syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
قانون القيمة (2) ... بقلم : نبيل حاجي نائف

قيمة السلعة الإستعمالية وقيمتها التبادلي 


كما ذكرنا إن قيمة السلعة بالنسبة لفرد معين  تكون مختلفة عن قيمتها بالنسبة لغيره في أغلب الأحيان ، وهذه القيمة خاصة به, وهذه تمثلها القيمة الإستعمالية للسلعة . وفي حال وجود وفرة كبيرة لسلعة فإنها لا تؤثر على قيمتها الإستعمالية , بينما تؤثر على قيمتها التبادلية .

 

أما قيمة السلعة التبادلية  فهي تعتمد على وفرتها وعلى معدل قيمتها لدى مجموعة أفراد ، وتكون قيمة السلعة الإستعمالية متفاوتة بشكل كبير أو صغير بين  الأفراد ، وهذا التفاوت هو من أهم عوامل حدوث التبادلات أو الصفقات .

 

فإذا كانت قيمة السلعة الإستعمالية متساوية لدى مجموعة أفراد ، فلن يحدث تبادل لهذه السلعة فيما بينهم , فهذا يشبه تبديل الماء بالماء ، أو الخبز بالخبز فليس هناك دافع للمبادلة .

 

فالتبادل يحدث نتيجة فروق القيمة الإستعمالية بين الأفراد للسلع ، وفروق القيمة الإستعمالية بين الأفراد ناتج عن فروق دور أو وظيفة كل سلعة بالنسبة لكل منهم، بينما تكون قيمة السلعة التبادلية ثابتة تقريباً بالنسبة لكل منهم , وهناك تأثيرات متبادلة أو علاقة بين قيمة السلعة الإستعمالية وقيمتها التبادلية ، فالتاجر والوسيط  يعتمدان على هذه العلاقات الهامة بين قيمة السلعة الإستعمالية وقيمتها التبادلية في تحقيق مكاسبهم .

 

إن القيمة الإستعمالية لأية سلعة مرتبطة بالشخص الذي يستخدمها , فهو الذي يقيمها, وهذا التقييم مرتبط بحاجاته وأوضاعه وتفكيره , لذلك تكون  نتيجة هذا التقييم غير ثابتة فهي متغيرة دوماً بمقادير صغيرة أو كبيرة عند إعادة إجرائه , وهذا يصعٌب تحديد القيمة الإستعمالية لأية سلعة . ويمكننا في أغلب الحالات تغييرها إذا تدخلنا في تقييمها وهذا ما تفعله الدعاية والمنافسة على بيع السلع المتشابهة , فيسعى كل منتج إلى رفع القيمة الإستعمالية لسلعته وخفض القيمة الإستعمالية للسلع المشابهة الأخرى بهدف تسويق سلعته وهذا ينطبق على السلع إن كانت مواد أو خدمات أو أفكار .

 

وكذلك تتغير القيمة التبادلية للسلع نتيجة تغير القيمة الإستعمالية وبالإضافة إلى تأثيرات كثيرة أخرى , وكما ذكرنا لا يجري تبادل للسلع إلا نتيجة اختلاف قيمتها الإستعمالية وعند تساوي القيمة الإستعمالية لسلع عند شخصين لا يحدث تبادل لهذه السلع بينهم .

 

إن قيمة السلعة التبادلية وكذلك قيمتها الإستعمالية  تعتمد أيضاً على الزمان والمكان ، فقيمتهما ليست ثابتة , وتقاس قيمة السلعة التبادلية عادة بالنقود ، وكذلك تقيم قيمة السلعة الإستعمالية بالنقود , والفرق الهام بينهم هو في درجة الثبات والتوحيد  فالقيمة التبادلية تملك الثبات النسبي والعمومية الأكبر  بين الأفراد . أوضح مثال للسلع التبادلية العالية الثبات , هي النقود , فالنقود هي سلعة أيضاً  .

 

إذاً هناك لكل سلعة قيمة خاصة  مرتبطة بشخص الذي يتعامل معها ( قيمتها الإستعمالية )، ولها أيضاً قيمة عامة هي معدل قيمتها لدى المتعاملين بها - قيمتها التبادلية- وقيمة السلعة في تغير مستمر .

 

إن قيمة أو سعر السلعة التبادلي كان تابعاً بشكل أساسي لمقدار العمل والجهد الجسمي المبذول في إنتاجها , هذا بالإضافة إلى ما ذكرنا من عوامل  , ولكن الآن أصبح مقدار هذا الجهد يتناقص نتيجة زيادة مردود الجهد الفكري المرافق , لذلك فإن قيمة السلعة أصبحت تتبع مردود الجهد الفكري أكثر منه العمل الجسمي , وحجم الجهد الجسمي المبذول في إنتاج السلع يتناقص بسرعة وباستمرار, ويحل محله جهد فكري , إلى أن يصبح تقريباً كله فكرياً , وبالتالي سوف تصبح قيمة السلعة في حدها الأدنى , بالنسبة لارتباطها بتوفر المواد الأولية.

 

وهنا تظهر عوامل ومؤثرات جديدة تقرر القيمة التبادلية للسلعة وتجعلها ترتبط بفرق الحاجة أكثر( والذي يتضمن فرق الوفرة أيضاً), وعندها تظهر للسلع قيم جديدة مرتبطة بالحاجات الممتعة أو الجميلة , و دورها أو وظيفتها النفسية والفكرية , أي أن الذي يحدد قيمة القميص أو الحذاء أو السيارة أو أي سلعة فنية هو ميزاتها الفنية - الحسية والشعورية والفكرية- بالإضافة إلى فائدتها , أكثر منه قيمة المواد الأولية أو تكاليف الإنتاج لأن هذه متوفرة غالباً, وسوف تصبح الأفكار الجيدة ذات المردود العملي ذات قيمة عالية , وبالتالي ترتفع قيم المعارف والفنون بكافة أنواعها وتصبح هي السلع الأعلى ثمناً والأكثر طلباً .

الخلاصة

 

 ما الذي يحدد قيمة السلعة؟         

إن الجواب على هذا السؤال كما قلنا  كان متعدداً ومتضارباً في كثير من الأحيان, فلم يكن الجواب المناسب والدقيق بالأمر السهل . فالذي يحدد قيمة السلعة هو الحاجة أو الدافع إليها سواء بالنسبة لعارضها أو بالنسبة لطالبها, أي مقدار الحاجة للسلعة لكل من البائع والشاري , وكمية العرض والطلب تؤثر عل مقدار أو شدة الحاجة , وباعتماد مفهوم الصفقة في توضيح قيمة السلعة يظهر تأثير جديد على القيمة , وهذا ينتج عن تدخل مشاركين جدد في الصفقة بالإضافة للبائع والشاري , فتدخل الوسطاء والبائعين والشارين الآخرين في الصفقة الجارية يؤثر على قيمة السلعة , ويظهر هذا التأثير بوضوح عند وجود السوق وكثرة المشاركين بالصفقة لنفس السلعة,  فتحديد قيمة السلع تابع لأوضاع وخصائص الصفقة أو التبادل الجاري , وأهم هذه الأوضاع والخصائص هي:

 

 1_ حاجة كل من البائع والشاري لما هو موجود مع الآخر, أو فرق الحاجة  للسلعتين المتبادلتين بالنسبة لكل منهم .

 2كمية العرض أو الفائض أو الوفرة من السلعة, لأنه يؤثر على مقدار الحاجة

 

3_ عدد المشاركين بالتبادل أو الصفقة ونوعيتهم وخصائصهم, أفكارهم ودوافعهم ومعلوماتهم-, بائعين أم شارين أم وسطاء

4_ كلفة الإنتاج  العملية والفكرية والمواد الأولية

 

5_ تأثير الظروف والبنيات الأخرى  المادية و الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية.....  ;

6_ تأثير المعرفة والدعاية في تسويق السلع .

 

إن الناس بشكل عام يشككون بالسلعة  التي حضرت بسهولة وسرعة وبغض النظر عن طبيعة أو جودة هذه السلعة ، فالمنتج الجيد يجب أن يكون قد بذل في تحضيره الكثير من الجهد والفكر والوقت ، و إلا سوف يكون على الأغلب غبر جيد . وهم على الأغلب محقون في ذلك لأن كل منتج حضر بسهولة وكان تحضيره بمتناول الجميع ، سوف يكون غير هام أو ليس له قيمة عالية، فيمكن لأي إنسان تحضيره بسهولة .

 

فالمنتج الجديد والذي يمكن أن يطلب من قبل الكثيرين ويسوق بسهولة هو المفيد أو الضروري لهم ، أي الذي هم بحاجة إليه  ولا يملكونه , ويكون على الأغلب هو المنتج الذي لا يحضر بسهولة أو لا يستطيع كثير من الناس إنتاجه لصعوبة ذلك , فقيمة المنتج التسويقية تابعة لمقدار الجهد الذي بذل في إنتاجه  ومقدار الفن والفكر في صنعه ، بالإضافة للعناصر المكونة له.

 

وكما قلنا فالذي يتحكم  بقيمة المنتج التسويقية - التبادلية- بشكل أساسي هو حجم الإنتاج  وحجم الطلب على هذا الإنتاج ، وتلعب درجة جودة المنتج دوراً أقل .

وقد ظهر أيضاً أن إعلام المستهلك بوجود السلعة وخصائصها  له دور كبير جداً في تسويق هذه السلعة وجذب المستهلك ، وذلك باستغلال دافعي التملك والشراء الموجودين لدى الناس .

 

وهناك التقليد والمحاكاة اللذان يدفعان الكثير من الناس إلى الإقبال على شراء السلع التي يشتريها بعض الناس المتميزين ، وتنتشر هذه السلع إن كانت طعاماً أو لباساً أو آلات . .  بالتقليد والعدوى بسرعة كبيرة .

 

    تسويق ونشر الأفكار

كيف تحقق الأفكار مكاسب مادية ؟

إن أسهل سبل تسويق الأفكار هو التعليم مقابل أجر مادي أو معنوي  كما في التعليم والتدريس والتربية بكافة أشكالها وأنواعها ، مثل التعليم الديني والتربوي والمدرسي ......الخ . وهناك طريقة أصعب قليلاً وهي  تأليف وتسويق الكتب والمجلات وما شابهها ، كما في الإنتاج الأدبي بكافة أشكاله ، والأنواع الأخرى من الإنتاج الفكري والفلسفي والعلمي والديني والسياسي ....الخ .

 

وهناك تسويق المعلومات والمعرفة , فهناك معلومات تباع مثل  المعلومات القانونية ، والمعلومات الاقتصادية ، والمعلومات الطبية ، والمعلومات الهندسية أو الفنية أو التقنية .....الخ .

 

وهناك معلومات مكتشفة حديثاً ، ولا يعرفها إلا مكتشفها ، وهناك معلومات يعرفها القليلون  ويقنن نشرها أو تداولها  وتكون غالية الثمن أيضاً ، مثل المعلومات الصناعية الخاصة ، وكذلك المعلومات الحربية ، والمعلومات السياسية. . , هذه المعلومات بسبب ندرتها وصعوبة الحصول عليها ، تكون ذات ثمن عالي .

 

وهناك معارف وأفكار من نوع خاص وهي المعارف والأفكار الفنية والأدبية أو الإبداعات الفنية والأدبية ، وهي تسوق من أجل تذوقها كوجبة تحدث الأحاسيس اللذيذة والجميلة ، وهي لا تهدف أو تسعى إلى معرفة عملية ، فقيمتها بما تحدثه من أحاسيس ، و هذه المعارف والإبداعات , تلعب الندرة ودرجة تأثيرها دوراً أساسياً في تحديد سعرها .

 

وهناك تسويق وبيع الأفكار- تسويق الخبرة- لدورها ووظيفتها المساعدة أو الضرورية لإنتاج السلع والأدوات ، أو المساعدة في تحقيق الأهداف والمشاريع بكافة أنواعها، سواء في مجال الزراعة أو الصناعة أو الطب أو الاقتصاد أو الحرب ....الخ .إن إنتاج الأفكار أو البنيات الفكرية الهامة أو ذات الدقة العالية غير كاف لتسويقها أو انتشارها ، فلا بد من مساعدة بنيات أخرى وتوفير عناصر أخرى كما في تسويق أي سلعة .

 

وليست كل الأفكار المنتجة في العقول يتم تسويقها أو انتشارها  حتى وإن كانت هامة وفعالة وجيدة ، فالكثير منها يبقى داخل العقول التي أنتجتها ولا يخرج ( لا يتوضع في الكتب أو الصحف) أو يخرج ولكنه لا ينتشر أو يسوق وينشر في مجال ضيق .

 

وتسويق الأفكار يخضع للعرض والطلب أو رغبات ودوافع المنتج والمستهلك ، بالإضافة إلى ما يلزم للتسويق الجيد والفعال من دعاية وغيرها, ويخضع كذلك لتنافس السلع المشابهة الأخرى . وليس ضرورياً أن تكون الأفكار الأجود والأدق هي التي تباع وتنتشر فكما أن السلع المنتشرة والمتعارف عليها والمتداولة تقاوم دخول سلع جديدة مشابهة حتى وإن كانت أفضل منها , فأفكار أرسطو وأفكار الكثير من المفكرين العظام وأفكار كافة الأديان والعقائد والكثير من الأفكار الأخرى , وفي كافة المجالات , قاومت وتقاوم تسويق الأفكار الجديدة المشابهة لها ، وهذا يحدث  أيضاً للأفكار العلمية  كما قال كوهن في كتابه بنية الثورات العلمية.

 

إن بعض المفكرين وكافة الناشرين هم مسوقون  للبنيات الفكرية والمعارف ، فهم يسوقون الأفكار مقابل أشياء مادية أو غير مادية ، ودافعهم في طلب وتجميع المعلومات هو لغاية تسويقها بالدرجة الأولى وليس لاستخدامها ، والذي نشاهده عند أغلب المفكرين والمثقفين هو التنافس على جمع وامتلاك أهم وأفضل الأفكار- بالنسبة لكل منهم - وأكبر قدر منها, والقليل منهم يستثمرون  فاعلية وقوة هذه الأفكار, وقليل القليل منهم منتجون للأفكار الجديدة . فالمبدعون أو المنتجون للأفكار الجديدة هم قليلون جداً ، وأغلب هؤلاء يبنون أفكاراً يصعب تسويقها , وإن نشر الأفكار في أكبر عدد من العقول هام جداً, فهو الذي يزيد من إمكانية إنتاج الأفكار الجديدة .

 

فتطور الأفكار وخلق الجديد منها يخضع لآليات تشابه خلق وتطور الكائنات الحية . فبعض العقول يقوم بما يشبه الطفرة لدى الكائنات  الحية عن تطورها , عند تشكيله فكرة جديدة , فإذا كانت الظروف والعناصر ملائمة لانتشارها في العقول الأخرى فسوف تنتشر بغض النظر عن درجة صحتها أو دقتها، والذي يقرر انتشارها وبقاءها لفترات طويلة أو قصيرة هو درجة ملاءمة العقول لتقبلها وتبنيها بالإضافة إلى فائدتها العملية وملاءمتها للأوضاع الموجودة .

2011-12-02
التعليقات