syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
لُغْـــــــزُ العـــراق ؟ حلقة (2) ... بقلم : نصر زينو

لُغْـــــــزُ العـــراق ؟


دراسة تحليليــة

// حلقة 2 //

 

لكنه يا عزيزي القارئ، خلال الستة اشهر التي مضت على كتابة الدراسة التحليلية / حلقة1/ جرت أحداث جسام وخطيرة منها:

1- قتل قوات الاحتلال الأمريكي لنجلي الرئيس السابق صدام حسين وحفيده، عدي وقصي وابنه مصطفى، في مواجهة شرسة وقتال مرير لعدة ساعات، حتى قتلوا ليس برصاص الاحتلال، وإنما بتدمير المنزل الذي كانوا يلتجأون فيه على رؤوسهم. وما شاب هذه الواقعة من تفسيرات وافتراضات وشكوك جدية، مازالت مستمرة بقدر ما، رغم نعي صدام لهم بتسجيل صوتي حقيقي أو مزيف، ورغم عرض صور أجسادهم بعد إصلاحها على الملأ. وقد اعتبر الأمريكان ذلك نصراً كبيراً لهم، وضربة قاصمة للمقاومة الوطنية، التي يعتبرونها من فلول النظام السابق، ومن فدائي صدام الذين يقودهم عدي، ومن خارج الحدود أيضاً، وقبراً لآمال كل من كان يأمل بعودة قصي للسلطة في العراق، لكن المقاومة لم تتوقف بقتلهم ولم تضعف، كما أشاع الأمريكان وأملوا، بل ازدادت عملياتها واتسعت رقعتها، مخيبة بذلك كل آمالهم.

 

فضلاً عن ذلك ورغم كل ذلك، فقد اعتبر البعض في حينه أن الواقعة، ليست اكثر من مسرحية أمريكية محبوكة، لأهداف خاصة بهم، ربما لا تخفى على أحد ... وأنها مفتوحة على كافة الاحتمالات، والبعض الآخر اعتبر المسألة منتهية وحقيقية لا جدال فيها!!

 

2- تشكيل ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي، على أساس طائفي وعشائري والى غير ذلك، وليس على أساس وطني. ومن ثم انبثاق حكومة عراقية مؤقتة عنه، خاضعة قراراتهما في أغلبيتها، لتصديق الحاكم المدني الأمريكي للعراق، الذي شكل هذا المجلس أصلاً ...

 

وكان أول قرار اتخذه هذا المجلس: هو اعتبار يوم 9/4/2003 أي يوم سقوط بغداد والنظام، عيداً وطنياً في العراق، ويا للعار والشّنار. والقرار الثاني له: هو تشكيل محاكم جنائية، لمحاكمة أركان ورموز النظام السابق، واجتثاث حزب البعث في العراق نهائياً. أقول محاكمة الذين ارتكبوا جرائم وإساءات بحق الشعب، فليكن وهو حــق. لكن اقتلاع الملايين، من البعثيين الذين هم من أبناء الشعب، فماذا يسمى هذا؟ تحرير للشعب؟ أم مصالحة وطنية؟ أم الحفاظ على الوحدة الوطنية للشعب بكل فئاته، وبناء عراق حر سيد وديمقراطي، مع طي صفحه الماضي، والعمل لبناء مستقبل أفضل، آمن ومستقر وعادل؟ أم هو الانتقام والتآمر والثأر الحاقد بعينه، وما يرافق ذلك، من انقسام وفرقة وتشرذم واقتتال تحت كل المسميات، خدمة للأمريكان وبالتالي للصهاينة أيضاً؟ فهذا ما يريده المحتلون، وما يسعون إليه، بكل عزم وقوة، تحقيقاً لأهدافهم ولبقائهم في العراق ما استطاعوا البقاء. جاثمين على صدر أبنائه وناهبين لثرواته، ومدمرين لقدراته الكبيرة جداً والمتنوعة ... فاحذروا الطاعون الطاغوت.

 

- وقد قام المجلس بما يجب أن يقوم به من أعمال وإجراءات، وبالقدر الذي تسمح قوات الاحتلال، باتجاه أن يكون للعراق دولة مستقلة، بأسلوب تتفق عليه مع المحتل، وبالتعاون معه، ولا يزال ... مثل: عودة بعض عناصر الشرطة المدنية القديمة منها والجديدة للعمل - المباشرة ببناء جيش جديد مُوال – المباشرة بالعمل لإعادة تأهيل البنية التحتية ولو ببطء شديد – فتح باب الاستثمار واسعاً في كافة المجالات، خاصة في مجال النفط، وكذلك بما فيها السماح بتملك الأراضي والعقارات في العراق بلا قيود مطلقاً، أمام الجميع بدون استثناء، بما فيها إسرائيل بشكل غير مباشر لكنه معروف، وما أثاره ذلك من ردود فعل سلبية عليه – والعمل مع قوات الاحتلال الأمريكي وبإرادتها وأسلوبها على ما يسمى بإعادة اعمار العراق ... الخ.

 

وما رافق ذلك، من آراء وأفكار ومواقف موالية ومعارضة، لما جرى ويجري وما زالت، وبإصرار بعض القوى الوطنية على رحيل قوات الاحتلال، ونقل السلطة الفعلية، لحكومة عراقية منتخبة ديمقراطياً من الشعب العراقي، وفق دستور جديد، مصاغ من مجلس دستوري منتخب، واسترداد السيادة والاستقلال والكرامة الوطنية، لعراق موحدٍ أرضاً وشعباً في أسرع وقت ممكن.

 

وعلى ارض الواقع، لم تفلح قوات الاحتلال والمجلس في إعادة الأمن والاستقرار للعراق، وتامين متطلبات وحاجات الشعب العراقي ولو في حدوده الدنيا. وبالتالي ما تزال الأمور مفتوحة على كافة الاحتمالات.

وبالخلاصة من جاء على دبابات المحتل عليه ألا يفاخر بالانتصار، وألا يتمادى بالانتقام، وألا يتوغل كثيراً في التباري لخدمة الاحتلال والإخلاص له . فالعبرة في التاريخ ما زالت ماثلة للجميع ...!

 

3- استفحال التغلغل الصهيوني، بأشكال مختلفة إلى الساحة العراقية، من الموساد الذي يصول ويجول، في كافة الاتجاهات والمجالات الحيوية المفتوحة أمامه بوجود الاحتلال، دارساً وراصداً كل شيء لمصلحته، و بالتعاون مع المخابرات الأمريكية ولمصلحتهما معاً، على كافة الصعد، حتى انه يشارك في استجواب المعتقلين العراقيين في سجون الاحتلال، المتخمة بكل الألوان الأطياف والأعمار. إلى اليهود الصهاينة الذين يشترون العقارات والأراضي، خاصة الغنية بالنفط حالياً ومستقبلاً، حيثما أتيح لهم ذلك. بالإضافة لمحاولة إسرائيل تنفيذ ضخ النفط إليها عبر خط كركوك – حيفا، الذي يمر في الأردن، بما في ذلك من ملابسات وأخطار جسيمة ... وكذلك تغلغل شركات التصدير الإسرائيلية إلى العراق عبر شركات أجنبية وسيطة ... حتى انه لن يؤثر، استبعاد إسرائيل مع الدول التي عارضت الحرب غير المشروعة على العراق، من المنافسة على عروض إعادة أعمار العراق، من الحصول على حصتها من الغنيمة، كما يقول مدير معهد التصدير الإسرائيلي، شابه بروش، وموضحاً أكثر، من أن حجم الصادرات الإسرائيلية غير المباشرة للعراق، تقدر بمائة مليون دولار العام المقبل. بالإضافة إلى إنشاء مركز الدراسات الشرق أوسطية (م.د.ش.أ) في شارع الرشيد في بغداد، الذي على صلة وثيقة بمؤسسة الأبحاث الإعلامية الشرق أوسطية، التي تديرها المخابرات العسكرية الأمريكية، والذي كل نشاطاته، مريبة وخطرة ومحرضة للغرب والعالم على العرب، بترجمته كل ما يسيء، إلى أخلاق وسلوك وطموح العرب، إلى الحرية والديمقراطية والاستقلال واسترداد الحقوق العربية المسلوبة، بشرف وجدارة الكرام، وليس كما يصورون. وهذا يندرج تحت يافطة الحرب النفسية والمعنوية والثقافية الخطيرة، التي تشنها قوى التسلط والعدوان، على العرب والإسلام، بكل الوسائل والإمكانات المتوفرة، وبالتضليل والتزوير والكذب، بما لديها من براعة وإتقان في هذا المجال. وبالإضافة لمساهمة إسرائيل بتدريب بعض القوات الأمريكية، على مكافحة الإرهاب العراقي المزعوم، بل والمشاركة فيها أيضاً. ولهذا يلاحظ أن الأسلوب والأدوات والوسائل، التي تتبعها قوات الاحتلال في العراق، هي واحدة، كما في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من القتل العمد، إلى القتل العشوائي، إلى القتل الخطأ، إلى تدمير وتهديم المنازل على رؤوس ساكنيها، إلى الاغتيالات، إلى تجريف الأراضي الزراعية، فالاعتقالات التي طالت حتى النساء والأطفال والشيوخ التي فاقت كل تصور ... بعمليات دهم واقتحام وتفتيش، قذرة ومتواترة ليلاً ونهاراً، للمنازل والمحال... وحتى المساجد، بدون مراعاة لحرماتها وقدسيتها وخصوصيتها جميعها أبداً، كما ذكرنا سابقاً. إلى التشريد والتجويع، فالحصار الخانق ومنع التجول هنا وهناك، والادعاء واحد " مكافحة الإرهاب " كاذب ومضلل كما في إسرائيل.

 

 ولا غرابة في ذلك فأمريكا وإسرائيل حليفان ستراتيجيان، تجلى هذا التحالف ، افضل ما يكون في حرب الإبادة في فلسطين، وفي حرب التركيع الوحشية في العراق ...، والاهم أن نقول هنا: أن المجرم شارون وحكومته، كان يأمل من احتلال العراق، إزالة خطر أن يكون العراق، قاعدة خلفية داعمة للمقاومة الوطنية والإسلامية في فلسطين، وظهير قوي حقيقي لسوريا، وسند جدي لها، في صراعها لاسترجاع ما اغتصب من أرضها. وكذلك سيسمح له احتلال العراق أيضاً، في إطلاق يده اكثر مما هي مطلقة، في حربه العنصرية الضروس، لإنهاء الانتفاضة والقضاء على المقاومة، وفرض الحل الإسرائيلي على فلسطين، تشريداً وتهجيراً، عزلاً وإبادة، وإنهاء لحلمهم بدولة مستقلة، ذات سيادة، عاصمتها القدس، قابلة للحياة والاستمرار ... مستمراً في غيه، في بناء المستوطنات، وجدار الفصل العنصري، وإجراءات القمع والبطش العنصري النازي. لكن الذي حصل أن حليفه الاستراتيجي غرق في وحول العراق، ووقع في ورطة كبيرة، وسقط في أزمة خانقة، لا يعرف كيف الخروج ...! مما زاد من أزمة شارون، وأزمات كيانه الاقتصادية والسياسية والأمنية...، فالوضع في فلسطين والعراق يتفاقم إلى الأسوأ، والحل لكل ذلك معروف وبسيط، يتجسد في إنهاء الاحتلال عن البلدين، وتسليم السلطة لأصحابها الشرعيين، وفق القانون الدولي والشرائع الإنسانية.

 

- بالاختصار هذا التغلغل الصهيوني الخطير والواسع، في ارض الرافدين، هو ما يقلق بشدة، كافة شرائح المجتمع العراقي والعربي والإسلامي، فاللصوص الصهاينة قد سرقوا ما أمكنهم من آثار الرافدين التاريخية والحضارية، ودمروا ما لم يستطيعوا السطو عليه، بقدر ما أمكنهم ذلك، تحت سمع وبصر العم سام، انتقاماً للسبي البابلي، وثأراً من هذه الحضارة، العريقة الموغلة عميقاً في التاريخ، التي يفتقد إليها الإسرائيليون والأمريكيان معاً.

 

4- اشتداد ساعد المقاومة الوطنية العراقية، وتضاؤل بعثرتها وفوضاها، اللتان كانت تعاني منهما في البداية، وتوجهها جدياً، نحو توحيد قيادتها وأهدافها ومنطلقاتها الوطنية لا طائفية ولا عرقية، لا مناطقية ولا مذهبية، ولا شيء آخر، غير الوطنية والوطن ... والعمل بجدية لتوحيد صفوفها ووسائلها وأساليبها وأدواتها، كما يجب أن يكون، وان لم يكن ذلك بالمستطاع حالياً، فعلى الأقل تنسيق المواقف والأعمال والنشاطات، لتكون أكثر فعالية وجدوى، في صراعها المرير مع المحتل، إلى أن يتحقق رحيل المحتلين عن ارض العراق الطاهرة والمقدسة.

 

- ولقد تحررت المقاومة الوطنية العراقية هذه، من كابوس تهمة أنها من فدائي صدام، ومن فلول النظام السابق، بمقتل عدي وقصي أولاً، وباعتقال صدام حسين نفسه لاحقاً، الذي يمكن أن تكون أحد فصائل المقاومة من اتباعه وليس كلها. وكذلك من أنها، من عابري الحدود من خارج البلاد، بإغلاق الحدود نهائياً أمام المتسللين، كما أعلنت ذلك قوات الاحتلال ودول الجوار. وكأن قوات الاحتلال بهذه التهمة، تقول أن العراق عقيم، مع انه الأغنى بالرجال والنساء... الوطنيين الشرفاء الذين يفخر بهم الوطن.

 

- كما أن المقاومة تحررت بوعي المواطنين وقناعتهم، بان الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين الأبرياء والعزل، بلا هدف عسكري أو أمنى أو حتى سياسي، فهي من صنع أعداء الوطن والأمة، الموساد والمخابرات الأمريكية وعملاؤها.  فهذه أعمال قذرة ومدانة ألصقت زوراً وبهتاناً بالمقاومة، لتصنيفها ضمن قوى الإرهاب الحقيقي، وتجريدها من حقها المشروع والقانوني والإنساني في مقاومة الاحتلال، بكل الوسائل المتوفرة لديها. كقوى ناهضة من قلب الشعب العراقي الأصيل، لإنجاز هدفها المقدس بالاستقلال الحقيقي الكامل والناجز.

 

- نستخلص من كل ما مر، أن المقاومة هي مقاومة وطنية، هدفها تحرير العراق، وليس عودة صدام حسين أو أي من رموز النظام السابق إلى الحكم، كما أنها من صميم الشعب العراقي وليست دخيلة عليه، وأنها أيضاً تحررت من كل القيود التي كبلت نشاطها، وحدت من انتشارها في كل الأطياف السياسية وغير السياسية في العراق. وبذلك لم يبق حجة أو عذر، لأي فئة عقائدية أو شريحة اجتماعية أو قوة سياسية، أو غيرها، لعدم انخراطها في الكفاح المسلح ضد الاحتلال، ولا لعدم مؤازرة المقاومة بكل أنواعها، بكل السبل والوسائل المتوفرة، بما فيها الصمود والممانعة وعدم التعاون مع المحتل. وإلا فالتاريخ بالمرصاد ولن يرحم أحداً. فانتبهوا يا أولي الألباب والضمائر والأيمان والحضارة والتاريخ.

 

ونستخلص أيضاً، أن استمرار المقاومة واشتداد ضرباتها الموجعة، لقوى الاحتلال الأمريكي ومن معه، هو الذي اجبر أمريكا على اللجوء إلى الأمم المتحدة، وعلى الاستعانة بالحلف الأطلسي، وبغيرهم من دول العالم، لإنقاذها من ورطتها المجلجلة وفضيحتها التاريخية. وهو الذي اجبرها أيضاً على الإسراع في إجراءات نقل السلطة إلى العراقيين، ضمن جدول زمني محدد كما هو معلن. وهو الطريق والاسلوب الوحيد العملي، الذي سيجبر قوى الاحتلال على الرحيل عن ارض العراق، وإنجاز الاستقلال المنشود لشعبه، وتطهير أرضه المقدسة، من كل الذين دنسوها بأعمالهم الوحشية والعنصرية والى الأبد.

 

5- اعتقال قوات الاحتلال الأمريكي الرئيس السابق صدام حسين، في مزرعة شمال تكريت، مسقط رأسه، كما تزعم هذه القوات. الذي تم بلا مقاومة وبلا إطلاق رصاصة واحدة، وبلا أن يتأذى أحد في هذه العملية، لا بل وبتعاون كبير من صدام نفسه. كما أعلن قائد القوات الأمريكية في العراق في حينه ... وعرضه على شاشة التلفزيون، بشكل مزري ومهين ومقيت، وكأنه مخبول، أو متعاطي المخدرات، أو مُخدراً. بحيث ظهر مسلوب الإرادة، قليل التركيز والانتباه، زائغ النظرات، فاقد الأهلية الذهنية، مستسلماً بشكل مريع ومخجل، غير محترم كرئيس دولة سابق من قبل معتقليه، بشكل مقصود ومثير للاستفزاز ... وكأنه رئيس عصابة مجرمة، وليس رئيس دولة. ونسيت أمريكا بنوشيت، وفرانكو ... وغيرهم كيف عُوملوا ... فلماذا هذا الاستخفاف؟ ولماذا هذا الأسلوب غير الأخلاقي، وغير الإنساني، وغير المألوف أبداً؟

 

وما رافق عملية الاعتقال، هذه من ملابسات وتخمينات وتوقعات وشكوك جدية ... من حيث توقيت الإعلان عن الاعتقال، الذي جاء في مصلحة رؤساء التحالف بوش وبلير وازنار، الذين يعانون الكثير من المشاكل العويصة في بلدانهم ومع العالم، بسبب الحرب غير المبررة التي شنوها على العراق. خاصة بعد فشلهم في العثور على ما ادعوا. مما دفعهم للتركيز، على أن الإطاحة بنظام صدام حسين الاستبدادي، وتحرير شعب العراق من جلاديه، وإقامة نظام حر ديمقراطي، جدير به هذا الشعب المضطهد. ( لماذا هذه الغيرة المفاجئة على شعب العراق بالذات؟؟!) ألا يُعتبر هذا سبباً كافياً للحرب، خاصة أنه لم يبق غيره لديهم. فلذلك كان التوقيت مشكوكاً فيه، لأنه جاء مناسباً لهم جميعاً انتخابياً. وكذلك ما رافق عملية الاعتقال، من ضجة إعلامية كبيرة، هائلة محضرة مسبقاً لهذا الانتصار، وكأنه فلماً هيوليودياً ضخماً في كل شيء ... وبنتيجة هذا ارتفعت اسهم الرئيس الأمريكي بوش في استطلاعات الرأي إلى 59% مؤيدين لسياسته. واعتقد أن هذا الانتصار، لن يدوم طويلاً، ولن يكون أكثر من بالون قد نُفخ فيه كثيراً، حتى انفجر وتطايرت آثاره هباء، خاصة إذا ما استمرت ضربات المقاومة الوطنية الجريئة والمؤلمة، لقوات الاحتلال، وهذا ما سيكون أكيداً، وبزخم اكبر بكثير مما جرى حتى الآن ... لذلك اعتقد أن قوات التحالف، ستحاول العثور على أسلحة التدمير الشامل، وعلى وثائق تثبت علاقة النظام بالقاعدة. من خلال اعترافـات صدام وتعاونـه، بالدلالـة على أماكـن وجودهـا في ارض العراق، بـعد أن يـكونوا قد حضّـروها، عمــداً

 

وقصداً لهذا الغرض... - وما تصريح طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأخير، عن عثور فريق التفتيش فــي العراق على " أدلة هائلة، على وجود نظام ضخم من المعامل السرية " لصنع أسلحة دمار شامل، إلا شاهد على ذلك، رغم نفي بول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي للعراق، لادعاءات بلير، وتكذيبه إياه علناً، وصل إلى حد الفضيحة السياسية – باعتبارهم، كما قلت، يعرفون، أن اعتقال صدام حسين، ليس اكثر من فقاعة صابون في عالم السياسة. ستزول آثاره الإيجابية، مهما تمادوا في العزف على إيقاعه، بأسرع مما كانوا يعتقدون. وهذا ليس غريباً، على عقلية مستبدة ومتباهية، مكافيلية ومحافظة، شريرة ومدمرة، لأصحابها قبل غيرهم. بفعل تحريض وتحفيز وتخريب صهيوني توراتي واضح. لا بل ليس مستبعداً ولا مستغرباً أيضاً، أن تُعلن في الوقت المناسب لها، عن اعتقال أسامة بن لادن، أو شخصية مماثلة في الأهمية، في أفغانستان أو في العراق أو في كليهما معاً لا فرق.

 

والرواية الأمريكية عن عملية اعتقال صدام، يشوبها الكثير من عدم المصداقية والمعقولية والمنطقية، خاصة بعد إعلانها متأخرة، أن أحد الضباط المقربين جداً من صدام، هو الذي دلهم على مكان وجوده، مما ساعدهم على اعتقاله، بالطريقة التي تمت فيها العملية...، دون أن يحق له قبض المكافأة المعلنة. فلماذا كل هذا التأخير في الإعلان؟!

 وبعد أن أعلن أيضاً، أحد عناصر حزب الاتحاد الكردستاني العراقي، انه هو الذي اعتقل صدام حسين، واحتفظ به للمساومة مع الأمريكان، حتى حصل على مكاسب سياسية وغيرها، فسلمهم إياه في وقت إعلان اعتقاله، أو ربما قبل ذلك. فلماذا لم يعلنوا هذا إذا كان صحيحاً أو يكذبوه؟! ولماذا لم يتم تصوير عملية الاعتقال تلفزيونياً، لاستغلال ذلك إعلامياً، خاصة بعد كل ذلك التحضير الإعلامي الضخم؟! ولماذا جرى تصوير صدام حسين بالشكل الذي عُرض، على انه استسلم بكل خنوع وذل وإطاعة غريبة؟!

فهل هذا صدام الشرس الدموي العنيد المغامر جبانٌ ؟! ليسمح باعتقالهِ في ذلك الجحر المغلق، بلا منفذ آخر للخروج عند الحاجة، وهو الحريص جداً في تنقلاته وسكناته، بهذه السهولة واليسر، فهل يتفق هذا مع طباع الرجل؟ خاصةً وان ولداه وحفيده، قاتلوا جنود الاحتلال حتى قُتلوا، فكيف هو لا يقاوم بل يتعاون؟!! فهل هو متواطئ مع الأمريكان، لترتيب عملية الاعتقال، بحيث تكون في الوقت الملائم لهم ولحلفائهم؟ أم كان مخدراً بفعل غازات الأعصاب، أو حُقَنُ التخدير؟! أو هل اعتقاله كان قد تم منذ زمن بعيد، وكُتم الخبر، إلى أن حان الموعد المناسب؟ وهل تعرض خلال ذلك، لعملية غسل دماغ وتشويش على تفكيره وإرادته؟! أقول في هذا المجال كل الاحتمالات واردة، وستظهر الحقيقة أو بعضها في محاكمة الرجل، إذا ما تمت علنية وعادلة وشفافة وقانونية، وهذا مستبعد على الأغلب. إلا إذا تم الاتفاق بينه وبين معتقليه، على ما يجب أن يكون، وما يقال فيها، وإلا فان المحاكمة ستكون للأمريكان وحلفائهم، لما ارتكبوا بحق شعب العراق ومؤسساته كافة وحضارته، اكثر مما هي محاكمة لصدام ونظامه، وهذا ما يخشاه الأمريكان. اللّهم هذا إذا بقي صدام حياً إلى حينها، فقد يكون ميتاً، أو منتحراً، أو مقتولاً... ليختفي عن ساحة الأحداث في العراق والعالم نهائياً، بعد أن يكون دوره فيها قد استنفد أغراضه.

- وليعلم الجميع، أن ما قلته ليس دفاعاً عن صدام، فماضيه مليءٌ بالمآسي والويلات والمصائب، التي جلبها لشعب العراق خاصةً وللعرب عامةً، من الحرب العراقية – الإيرانية، المجنونة والمجانية، المدعومة من الأمريكان والغرب ودول الخليج العربي، ولمصلحتهم جميعاً. وقد أدت ما كان مطلوباً منها، من إضعاف وإنهاك البلدين الجارين، إلى استنزاف الدولار النفطي الخليجي الذي تضخم اكثر مما ينبغي، إلى خلق الفرقة والشقاق بين العرب حولها. فإلى حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي لها، والتي عُرفت بحرب الخليج الثانية، والتي أدت نتائجها، إلى قدوم القوات الأمريكية، إلى منابع النفط في الخليج العربي، الذي كانت تحلم وتخطط له منذ زمن بعيد، لتتحكم بالنفط وبالعالم من خلاله، وقد حصل بفضل صدام. بالإضافة إلى تمزيق العرب بشكل مخيف وهائل، وتخريب تضامنهم على ضآلته، وما تزال آثاره المدمرة على كافة الصعد مستمرة. وأخيراً إلى حرب الخليج الثالثة، كما سميت، التي أدت إلى احتلال العراق وتدميره أرضاً وشعباً، واقتصاداً ومؤسسات، أمناً واستقراراً، تقدماً وازدهاراً، حضارةً وثروات. ولو تنحى الرجل عن السلطة بشكل سلمي، ربما لم تقع الحرب المدمرة، وان وقعت، وهذا الأغلب، كانت الخسائر اقل، والمعارضة الدولية لها اكبر، والنتائج فاجعة على مرتكبيها، خاصة انه لم يبق لهم بعدها، مبرراً للحرب إلا صدام. وقد يقول قائل أن الحرب واقعة لا محالة. سواء تخلى صدام أم لا، فمافيــا السلاح والنفط الأمريكيتين، والصهيونية وإسرائيل، لن يقبلا بغير ذلك أبداً.

 

نتائج وتداعيات:

أ- إن اعتقال الرئيس السابق صدام حسين، كان في محصلته بالإضافة لما ذكر، لمصلحه الشعب العراقي ومقاومتـه الوطنية، وقواها السياسية بكل أطيافها الوطنية والقومية والإسلامية، وفي مصلحة العرب إجمالاً، بإزالة عقبه كَأداء، أمام تصالحهم وتضامنهم وتعاونهم، ووحدة صفهم وهدفهم المنشود، خدمة للأمة العربية، في صراعها المصيري مع العدو الصهيوني المتربص بالجميع.

 

فاستفيدوا يا عرب من هذه الفرصة المناسبة، وأدركوا العراق، قبل أن يضيع هو الآخر، كما ضاع الجزء الأكبر من فلسطين العربية. واستردوا الجزء الأكبر من حضوركم وفاعليتكم، واحترامكم لأنفسكم ولشعوبكم،ولمصير بلادكم، وعلى كافة الأصعدة ... قبل أن يفوت الأوان، ولا ساعة  ندم!.

ب- وهل عيب إذا ما قاوم صدام حسين قبل اعتقاله الاحتلال؟ لا بل العيب كله، إذا لم يقاوم لتحرير العراق ، وليس للعودة إلى السلطة إطلاقاً. فليس في العمر بقية لذلك، فقد هدّه المرض، وهدّه اكثر استشهاد ولديه وحفيده، وأخمده قلة وفاء الأوفياء اكثر من غيرهم ...

 

- وهل جريمة أن يشارك البعثيون العراقيون، بجدية وفعالية، في مقاومة الاحتلال، لتحرير واستقلال بلادهم؟ لا بل هو حق لهم وواجب عليهم، والجريمة بعينها إذا لم يفعلوا، فالتاريخ لن يرحم أحداً ... ...

 

- أقول هنا، ربما ازداد اتباع صدام، ومؤيدوه شراسة في المقاومة، انتقاماً لاعتقاله، وثأراً لعرضه، بتلك الصورة البشعة والمشينة واللئيمة. وان كان ذلك فلا بأس.

 

- وهل غريب أن تترحم غالبية الشعب العراقي، على صدام ونظامه، رغم كل ما فيه ...، بسبب الآلام والفواجع والمصائب والكوارث التي لا تحصى التي جلبها لهم الاحتلال، والتي جعلت حياتهم جحيماً لا يطاق، بالإضافة لما عاناه ويعانيه، هذا الشعب من إذلال ومهانة وقهر، من غطرسة واستعلاء واستكبار ووحشية، قوات الاحتلال في تعاملها معه، في كل مناحي حياته ...، فصبراً صبراً بغداد الرشيد ... ... فالفرج بالثورة والمقاومة الباسلة والمسؤولة بجدية، والتي أصبحت على ما يبدو، افضل تنظيماً، وأجدى أداءً وتأثيرا، بدليل تزايد خسائر المحتل باطراد واتساع، قريب جداً جداً ... وليعلم الجميع، أن شعب العراق، صامد كالجبال، قوي كالأعاصير، جبار كالبراكين، فإذا ما ثار، وهو فاعل لا محالة، والبشائر ملء العيون والقلوب والعقول ... فقل يا ارحم الراحمين...

 

جـ- إن الأخطار المحدقة بالأمة العربية، بكل أقطارها وأنظمتها وشعوبها، كبيرة وكبيرة جداً، وان ما يجري في فلسطين والعراق خير شاهد على ذلك. وهذا أول غيث الأمريكان والصهاينة، على المنطقة العربية. وان أهم سلاح فعال، باليد العربية، بعد الاتحاد والتضامن الفعال والمُلزم، هو المقاومة الوطنية، عقيدةً وخياراً، اسلوباً وإيماناً، تطبيقاً وتنفيذاً.سياسية كانت أم دبلوماسية، عسكرية كانت أم سلمية، استشهاداً كانت أم قتالاً ضارياً، صموداً كانت أم ممانعةً، أم كانت كل ذلك، بقيادة حكيمة وراشدة وناشطة، تدبيراً وتدبراً للواقع والوقائع. المهم والاهم انه الخيار الاستراتيجي الناجع والوحيد ... ... فتفكروا واعتبروا وافعلوا الصواب يا عرب، لعلكم تفلحون...

 

د- وفي النهاية أقول، رغم كل ما استعرضناه هنا، وما جرى على الساحة العراقية، وما يجري من وقائع وأحداث وأعمال وإجراءات، فان السؤال لا يزال محيراً ومطلوباً الإجابة عليه.

 

كيف ولماذا سقطت بغداد والنظام بهذه السرعة والسهولة؟!! وأين ذهب الجيش العراقي الضخم؟!!

قد تجيب محاكمة الرئيس السابق صدام حسين، على جوانب من هذا السؤال أو على كله، إذا ما جرت، وفق المواصفات الدولية والقانونية وحقوق الإنسان، علنية، عادلة، وشفافة ... كما أعلن مجلس الحكم الانتقالي العراقي وقوات الاحتلال الأمريكي، وقد لا تجرى مطلقاً، كما ذكرت، وان جرت فليس كما هو معلن بل بتدابير وترتيبات معينة تخدم المحتلين والمجلس الموقر كما افترض ... وفي المناسبة لا بد من طرح تساؤل مشروع وملح، هل إعلان قوات الاحتلال الأمريكي، على أن الرئيس السابق صدام حسين، يعتبر أسير حرب، كان لمصلحته؟ أم لمصلحة الأمريكان وحلفائهم؟! أم لمصلحة الاثنين معاً؟! والجواب مفتوح على ما يخطر على كل بال ...

 

فأنــا وإياكــم بالانتظــار ... ...

2011-11-25
التعليقات