... بقلم: الدكتور هيثم محروس

هاهي الأزمة السورية تستعد لدخول شهرها التاسع و لا يلوح في الأفق إمكانية إيجاد حل ينقل الوطن إلى مرحلة جديدة , ليس بسبب قلة الاقتراحات لحل الأزمة ( و ما أكثرها ) و لكن لتعنت أطراف الأزمة و تشبث كل طرف بفرض حله الخاص لها .


لنبدأ أول ما نبدأ به حديثنا عن الأزمة نفسها , و لابد من أن نقر , و تقر معنا كافة الأطراف , أن ما تشهده سوريا هو حراك شعبي , تحول في بعض المناطق ( التي ندعوها بالساخنة ) إلى حراك جماهيري واسع , و هذا الحراك يمكن تلخيص أهدافه التي يكاد يجمع عليها جميع السوريين بتفكيك بنية النظام القائم و التي لا تترك أي مجال لمشاركة المواطن في آلية اتخاذ القرار , و إنهاء حالة الانفصال و الاغتراب القائمة بين المواطن و الدولة بأجهزتها المختلفة , و بناء مجتمع مدني ديمقراطي تعددي يقوم على مبدأ الانتخاب و تداول السلطة على جميع مستوياتها , و مسؤولية الهيئات المنتخبة أمام ناخبيها .

 

النقطة التي لا يجب أن يشك بها أحد , و التي أثبتتها طول مدة الأزمة , أن السوريين حريصين على أن لا يحدث انهيار للدولة و مؤسساتها ( رغم كل الملاحظات على أدائها ) , و الأغلبية الساحقة تفضل أن يتم انتقال سلمي وتدريجي نحو المجتمع المنشود , و أكاد أجزم أن السوريين بأغلبيتهم كانوا أحرص على وحدة البلاد من طرفي النزاع أنفسهم .

 

بنفس الوقت يجب أن نقر أن العامل الخارجي واكب الأزمة منذ بداياتها عن قرب , و كان دوره  يكبر يوما ً بعد يوم مستغلاً أحقية المطالب الشعبية من جهة , وسوء إدارة الأزمة من جهة أخرى ليصبح العامل الأهم في الأزمة موجهاً إياها لتحقيق مصالحه ضمن المعادلة الإقليمية و الدولية .

 

و أحد أهم الأسئلة التي تقلق السوريين اليوم هو :  كيف نقلل من أهمية العامل الخارجي في الأزمة , و نحوّل الصراع الذي يدور اليوم بين حل أمني يحاول أن يفرض الهدوء على الشارع  و بين حراك شعبي يعتبر أن عودة الهدوء هو خيانة لدماء من سقطوا من أجل مطالب حق , إلى صراع منظم بين أحزاب سياسية تتبنى الحراك الشعبي القائم و تصيغ مطالبه في برامج سياسية تقودنا إلى انتخابات برلمانية حقيقية .

 

المتابع للأزمة منذ بدايتها يكتشف بسهولة أن أهم أدوات العامل الخارجي خلال الأزمة هو الإعلام , و الضغط الخارجي قائم بشكل أساسي على تهويل و تكبير ما ينقل عما يجري في الداخل السوري , متحججة بالمنع الرسمي للإعلام المستقل بنقل الأحداث . هذا المنع  استغل بكفاءة كبيرة لخلق صورة افتراضية تخدم مصالح الخارج أكثر مما تخدم المحتجين أنفسهم , و أعتقد أن احتكار النظام لنقل الأحداث لا يخدم حتى النظام نفسه , ففي عصرنا الحالي لم تعد المشكلة بنقل الخبر و إنما بمصداقية الخبر , و هذه المصداقية لا يمكن أن توضع على المحك إلا بوجود مصادر متعددة تنقل الحدث , لذلك أعتقد بقوة أن السماح للإعلام المستقل بالدخول لتغطية ما يجري سينزع من يد العامل الخارجي سلاحاً هاماً , و من يعترض على هذا الكلام بأنهم سينقلون ما يخدم أهدافهم أقول إنهم يفعلون هذا الآن دون أن يضطروا إلى إثبات مصداقية ما يبثونه , على الأقل عندما نسمح لوسائل الإعلام المستقلة بالدخول سيضطرون للالتزام بالقوانين الناظمة لنقل الأخبار ,  و من جهة أخرى لا بد من الاعتراف بأنه من حق المحتجين أن يصل صوتهم إلى مواطنيهم عبر وسائل إعلام مستقلة في وطنهم و عدم  اضطرارهم إلى اللجوء إلى وسائل إعلام أجنبية أقل ما يقال عنها أنها تخدم مصالح من يمولها .

 

النقطة الثانية المهمة لمنع تدويل أزمتنا الداخلية هي إفساح المجال أمام المعارضة الداخلية الوطنية بمختلف أطيافها لتتبنى الحراك الشعبي القائم و تصيغ مطالبه في برامج سياسية و اجتماعية و اقتصادية بدلاً من تركه لمعارضي الخارج  يتولون هذه المهمة , مع كل ما يعني ذلك من فسح المجال لاستغلال هذا الحراك من قبل الخارج .

 

 و إفساح المجال أمام المعارضة الداخلية يساعد في أمرين هامين , الأول : يساعد على الفرز ضمن حركة الاحتجاجات نفسها و ينظمها و يمنحها القادة السياسيين المعبرين عنها و يمنع انزلاقها نحو العنف ,          و الثاني : دفع " الأغلبية الصامتة " للانخراط في العمل السياسي , تلك الأغلبية التي دفعت للوقوف على الحياد ليس لأنها لا تريد التغيير , وإنما لأنها وقعت في مأزق الاختيار بين طرفي الصراع , بينما وجود برامج سياسية مختلفة سيدفع هذه الأغلبية لأن تقول كلمتها التي يدعي كلا الطرفين تمثيله لها .

 

إن فتح المجال أمام المعارضة الداخلية للعمل يعني إعطائها حرية التوجه إلى المواطنين عبر  قنواتها التلفزيونية الخاصة , و حرية التجمع .... الخ . إن هذا العمل إذا ما تم سيفقد المعارضة الخارجية شرعية ادعائها تمثيل كل المعارضة السورية و سيعطي مصداقية حقيقية لقوانين الإصلاح التي أصدرت , و سيقود إلى حوار وطني حقيقي يوصلنا إلى انتخابات برلمانية حقيقية تظهر الوزن الفعلي لكل القوى السياسية على ارض الواقع , و عندها فقط سيدرك الجميع إن من ينادي : لا حوار هو طالب لسلطة  لن ينالها عبر صناديق الاقتراع .  

2011-11-01
التعليقات
yones
2011-11-02 03:59:23
قوضى الاعلام
كلام حق يراد به باطل لأنو عند العرب كلو صابون

سوريا
حلبي
2011-11-01 13:28:40
جواهر
كلامك جواهر لكن مين بيسمع

سوريا
مغترب
2011-11-01 10:40:47
انهيار الدولة ومؤسساتها
بالله عليك يا أخ ممكن تقول لي أي مؤسسة في الدولة غير منهارة أصلا؟ أنا ذهبت لعمل هوية طلب الموظف رشوة! يعني أبسط حقوق المواطن يجب أن تمر عبر الرشوة!!! أليس هذا هو الانهيار بعينه؟ اذهب إلى الجامعات السورية ترى العجب العجاب من الأساتذة والطلاب! اسأل استاذاً جامعياً عن الهدف من دراسة أي فرع علمي وستسمع الجواب بإذنك! أليس هذا هو الانهيار أم منتظر شيء آخر؟

سوريا
المحقق غادجيت
2011-11-01 08:54:29
رائع وأفكار رائعة
وحلول رائعة لكن هيهات من يسمع. الأمن صم أذنيه ولم يعودوا يروا أمامهم سوى جرذان تستحق السحق ، والمتظاهرين لم يعودوا يقبلون أبدا بالعودة لما كنا عليه قبل تسعة أشهر. لا أعتقد أن أحدا سيحقق ما تتمناه الأغلبية العظمى من المواطنين الصامتين ، ولا ما ترغبه أنت سيدي الكاتب لأن السيف قد سبق العذل

سوريا
Firas
2011-11-01 07:15:05
الله يحمي سوريا
مقال جميل و موزون, أخالفك الرأي بالسماح لكافة أجهزة الاعلام بالدخول و هي التي أثبتت معظمها عدم مهنيتها بجدارة, و قامت بتخصيص مواردها لخدمة مصالح أصحابها. أعجبتني آخر جملة بالمقال: "عندها فقط سيدرك الجميع إن من ينادي : لا حوار هو طالب لسلطة لن ينالها عبر صناديق الاقتراع" برأيي، يجب إعطاء النظام فرصة لاثبات إصلاحاته و الوقوف إلى جانبه, و خاصة في هذا الوقت العصيب الله يحمي سوريا.

الإمارات