syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
كيف ينظر الحزب الشيوعي السوري “الموحد” إلى مسألة التعليم؟ ... بقلم : الحزب الشيوعي الموحد

غدت التربية والتعليم، في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى، قضية وطنية استراتيجية من الدرجة الأولى


 فهي الأساس الذي يحدد مستقبل الوطن ومصير أجياله. فإذا أردنا أن يكون هذا الأساس متيناً، خاصة بعد أن غدا العلم من أكثر العناصر فاعلية وإنتاجية، فينبغي للمدرسة والجامعة، ويمكن لهما، أن تكونا رافعة قادرة على الانتقال بوطننا ومجتمعنا نحو مراقي التقدم والحياة الإنسانية الراقية.

 

ولا بد من التذكير هنا بأن التعليم حق أصيل من حقوق الإنسان، وهو كذلك حق من حقوق المواطنة التي نص عليها الدستور، مثلما نص على أن من واجب الدولة ضمان هذا الحق وتيسير سبل الحصول عليه، على الوجه الأمثل (المادة 27-التعليم حق تكفله الدولة، وهو مجاني في جميع مراحله، وإلزامي في المرحلة الابتدائية وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى، وتشرف على التعليم وتوجهه بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج).

ويجدر التأكيد أيضاً أن الاستثمار في هذه القضية، إذا ما أُعطي حقه من الاهتمام، هو الاستثمار الأفضل والأكثر جدوى. فالدراسات التتبعية لمدخلات عملية التنمية ومخرجاتها تُظهر أن الخبرة البشرية تأتي في المرتبة الأولى من هذه المدخلات والمخرجات، لأن عائد الاستثمار التربوي يفوق كل عائد، ولأن العلم وتطبيقاته ركيزة كل استثمار، ومنطلق كل إنجاز.

 

إن ذلك كله يوجب على الحكومة، وهي تستطيع، حين تتوفر إرادة التغيير الإيجابي، أن تضع التعليم في مقدمة أوَّلياتها، وأن توفر مستلزماته، بأن تخصص له في خططها وموازناتها السنوية الاعتمادات الضرورية والكافية لتلافي جوانب النقص والخلل والتقصير التي تراكمت على مدى عشرات السنين.

 

ففي الوقت الذي زادت فيه مخصصات التعليم في الموازنة، سنة بعد سنة، وتحققت تطورات كمية في البنية التحتية للتعليم، فإن نسبة هذه الزيادة وأرقامها ظلتا أدنى بكثير من تلبية الحاجة، التي كانت تتنامى مع النمو السكاني، وبالتالي ظلتا أدنى من أن تحققا نقلة نوعية في مستوى الكفاءتين الداخلية والخارجية للتعليم.

 

وبعد أن بدأت وزارة التربية تطبق المنهاج الجديد، مع بداية العام الدراسي 2010-،2011 انكشفت، بوضوح أكبر، الهوة الواسعة التي لا تزال تفصل بين الواقع والمطلوب، في البنية التحتية للتعليم، بشقيها المادي (مدارس وتقنيات..)، والبشري (معلمين، إدارات..) كماً ونوعاً. وتكفي الإشارة هنا إلى استمرار مشكلة الدوام النصفي المترافقة مع كثافة صفية عالية، وتتفاوت النسبة بين المحافظات إلى درجة تشكل خرقاً فاضحاً لمبدأ ديمقراطية التعليم.

 

كما أن مستوى الرواتب والأجور التي يتقاضاها المعلم المعلمة، مازالت، مثل غيره من العاملين، أدنى بكثير من الحد اللازم لتأمين الحد الأدنى للحياة الكريمة، وقد انعكس ذلك تدنياً في كفاياته، وانخفاضاً في مستوى أدائه، وهدراً في كرامته.

 

ورغم مرور ثماني سنوات على إقرار نظام التعليم الأساسي، ومدّ الإلزام بموجبه إلى الصف التاسع، بعد أن كان يشمل الصفوف الستة الأولى فقط، فلا تزال معدلات التسرب مرتفعة، في هذه المرحلة، وتكاد نسبة من لا يكملون تعليمهم بعد الصف السادس تتجاوز 25%، وهناك نسبة مماثلة تقريباً ممن يصلون إلى الصف التاسع لا تلتحق بالتعليم الثانوي. وفي الحالتين، فإن السبب الأبرز للتسرب هو تردي المستوى المعيشي وتدني مستوى الدخل، كما تمثل النظرة الاجتماعية المتخلفة السبب الأبرز في تسرب البنات وعدم إكمال دراستهن.

 

إن اتساع نطاق التسرب، خصوصاً في الصفوف الأولى، إضافة إلى مشكلة ازدحام الصفوف والدوام النصفي، يفسران، إلى حد كبير، تنامي الأمية في مجتمعنا، وبعد أن كان التوجه منذ أربعين سنة يقتضي التخلص من أمية الكبار، صار الوضع يستدعي اليوم حملة وطنية شاملة ومركّزة للنهوض بالتعليم كماً ونوعاً، للقضاء فعلاً على الأمية، عند الكبار والصغار، بجانبيها أمية القراءة والكتابة، والأمية التكنولوجية.

 

سياسات.. ومؤشرات مقلقة

رغم أن سياسات القبول الجامعي أتاحت خيارات جديدة لحملة الثانوية، فإنها ظلت، عملياً، تضيّق فرص الدراسة وحرية الاختيار أمام عشرات الآلاف منهم، من جهة بالرفع المتوالي لمعدلات القبول في الجامعات والمعاهد، ومن جهة أخرى، بزيادة تكاليف القبول والدراسة (في التعليم الموازي مثلاً، وأكثر منه في الجامعات الخاصة)، وفوق ذلك لا يجد الخريجون فرص عمل مناسبة، ويلتحق كثيرون منهم بجيش العاطلين عن العمل، كما يندفع بعضهم إلى الهجرة شرقاً أو غرباً.

 

أما على مستوى التعليم ما قبل الجامعي، ورغم أنه لم يتحقق طموح بعض المخططين التربويين في أن يتولى القطاع الخاص، مع نهاية الخمسية العاشرة، 30% من التعليم، فإن بعض المؤشرات التي ظهرت مؤخراً تثير قلقاً مشروعاً، إذ تتجه وزارة التربية إلى إرساء نمط من (التعليم الموازي) في المدارس الحكومية، بعد الدوام الرسمي، تحت عنوان (دورات تقوية) للتلاميذ، وحددت للقبول فيها رسوماً عالية قياساً بمستوى الدخل لأغلبية الأسر السورية، التي تجد صعوبة أصلاً في تأمين المستلزمات اليومية لتعليم أبنائها. ومن ذلك أيضاً أن الوزارة حددت أسعاراً عالية للكتب المدرسية الجديدة، مما سيشكل عبئاً إضافياً، خصوصاً على تلاميذ المرحلة الثانوية.

 

غير أن المؤشر الأبرز يتمثل في (استبعاد) التعليم من الأوَّليات الخمس لموازنة العام 2011. وتبعاً للسياسات الحكومية فإن هذا (الاستبعاد) قد يتكرر على مدى الخطة الخمسية الحادية عشرة.. مما سيعني انتقاصاً حقيقياً من حق التعليم، وتراجعاً في مدخلات المدارس الحكومية ومخرجاتها. في الوقت الذي (تزدهر) فيه المدارس الخاصة (من العيار الثقيل)، التي تفرض لقبول التلاميذ فيها أقساطاً سنوية لا يقدر عليها إلا فئة محدودة من الأثرياء.

 

ولابد في هذا الإطار من تأكيد ضرورة أن يجد تعديل ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية انعكاسه الملموس في قطاع التعليم، إذ ليس مقبولاً أن يبقى الانتماء الحزبي والمعايير الأمنية أساساً في اختيار الكادر الإداري والتعليمي، ولا يجوز الاستمرار في حصر خيارات الشباب في الانتماء إلى منظمة الشبيبة، وإلزام التلاميذ جماعياً بالانتساب إليها.

 

 على أساس ذلك نرى

1- التعجيل في بناء المدارس والجامعات وزيادة أعدادها،وخصوصاً في المحافظات الأكثر معاناة من الدوام النصفي والكثافة الصفية،وتطويرها لمواكبة النمو السكاني من جهة، والاحتياجات العلمية والفكرية والإنتاجية من جهة أخرى.وذلك لسد النقص الكبير في عدد المدارس، والوصول إلى الكثافة الصفية المناسبة للمناهج الجديدة والمتوافقة مع المعايير الدولية، وكذلك في الجامعات الحكومية،مما يستدعي زيادة استثنائية في مخصصات التعليم في الموازنة العامة للدولة.

 

2- الارتقاء بالبناء المدرسي والقاعة الصفية ومراكز النشاط (المخبر والورشة والملاعب والمسرح وقاعة الرسم والموسيقا...). والتدريب المستمر للكادر الإداري والتعليمي للارتقاء بكفاياته التربوية والتعليمية، في إطار ترسيخ الاتجاه التفاعلي الديمقراطي للمناهج الجديدة.

 

3- للمعلم في جميع مراحل التعليم دور رئيسي، ولا يمكن له أن يقوم بهذا الدور وأن يعطي العطاء المطلوب، وأن تنطلق إمكاناته وإبداعاته، وأن يطور ويتطور، إلا إذا أتيح له أن يعيش عيشة كريمة محترمة من المجتمع ومؤسساته، وذلك بأن يُجزى أجراً كافياً وتعويضات مناسبة، تغطي حاجاته وتتيح له أن يتفرغ لأداء دوره وتطوير كفاياته التعليمية والتربوية.

 

4- الاهتمام بالتعليم الفني مناهج وبنية تحتية، ورفده بكوادر متخصصة وتقانات حديثة، وفتح منشآت صناعية تكنولوجية وإنتاجية للاستفادة من مخرجاتها في تطوير الاقتصاد الوطني.

 

5- لم تستطع جامعاتنا، بكل أسف، أن تؤدي إحدى مهامها الرئيسة بأن تتحول إلى مراكز للبحث العلمي، وأن تندمج في حياة المجتمع وعملية التنمية. فلا يزال البحث العلمي فيها ضعيفاً ومشتتاً، وشكلياً أحياناً، والعاملون في الجامعات يعرفون ذلك بدقة ويلمسون ضعف خطط البحث، ذلك أن هناك نقصاً فادحاً في المخصصات المالية، وفي البنى التحتية، وفي تفرغ العاملين في الحقل العلمي فعلياً للبحث.ولا بد من زيادة المخصصات وتطوير الخطط، لتأمين انطلاقة مختلفة ومنتجة لمراكز البحث والإبداع.

 

6- اعتماد سياسة شاملة لتطوير التعليم، تراعي التطورات والمستجدات العلمية والتقنية والمعرفية في العالم، وتعنى بتعميق مفاهيم التربية السكانية والبيئية وحقوق الإنسان، في مراحل التعليم كلها، على أن يكون الأساس المرجعي لكل ذلك سياسات المجتمع وخططه التنموية.

 

7- حل المسألة المزمنة المتعلقة بالتفاعل والتناسق بين التعليم وسوق العمل وخطط التنمية، والترابط بين المدرسة والجامعة وحياة المجتمع وحاجاته، وتعميق ثقافة العمل والإنتاج لدى المتعلمين، وتأهيلهم بما يفتح أمامهم إمكانات التطور وتحقيق الذات،والمساهمة الفاعلة في الحياة.

8-اعتماد سياسات وإجراءات تضمن ديمقراطية التعليم ومجانيته وإتاحته لكل أبناء المجتمع،واعتماد الكفاءة والنزاهة أساساً في اختيار الكوادر الإدارية والموجهين التربويين والاختصاصيين.

*من وثائق المؤتمر الحادي عشر للحزب

 

2011-12-17
التعليقات