في مدن الملاهي يركب الهاوي على مقعد واحد ضمن عشرات أو مئات المقاعد المثبتة على دولاب ضخم وتبدأ بالارتفاع إلى القمة ثم النزول وتتكرر الدورات نصف ساعة أو أكثر حسب برمجة الدولاب بما يكفل تحقيق أرباح للمستثمر واستغلال الوقت للمزيد من هواة ركوب الدولاب للاستمتاع..
والفارق بينها وبين العمر أن دولاب الحياة دورة واحده يمنحك إياها الخالق ربما تكملها إلى العمر المعتاد وربما ينزلق مقعدك في أي مرحلة ولا تعود موجودا على الدولاب كما أن الهاوي يذهب إلى دولاب اللعبة باختياره ويمكنه شراء عدة تذاكر بغرض المزيد من الاستمتاع ولكن دولاب الحياة يأتي بك باكيا فاتحا يديك للدنيا وكأنك تريد ضمها إليك جميعها ويكون من حولك فرحا بقدومك وتغادر عند انتهاء عمرك المقدر لك من خالقك ويبكي فراقك من تعز على قلبه وما بين الولادة والموت سجل حياة كائن بشري يقضي عمره راكضا ويفني صحته على جمع المال حتى أواسط العمر بمعدلاته الطبيعية ثم يقضي النصف الآخر من حياته في دفع المال الذي جمعه لعلاج ما أفسده الزمن والركض وراء المال...
وإذا كان النصف الأول من العمر يأكل الإنسان ويشرب خلاله كل ما يشتهي إذا كان بمقدوره ذلك ماليا فانه في النصف الثاني لا يستطيع إن يأكل ولا إن يشرب كل ما يشتهي حتى لو كان يملك أضعاف ثمنه ألاف المرات لان هناك مما يشتهيه يساهم في تدهور الصحة التي يحرص على عدم انزلاقها إلى مزيد من التدهور وإذا كان بإمكان الهاوي حجز ما يشاء من تذاكر لركوب الدولاب اللعبة والدوران كما يشاء لكن كل أمواله التي جمعها في حياته لن تستطيع منحه دقيقة واحده إضافية على دولاب الحياة الذي لا يتكرر ولا يعود إلى الخلف وهو منحه لمرة واحده ومدتها محدده من الخالق والكثير ينسى معظم الوقت أن هناك لحظة نهاية لكل مخلوق آتيه لا محالة مهما طال العمر ويتذكر الإنسان الموت عند حضوره أو رؤيته صندوق مقفل على إنسان كان حيا بالأمس ويرافقه في الرحلة المحمول فيها من عرفه او كان له به علاقة قربي وبعد إغلاق القبر لا يبقى من الراحل إلى الأبد سوى ذكريات يتداولها من عرفه أياماً او أسابيع ومن ثم تنطوي حتى ذكرياته في ملفات النسيان لان الحياة مستمرة لمن هم لا زالوا أحياء يرزقون
مفارقة رائعة ليتنا نستطيع استحضار تفاصيلها دائماً