syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
التغذية العكسية أهم آلية في الوجود ... بقلم : نبيل حاجي نائف

إن مفهوم التغذية العكسية أو المرتدة بشكله الواضح لم يكن موجوداً قبل القرن الثامن عشر , وقد بدأ في الظهور أولاً في المجال العملي عندما استعمل " جيمس واط " منظمه لسرعة عمل آلته البخارية .  


هذا المنظم كان مؤلفاً من كرتين معدنيتين معلقتين بذراعين تدوران حول محور , وحسب سرعة هذا الدوران ترتفعان إلى أعلى نتيجة القوة النابذة , وحسب شدة هذا القوة يتم إغلاق جزئي لمرور البخار الذي يحرك الآلة   فإذا تباطأت سرعة الآلة تتباطأ سرعة دوران الكرتين فتنخفضان وهذا يؤدي إلى زيادة فتحة البخار فيتسارع عمل الآلة , وهذا بدوره يؤدي إلى تباطؤها , وهكذا دواليك حتى يحدث توازن في وضع معين . وهذا كان نموذجاً مثالياً لطريقة عمل آلية التغذية العكسية , فالخرج يعود فيؤثر في الدخل بشكل سالب ( معكوس ) , أي النهاية تتحكم بالبداية.

 

ويمكن التعرف على التغذية العكسية بشكلها الكهربائي , من خلال أجهزة الاستقبال اللاسلكية , ففي دارة تنظيم قوة الصوت كهربائياً نأخذ جزءاً من خرج دارة تكبير الإشارة ونعود وندخله مع الأشارة الداخلة , ولكن بعد عكس إتجاهه , وذلك لتخفيف قوة الإشارة, وبذلك تقل قوة الإشارة الخارجة وبالتالي يقل الجزء المستعمل في التغذية العكسية وهذا يؤدي إلى تقوية الإشارة , فتعود وتزداد قوة التغذية العكسية وهكذا دوالك إلى أن تنتظم قوة أشارة الخرج عند حد معين , ويحدث هذا بسرعة كبيرة جداً.

 

والتغذية العكسية يمكن أن تكون موجبة وعندها يتسارع النمو , وإذا استمر غالباً ما يؤدي إلى الانفجار أو الإخلال بالتوازن .

تعريف التغذية العكسية عند " ريمون رويه"

" تطلق كلمة تغذية عكسية , على الامكان المتاح في السبرنتيك , للآلة لتنظيم ذاتها , وذلك باطلاعها الإعلامي المستمر على سيرها " وقد عم استعمال الكلمة فأصبحت تطلق على العضوية وعلى المجتمعات من حيث قدرتها على التنظيم الذاتي .

 

إن كافة أجهزة التحكم تعتمد مبدأ التغذية العكسية , وآلية التغذية العكسية تستعمل في كافة مجالات الطبيعة . ولضبط أي عمل غائي ( أي موجه نحو هدف ) يجب أن تتشكل حلقة أو دارة تأثيرات بين النتائج والمقدمات ( حلقة إعلام أو تعرف ) تساعد على التوجيه نحو الهدف , وعلى تلاؤم النتائج مع المقدمات , وهذه الخاصية يجب أن تكون موجودة في أي جهاز تسديد على هدف مهما كان نوعه أو طبيعته .

وهذه الآلية موجودة في كافة أعمال الجملة العصبية الموجهة , وهي موجودة في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ..

والعلم الذي يدرس آليات وقوانين دارات التغذية العكسية هو السبيرنية , وهو يعتمد على الرياضيات بشكل أساسي . إن النظر إلى المشاريع على أنها منظومات سبيرنية , يسهل معرفة سلوكها وتطورها , وبالتالي التنبؤ لها بدقة عالية . وكذلك يسهل معرفة حدود النمو أو التطور لأي بنية أو مشروع .

 

التغذية العكسية وإصابة وتحقيق الأهداف

عندما نريد إصابة أو تحقيق أي هدف مهما كان , لابد من أن نستعمل التغذية العكسية , وإلا كانت محاولاتنا عشوائية , وبالتالي احتمال تحقيق المطلوب تابع للصدفة فقط .

فلابد من أن تجري دارة من التأثيرات المتبادلة , وهي بمثابة رسائل متبادلة , أو تبادل إعلام , بيننا وبين الهدف . وطبيعة هذه التأثيرت المتبادلة , أو هذا الإعلام المتبادل بين الطرفين ( أي نحن والهدف) هي التي تحدد النتائج . وهذا يحدث بين أي بنيتين تحدث بينهما دارة تأثيرات متبادلة , فهذا بمثابة تغذية عكسية.

 

خير الأمور الوسط وعلاقته بالتغذية العكسية.

يقولون خير الأمور الوسط . إن آلية التغذية العكسية هي التي استدعت هذا القول .

ففي أغلب دارات التفاعل ومهما كان نوعها , هناك منطقة أو مجال يحدث فيه التوازن أو الاستقرار , وينهار هذا التوازن بالابتعاد عن هذه المنطقة , إن كان ابتعاد بالزيادة , أو بالنقصان . وهذا يعني أن الوسط أو منطقة التوازن هي المطلوبة

 

السيالات وآلية التغذية العكسية ودورهم في تشكل ونمو كافة البنيات

إن كافة البنيات المادية , أساسها سيالات لبنيات جزئية ( أو أولية ) . وكذلك أغلب البنيات مهما كان نوعها أو مستواها , يمكن إرجاعها إلى سيالات لبنيات جزئية تجري ضمن هذه البنيات .

 

وكذلك تتشكل أغلب البنيات الاقتصادية من سيالات لعناصر ودارات من هذه السيالات . وقد كانت السيالات التي تشكل البنيات الاقتصادية في أول الأمر هي سيالات البضائع والخدمات ( التجارة التبادل المباشر ) , ثم بعد تشكل النقود , أصبحت سيالات النقود هي الأكثر أهمية في تشكيل البنيات الاقتصادية . فتم نتيجة تشكل سيالات النقود , ودارات من هذه السيالات , تشكل بنيات اقتصادية جديدة , فتشكلت المصارف والبنوك وغيرها . ثم تطور دور هذه البنوك فأصبحت تقوم بأعمال كثيرة , وتشكلت البنيات الرأسمالية المتطورة , مثل الشركات و البورصات , والبنوك المركزية , والبنوك الدولية , والشركات متعددة الجنسيات, . . وبذلك تطورت وتعقدت البنيات الاقتصادية . وكذلك تعقدت دارات سيالاتها وتفاعلات هذه السيالات .

 

ولكي تتوضح لنا البنيات الاقتصادية وتتضح خصائصها وآليات تفاعلها وتطورها, يجب أن نوضح عناصر وآليات تشكلها . وسوف نجد إن أهم خصائص تشكلها , هو طبيعة وخصائص السيالات , وخصائص دارات السيالات التي تشكلها .

 

وأخيراً الجدل الفكري إن كان ذاتي أو بين فكرين وكذلك الجدل الفكري لهيغل والجدل المادي لماركس , يمكن اعتبارهم نوع من التغذية العكسية , فهناك تأثير متبادل بين بنيتين يمكن أن يؤدي لتشكل بنية جديدة تشارك فيها كل من البنيتين .

مثال على ذلك من الواقع الفيزيائي :

تشكل الذرة نتيجة تبادل التأثير بين الإلكترونات السالبة والبروتونات الموجبة الموجودة في النواة .

 

2011-11-25
التعليقات