syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
مستقبل الديمقراطية في الوطـن العــربي ... بقلم : باسم عبدو

 ليس الدخول إلى الامتحان مثل الخروج منه. والربيع العربي يختلف عن الخريف العربي. والفرق كبير بين رائحة الأزهار وتفتّح البراعم، وسقوط أوراق الأشجار. كما أن الفرق كبير أيضاً بين الـ(ديمقراطية الإسلامية) والـ(الديمقراطية الليبرالية) وبين (الدولة المدنية والدولة الإسلامية).


إن الشعوب العربية وقواها السياسية، على اختلاف أفكارها وتوجهاتها (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار)، إن كانت في قلب الحدث أو على حدوده، ما تزال تراقب عن كثب التفاعلات والتأثيرات الداخلية والخارجية، وبحث الأسباب بالعمق الداخلي والتدخل الخارجي. وما يجري على الطاولات المستديرة وتحتها، وفي الشوارع والساحات وجبهات القتال، والتنظيمات المسلحة المضادة للإصلاح والتغيير التي تعمل (بتكليف) لتحويل الربيع إلى هشيم سريع الاشتعال. السؤال المطروح على جدول عمل القوى السياسية، وفي الإعلام وفيسبوك الشباب والمواقع الإلكترونية ما هو مستقبل الديمقراطية في العالم العربي؟ هل الديمقراطية من النتاج العربي، أم هي ديمقراطية (مولَّفة) أو مصدقة -حسب الأصول- الليبرالية؟

 

إن الحراك الشعبي، أو ما يسمى (بالربيع العربي). أو من يطلق عليه اسم (الخريف الإسلامي) أحياناً، لا يزال يتماوج بين رمال الشاطئ وصخوره. فالعجالة الآن للحكم على ديمقراطية المستقبل العربي غير صائبة، بل المطلوب قراءة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والديمقراطية ودراستها وتحليلها ورسم آفاق المستقبل.باعتبار هذه التجربة أو الخطوة في الطريق الديمقراطي الطويلة،واجتياز عتبة نظام الحزب الواحد في شمال إفريقية العربية، ولم تجف بعد أوراق الاقتراع. وتونس الخضراء هي أول بلد عربي رفع راية التغيير، والتونسيون هم أول من مارس عملياً التصويت بحرية لاختيار ممثليهم. وبلغت نسبة المقترعين أكثر من 41 في المئة لصالح حركة النهضة. وهذه التجربة هي البرهان العملي على ممارسة المواطن حقه القانوني والطبيعي، في هذه المرحلة الانتقالية الجديدة،في ظل الأزمة الراهنة المعقدة والمركبة في العالم العربي.وبيَّنت نتائج الانتخابات أن (حركة النهضة) وهي (تنظيم إسلامي) حصدت ما يقارب تسعين مقعداً، وحصل المؤتمر من أجل الجمهورية على 35 مقعداً. والتكتل من أجل العمل والحريات 30 مقعداً، والعريضة الشعبية 19 مقعداً. واعترف الحزب الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد والقطب الديمقراطي الحداثي بالفشل، ولم يحصدوا إلاَّ عدداً قليلاً من المقاعد. و42 امرأة، من بين الـ49 اللواتي انتخبنَ إلى المجلس، هنَّ من حزب النهضة.

 

الديمقراطية تتعرّض اليوم وفي هذه المرحلة -الأزمة- إلى (أخذ ورد) وإلى نقاش واسع، بهدف السير على الطريق الصحيحة، وفي حالة جدلية من التأثير المتبادل بين من يمد يده إلى الأمريكي والأوربي والإقليمي بوقاحة، وبين من يعمل على اتخاذ القرار السياسي المستقل، ويقف ضد أي تدخل في الشؤون الداخلية. ونتائج هذا الصراع الدائر مئات ألوف القتلى والجرحى والمعوقين، بدءاً من تونس وانتهاء بمملكة البحرين. إن كان من (الناتو) أو من التنظيمات التكفيرية الإرهابية السوداء أو من العنف المتبادل، في ظل اصطفافات جديدة تتطلب تحالفات جديدة أيضاً.. تحالفات غير (ورقية) تتعزز على الأرض ميدانياً، من خلال إعادة النظر في أسس التحالف، والمساواة بين القوى المتحالفة، والعودة لبناء علاقات سليمة مع جماهير العمال والفلاحين وصغار الكسبة والمثقفين، وقراءة جديدة لمفهوم التعددية السياسية والاقتصادية، وإعادة الدور للبرجوازية المتوسطة الآخذة بالتآكل تدريجياً.

 

وأكدت التجارب أن الديمقراطية لا تكون بفتح صناديق الاقتراع، ومعرفة إحكام إغلاقها ثم فرز الأوراق. وليست مجرّد انتخابات أيضاً، بل يجب ممارستها عملياً وتحويلها إلى ثقافة مجتمعية. ومد جسور المصالحة بثقة بين السياسة والثقافة. وإقامة حراسة مشددة على هذه الجسور، منعاً لنسفها بالديناميت والمتفجرات والعبوات الناسفة. ويرى أحمد إبراهيم، الأمين العام لحركة التجديد التونسية، أن حركة النهضة الإسلامية في تونس تمثّل خطراً حقيقياً. ودعا إلى تكوين كتلة قوية تضم كل أحزاب اليسار لمواجهة التطرف الديني.. وتابع قائلاً يجب ألاَّ نستهين بالمخاطر التي تمثلها النهضة، ومن بينها التراجع عن المكاسب المحققة مثل الرقابة على الإبداع، والنمط الحداثي للتونسيين الذي أصبح مهدداً من جهة. ورغم ذلك هناك إمكانية للتعايش معها داخل المجلس التأسيسي، في إطار احترام اللعبة الديمقراطية من جهة ثانية. وبينت الانتخابات والتحالفات وما أفرزه الربيع التونسي، والتحالفات التي نمت خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة من عمر الحراك الجماهيري، أن هناك اتجاهاً يسعى لتدعيم الحريات السياسية والعدالة الاجتماعية وبناء حياة ديمقراطية، وتعزيز الثوابت التقدمية في حياة الجماهير التونسية التوَّاقة إلى الحرية والتقدم وبناء المجتمع الجديد. واتجاهاً آخر عمل في الماضي، ويعمل الآن لاستغلال مشاعر المواطنين الدينية وتأجيجها لكسب تأييدها وجرها إلى صفوفه، وتطويعها وفرض أبوّته عليها ونمط حياة أكل الدهر على طبقه حتى التخمة، ولم يعد هذا العصر بحاجة إليه.

 

إن الشعوب العربية ومكوّناتها المؤسّسة على التعددية القومية والدينية والمذهبية، وعلى أسس التعايش المشترك، الطامحة للانتقال إلى حياة عصرية تتماشى مع الثورة التكنولوجية، لا تريد أن تنظر إلى الوراء، أو الرجوع إلى (المواطنة مقابل الغرباء) كما كان في المدن الإغريقية القديمة، بل إقامة عقد اجتماعي ما بين (المجتمع والدولة) على آلية ديمقراطية تحكم العلاقة بين المواطنين بالاستناد إلى القوانين المعاصرة الديمقراطية التقدمية.

 

ويجب الاعتراف أن الأغلبية هي التي تحكم، ولكن على من يشكل الحكومة، سواء كان حزباً أم تآلفاً بين مجموعة أحزاب وحركات، أن يضمن حقوق المواطن الأساسية ويحفظ حقوق الأقليات، التي نصَّ عليها الدستور. والمساواة أمام القانون وإجراء الانتخابات الحرة النزيهة. وفصل السلطات الثلاث، ومراقبة السلطة التشريعية للحكومة ومحاسبتها علناً. وترسيخ مبادئ التعددية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

 

ويتكرر كثيراً مفهوم (الدولة المدنية). وهو مفهوم غربي يعني (دولة يحكمها الدستور والقانون)، سواء كانت ملكية أم جمهورية رئاسية أم برلمانية، ولا علاقة للدين بمؤسساتها، أي فصل الدين عن الحكم وعن التشريع، وحصره في دور العبادة أياً كانت. وليس له أية علاقة بالسلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية. فالدولة المدنية هي دولة القانون التي لا يمكن شخصنتها.

 

إن النموذج التونسي السبَّاق، لا تظهر نتائجه في فترة قصيرة، حتى يتسنَّى للمجلس التأسيسي أن يمارس دوره عملياً. وستتبعه الانتخابات المصرية القادمة، وتليها الانتخابات التشريعية السورية.. ولكل دولة عربية خصوصيتها التي على أساسها تبني مؤسساتها ونظام الحكم

2011-12-06
التعليقات