syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
لُغْـــــــزُ العـــراق ؟ الحلقة (3) الجزء الثاني ... بقلم : نصر زينو

دراسة تحليلية  

الجزء الثاني: الحرب على العراق – وقائع وتوقعات


خامساً: الواقع والمستقبل

1- العولمة الأمريكية والعملاء: لنرى شكل ومضمون الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي يريدها جورج دبليو بوش، لنا ولشعوب العالم الثالث، فلنستمع إلى ما قاله في خطابه بتاريخ 29/1/2003، أمام أعضاء الكونغرس الأمريكي عن حالة الاتحاد،

 

" سنقوم نحن شعوب العالم من الجنس الأبيض المتحضر، بفرض معتقداتنا الرزينة والودودة والتحريرية، على عالم جائع لأموالنا ولرسالتنا، ولن يخضع الرجال بعد الآن لشرط إطلاق اللحى، ولن تخضع النساء لشرط تغطية وجوههن وأجسادهن، من الآن فصاعداً يحق للعالم تناول الخمر والتدخين وممارسة الجنس السوي أو الشذوذ الجنسي، بما في ذلك سفاح القربى واللواط، والخيانة الزوجية، والسلب والقتل وقيادة السيارات بسرعة جنونية، ومشاهدة الأفلام والأشرطة الخلاعية، داخل منازلهم أو غرف نومهم. وبالنسبة لشركاتنا التي تنتج مثل هذه المنتجات، فسيحق لها الوصول من دون أي عقبات للدول المتخلفة، التي منعت تلك الحريات عن شعوبها " ونسال نحن كيف سيتم ذلك ؟! ويتابع " ولهذا السبب نَفْصلُ نحن في العالم اليهودي والمسيحي سياستنا عن عقيدتنا، ونَفْصلُ حروبنا عن العقيدة، ولهذا السبب لا ترون في وسائل الإعلام تغطية للإرهاب اليهودي والكاثوليكي.... " حديث مليء بالعنجهية والغرور والفوقية، والجهل لحقائق الأمور وخصوصية كل شعب وحضارته وثقافته ومعتقداته واسلوب حياته، لا بل حديث مليء بالتعصب والعنصرية والاستخفاف بكل شعوب الأرض، خاصة العربية والإسلامية منها ....، ويتابع السيد بوش الابن " اليوم يوجد العلم الأمريكي والقوات الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية ( السي أي ايه ) ومكتب التحقيقات الفيدرالي، في أكثر من مائة دولة، لضمان السلام والإذعان والتحرر من الخوف والإرهاب ...." وكيف يتحقق السلام والحرية مع الإذعان؟! وهل الإذعان حرية وسلام، أم ذل وعبودية ومهانة؟!

 

هذه أمريكا يا عرب ويا مسلمين، على المكشوف .... بوجهها القبيح والوقح، وأغلبية شعبنا العربي وشعوب الأرض، تعرف هذا القبح والبشاعة والسفاهة لعولمتها البغيضة، باستثناء قلة عمياء البصر والبصيرة، أو بالأصح متعامية عن كل هذا السوء والصفاقة والقذارة في هذه الصورة للولايات المتحدة الأمريكية، لا بل تعمل بكل نذالة، على سترها وتزيينها وتسويقها لشعوبها، وإخفاء نواياها السيئة، لا لشيء إلا انتهازاً وعمالة، لتحقيق مصالحها الشخصية على حساب أهلها .... فهل بعد كل هذا الترويج الفاضح والعلني، لثقافة الانحطاط والعهر والقذارة....، ومن قبل رئيسها شخصياً ومباشرة، يبقى من يؤيد أمريكا ويساندها؟! أو بالأحرى هل يبقى من لا يكره أمريكا، لدرجة الحقد العميق والمقت الواسع، الذي يستلزم عفوياً الانتقام والثأر؟!

 

- وهذا إياد علاوي احد رموز العمالة المؤهلة جيداً جداً، يعترف ويقول في 14/7/2004، في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية القاعدة. سي ) أن " ماضي صدام حسين، يدل بوضوح على علاقته مع الإرهابيين الدوليين، مثل كارلوس وأبو نضال، ومع مجموعات أصولية ...." وأضاف " لدينا معلومات أكيدة، بأنه أقام علاقات مع قادة سودانيين للعمل مع تنظيم القاعدة ومع منظمات من نوع تنظيم القاعدة ...." وتابع القول " أن قرار الذهاب للحرب ضد صدام، كان قراراً أخلاقياً، اتخذ لأسباب أخلاقية. نحن العراقيين نقدر كثيراً دور طوني بلير والرئيس بوش لمساعدة العراق في التحرير ...." ياله من تحرير، ويالها من أخلاق، وعلى الأرض في العراق يرى تجسيدها الرائع !!!! واقر بأن حركة الوثاق الوطني التي يترأسها كانت وراء المعلومات التي قدمتها إلى الحكومة البريطانية، والتي تقول بأن نظام صدام يملك أسلحة دمار شامل، ويمكن نشرها في مهلة 45 دقيقة.... وتابع علاوي القول " كانت لدينا هذه المعلومات، وكانت تشير في الواقع إلى استخدام، لهذه الأسلحة ضد القوات العراقية، في حال انقلبت القوات ضده ( صدام ) ...." وتابع القول أيضاً " على الأقل كانت البرامج موجودة والأدلة كذلك " { أين هذه الأدلة؟! إذا كانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وكل المفتشين الذين حشدتهم لهذه الغاية، لم يعثروا رغم حرية التفتيش والمدة الطويلة التي استغرقها في طول البلاد وعرضها، على هذه الأدلة المزعومة } وأردف العلاوي " ومع إضافتها إلى علاقة صدام مع الإرهاب، فإنها كانت لتشكل خطراً على المجموعة الدولية، وكذلك على العراقيين ودول المنطقة ؟؟؟؟" الله اكبر على هذا السميدع، وعلى وقاحته وضلاله وتضليله، وعلى التحرير الذي فاز العراق فيه! وعلى الديمقراطية التي أرساها، وحقوق البشر التي رسخها، وإعادة البناء والإعمار التي شيدها، فمبارك لهذا العبقري الدماء والعذاب والدموع، والفوضى والتشريد واغتيال العلماء، وتدمير حضارة العراق بما فيها آثارها العريقة، ومصادرة مستقبل العراق الأصيل، ومبارك له أن يكون ملكاً أكثر من الملك كما يقولون...

 

 فإذا كان هذا احد نماذج القلة التي ذكرنا، والذي يعترف بكل صفاقة، بأنه كان على علاقة مع أكثر من خمسة عشر جهازاً امنياً في العالم، من اجل مصلحة العراق؟! وجاء على ظهر الدبابة الأمريكية أو خلفها، كما يقولون، ليحكم العراق، ويتحكم بمصير شعب العراق، الذي خانه بكل بجاحة وعلانية .... وفوق كل هذا يعمل بكل جد وصدق وتفاني، على تسهيل تحقيق أهداف أمريكا ومصالحها، وأهداف ومصالح إسرائيل، الشريك الستراتيجي لها، في كل ما يحدث في المنطقة والعالم، لا بل ويعمل أيضاً على تبرير الحرب القذرة على العراق، وعلى ما ترتكبه وحلفاؤها فيه من مجازر ومذابح، وعلى ما جلبته ولا تزال على شعب العراق والمنطقة من كوارث وويلات، باسم التحرير والديمقراطية .... فهنيئاً لك يا علاوي بك ولزمرتك كل هذه الإنجازات والانتصارات .... التي تحققت بفضلكم وبتضحياتكم الجسيمة في سبيل الوطن الذي نراه ذبيحاً....

 

2- طرق تطبيق العولمة الأمريكية: ولنرى الآن، بعد أن عرفنا ما تريد أمريكا، فرضه على شعوب العالم الثالث خاصة والعالم عامة، بعضاً من وسائل وأساليب التحرير الأمريكي ونشر الديمقراطية، في أفغانستان والعراق وفلسطين، وقبلها وبعدها الكثير في العالم .... منها:

 

أ- الغزو العدواني الاستعماري، باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، بشكل كثيف وهائل، باستثناء أسلحة الدمار الشامل، وربما تفعلها ( أمريكا ) عند اللزوم. / كما كانت أول وآخر من فعلها في اليابان ( هيروشيما وناغازاكي ) حتى الآن، وقد هدد بعض قادتها باستخدام القنابل النووية التكتيكية، إذا ما استدعت هيبتها ذلك    وربما يبقى ذلك في حدود الترهيب والتخويف للتركيع والإذعان لمطالبها ..../ وقد يكون هدف الغزو، الاحتلال المباشر، كما في أفغانستان والعراق، أو بدون كما في يوغسلافيا.... لتحقيق أهدافها ومصالحها بهذه القوة الغاشمة....

 

ب- وقد تستعين أمريكا لإنجاح غزوها وترسيخ احتلالها، بالمرتزقة برواتبهم العالية جداً، وبوكالة الاستخبارات المركزية وما تجنده، وبالموساد والخبراء الإسرائيليين وما يجنده، وشركات الحراسة الخاصة العالمية والمكلفة جداً .... الخ، كل ذلك مطبق عملياً وعلى نطاق واسع في العراق وغيره، وبالتالي فهؤلاء جميعاً مسؤولون عن عمليات التفجير والسيارات المفخخة والاغتيالات والقتل العشوائي والمتعمد للأبرياء، لزرع الفتنة بين أبنائه، بغية إشعال نار الحرب الأهلية الماحقة للجميع، والتي ليس فيها منتصر أبداً ....

 

جـ- وقد تستعين أيضاً بالميلشيات العالمية، التي أنشأتها أمريكا ولا تزال ... وقد خصص الكونغرس الأمريكي مبلغاً وقدره / 500 مليون دولار / لإنشاء ميلشيات عالمية مسلحة ( إسلامية الطابع )، وقد أعلن الرئيس الأمريكي ذلك على الملأ، بخطابه قائلاً " سنخوض حروباً تحت الأضواء الإعلامية، وحروباً سرية قذرة غير معلنة، ونتسبب لهم بحروب أهلية... وسنجعلهم يتحاربون ويتقاتلون "، وما مليارات الدولارات التي صرفتها الإدارة الأمريكية، على الحملات الإعلانية الترويجية لحروبها الإرهابية، إلا تطبيق عملي لهذه السياسة، وعامل مساعد لنا، لاستكشاف معالم الستراتيجية الأمريكية القادمة، لتخريب الأوطان بالغزو والعدوان والاحتلال، أو بتحويل استقرار بعضها إلى اقتتال بين أبنائها في حروب أهلية مدمرة، كي تتفرغ لنهب الثروات الاقتصادية لتلك البلدان، والسيطرة على مقدراتها وطاقاتها، ومصادرة قراراتها السياسية والسيادية ، وتشويه قيمها وتقاليدها ومثلها الأصيلة .... والأمثلة على ذلك كثيرة، تمتد من أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا ...، بالإضافة إلى لجوئها عن طريق وكالة الاستخبارات المركزية ( السي أي ايه ) الأمريكية، لاغتيال العشرات من القادة السياسيين والزعماء الثوريين في العالم .... والشواهد أكثر من أن تحصى... ورغم كل ذلك، الذي روينا بعضاً منه، وهو غيض من فيض، فما زال الكثير من الأتباع والعملاء يدافعون عن أمريكا، ويرّوجون لسياساتها وحضارتها بما فيها السيئ والمقيت، وليس المضيء والرائع، بل ولنشر عولمتها الظالمة والمظلمة ....

 

د- باستخدام فرق القوات الخاصة للاغتيالات، وقد ذكرت مجلة نيوزويك الأمريكية، في 9/1/2005، أن وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاغون "، تبحث في تشكيل فرق اغتيالات، من القوات الخاصة، لاستهداف قادة المقاتلين العراقيين. ونقلت عن ضابط كبير أمريكي قوله:" ينبغي إيجاد طريقة تمكن القوات الأمريكية، من التحول إلى الهجوم ضد المسلحين العراقيين، بدلاً من الاستمرار في الدفاع الخاسر" وتقضي الخطة التي أطلق عليها " خيار السلفادور" فيما تقتضيه أن من بين المقترحات فيها إرسال فرق من القوات الخاصة الأمريكية للمشورة والدعم وتدريب فرق عراقية لملاحقة المقاتلين العراقيين والمتعاطفين معهم .... وخبرة أمريكا في هذا المجال واسعة جداً / المخابرات المركزية /، وقد تستعين بخبرات الاسرائيلين في ذلك، وهي مستعينة حتماً ولا تزال مستمرة في تعاونها الوثيق مع الموساد، ومع بعض من قادة الإرهاب في إسرائيل، الذين مارسوا كل الوسائل على الشعب الفلسطيني، ومقاومته وقادتها حتى السياسيين منهم، والفضائح عن هذا التعاون مستمرة، وعلى الطريق الكثير ....

 

هـ- استخدام الحرب الأهلية، تخطيطاً لها، وتحريضاً عليها، بتأليب فريق على آخر، ودس العملاء بين صفوف كل طرف من الإطراف، لإثارة الثغرات بأنواعها وأشكالها، وتفجير القتال بقتل زعيم من هنا وآخر من هناك، وتقريب فريق واستبعاد آخر، وإعطاء مكاسب ومنافع لهذا وحجبها عن ذاك، حتى ضمن الفريق الواحد أو الفئة الواحدة ... كل ذلك مارسته أمريكا في العراق ولم ينفع بالمطلق حتى الآن، بسبب الوعي الوطني والقومي والإنساني، الذي يتمتع به أبناؤه، وقدرتهم الهائلة على كشف ألاعيب الاحتلال وأساليبه وغاياته، فهو أي الشعب العراقي العظيم لا يزال صامداً ومتمسكاً بوحدته الوطنية الراسخة، بمختلف أطيافه وألوانه وشرائحه وفئاته، وهذا بحد ذاته جهاد عظيم، وشوكة في حلق الاحتلال وأعوانه ... فإلى مزيد من الصمود والرفض والتصدي لكل التحديات الكبيرة، والتي لا تحصى بتنوعها الماكر، بالمزيد من التلاحم والوحدة الوطنية والوعي الصحيح والعلم والمعرفة الواسعة، بما يجري في الوطن والمنطقة والعالم ... حتى النصر. فأمريكا لم تيأس من محاولة تقسيم العراق إلى دويلات كردية – وسنية – وشيعية – وحتى لم تيأس من قدرتها على تمزيق هذه الدويلات، فيما بعد إذا ما نجحت في خططها الخبيثة، وتخريبها بحرب أهلية ضروس، تحرق الأخضر واليابس وليس فيها رابح حتماً... والشواهد المنشورة بكل وسائل الإعلام، عن ذلك كثيرة جداً وفي متناول من يريد الاستزادة، ولكم في العدد 200 تاريخ 25/12/2004 من الاتجاه الآخر الأمثلة الكثيرة على الأبواق المفرضة والمحرضة على الحرب الأهلية، وتبريرها وضروراتها، وكأنها واقعة حتماً ولا مفر منها، خدمة لأمريكا ولعملائها الأكثر سوءاً منها في هذا المجال، ولا يتسع المقام لاستعراضها وكشف سوءاتها ونوايا أصحابها، ومرامي القائلين بها والعاملين على إشعالها وإذكائها، لكنهم خسئوا، فالشعب لهم بكل فئاته ومثقفيه وقادته بالمرصاد ....

 

و- وبالمال المسفوح: حيث أن كلفة الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان، كما تقدرها الجهات الأمريكية نفسها، كما نشرت، صحيفة / بوسطن غلوب / بتاريخ 15/12/2004 أرقاماً عن ميزانية الطوارئ الأمريكية لشؤون الحرب في العراق، تبين منها، أن هذه الميزانية بلغت في نيسان 2003/ 56 مليار دولار، ثم زادت وأضيف إليها في تشرين ثاني 2003/ 72 مليار دولار، ويطالب بوش الابن الكونغرس في هذه الأوقات بتخصيص، ما بين 80 إلى 100 مليار دولار، لصالح الحرب في العراق وأفغانستان في عام 2005. ويرى الخبراء في شؤون الميزانية الأمريكية، بموجب ما نشرته صحيفة بوسطن غلوب، أن الحرب الأمريكية في العراق، ستزيد تكاليفها من آذار 2003/ عن 200 مليار دولار ....

 

ويقول المحلل السياسي جون بايك في غلوبال، أن حرب أمريكا في العراق، كانت تكلف مليار دولار في الأسبوع، ثم أصبحت تكلف مليارين أسبوعياً ....!!! وفي تقرير كتبه / اريك فارغوليز في صحيفة ( تورنتوسن ) الكندية، كشف أن قراضاي الذي اعتبر أول رئيس أفغاني، منتخب بشكل ديمقراطي في أفغانستان، كلف الولايات المتحدة الأمريكية / 1.6 مليار دولار / شهرياً، قبل الإجراءات الانتخابية في كابول، وهو بالتالي أغلى رئيس في العالم، لأفقر دولة في العالم، ولولا وجود القوات الأجنبية، لما بقي قراضاي يوماً واحداً في كابول، الذي من اجله منعت أمريكا، غيره من الشخصيات الأفغانية المستقلة من ترشيح نفسها، لتفرض قراضاي، الذي عاش في أمريكا، ويحمل الجنسية الأمريكية!!!

 

ولقد كان تأثير كلفة الحرب المادية الهائلة كما ذكرنا، كبيراً على الرأي العام الأمريكي، فقد جاء في آخر استطلاع للرأي العام الأمريكي، بموجب قناة ( آ بي سي ) الأمريكية، أن 56% من الأمريكيين يعتبرون غزو العراق خطأً فادحاً، وهذه غالبية مهمة وذات تأثير كبير في الولايات المتحدة، وخصوصاً بعد الانتخابات الأمريكية، فالدلالة التي تشير إليها هذه النتيجة، هي أن الجمهور الأمريكي، ما زال عاجزاً عن هضم غزو العراق ومضاعفاته الهائلة بشرياً ومادياً ومعنوياً، وهذا يبشر بتحول الرأي العام عن مساندته المطلقة لسياسة بوش في حربه المعلنة على الإرهاب، خاصة منها حربه على العراق، وربما يتحول إلى سحب هذه المساندة نهائياً، ومطالبته بإنهاء احتلال العراق، وسحب القوات الأمريكية منه، وعودتها إلى الوطن بسلام .... وربما يقولون مع ما قاله احد المقاتلين الأمريكان في العراق متسائلاً: " ما المصلحة الوطنية لأمريكا لتخوض حرباً على بلد مسالم، يبعد عنا آلاف الأميال، وليس في نيته الاعتداء علينا، وحتى ولو كان يريد فهو غير قادر على ذلك؟" وربما لن يكون هذا اليوم الذي يقول فيه الشعب الأمريكي كلمته ببعيد....

 

3- الحل المتوقع والممكن للصراع: إن الحل المتوقع والوارد لملف الحرب في العراق، على ما اعتقد ينحصر في خيارين متاحين أمام الولايات المتحد الأمريكية:

 

أ- الخيار الأول: تقوم أمريكا بالتخلي عن ملف العراق للأمم المتحدة كلياً ونهائياً، لتقوم بدورها الأساسي، لمعالجة الوضع السياسي في البلد، بشكل كامل وشامل وموضوعي وديمقراطي حر، مستعينة بقوات حفظ سلام، تحت رايتها وقيادتها، وتكون قوات حلف الأطلسي جزءاً كبيراً منها، بالإضافة لقوات أخرى من دول ترغب في المساهمة في حفظ النظام والأمن، وتؤمن السلام والاستقرار لشعب العراق، الطامح للحرية والاستقلال والسيادة الحقيقية لوطنه، والحفاظ على وحدته أرضاً وشعباً وكياناً مستقلاً. وبهذا الشكل تكون الولايات المتحدة قد زعمت أنها حققت الحرية والديمقراطية للعراق، خاصة بعد إجراء الانتخابات المقررة في 30/1/2005 مهما كانت وبأي شكل تمت، المهم أن تتم في موعدها، كحفظ ماء وجهها، وتنسحب من ارض اشتعلت عليها وعلى حلفائها .... وهذا الخيار ممكن وواقعي ومرغوب من شعب العراق نفسه ومن أمته ومن العالم اجمع أيضاً.

 

ب- الخيار الثاني: أن تركب الولايات المتحدة رأسها، وتستمر في غيها وعدوانها الشرس على شعب العراق، باللجوء إلى المزيد من العنف، وإشعال الحرائق في كل مكان، وإشاعة المزيد من الخراب والدمار والدماء، في طول البلاد وعرضها، كما جرى ويجري في الفلوجة والرمادي والموصل والنجف وكربلاء وتكريت وبغداد وضواحيها، وكل مدن وبلدات العراق وقراه وحتى مزارعه .... ومما يستوجب الرد بالمثل، أي بالعنف نفسه أو يزيد، وبالتالي ربما يؤدي ذلك إلى انفجار هائل في المنطقة، وزلزالٍ مدمرٍ في العالم، لا احد يعرف بدايته ولا نهايته.وربما يمتد الحريق إلى ثوب أمريكا نفسها، فماذا ستفعل حينئذ؟! ومن المستفيد الأكبر من هذه الحرب؟! قطعاً إسرائيل وحماتها في أمريكا فقط .... ولن تحصد أمريكا نفسها سوى الريح، والمزيد من الكره والحقد والغضب. فلا تسالوا أيها الأمريكان أو تتساءلوا، لماذا يكرهنا العالم؟!! فانتم جلبتم ذلك لأنفسكم، بحروبكم الوحشية الظالمة وغير الشرعية والانفرادية، لبسط سيطرتكم ونفوذكم وهيمنتكم على العالم، وفرض ثقافتكم وقيمكم وحضارتكم، على ثقافات وحضارات العالم، بعولمتكم المشؤومة، ووقوفكم الأعمى مع إسرائيل وسياساتها الإرهابية والعنصرية، التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني، وعلى الشعوب العربية والإسلامية، أمام نظر وسمع العالم، المتحضر الصامت، صمت القبور على جرائمها وفظائعها .... فانحيازكم المطلق لسياسة إسرائيل هذه، وتنفيذ رغباتها وأهدافها ومصالحها، على حساب شعوب المنطقة، وتامين حمايتها سياسياً ودبلوماسياً من إرادة المجتمع الدولي، هو السبب الجوهري لكل الكوارث. فأمريكا لها مصالحها المشروعة، لا بأس بذلك، ولكن أن تكون مصالح إسرائيل فوق مصالحها أو أولى منها، فهذا ما لا يعقل ولا يطاق ولا يهضمه احد بأي شكل من الإشكال المتعارف عليها في هذا العصر والعالم....

 

- قد يهتدي عقلاء الإدارة الأمريكية، إلى الصواب والحق والعدل... ويقومون، وفاءاً لامتهم، بإنقاذ أمريكا مما هي فيه، وينتشلونها من الوحل الذي وضعتها فيه قيادتها الحالية المتنفذة، ويعيدونها إلى المكانة التي تتناسب وعظمة حضارة أمريكا، وديمقراطيتها وحريتها وإنسانيتها، التي كانت تتوق إليها في عصورها الذهبية، شعوب الأرض، وتتطلع إليها كمثال يحتذى، قبل وقوعها في براثن اليهودية والصهيونية، وتبني منطلقاتها وأساليبها ومصالحها وأهدافها، التي كلها باطلة وكاذبة، ومليئة بالأضاليل والخرافات والأساطير التوراتية المختلقة .... وقبل التزاوج غير الشرعي بين اليهودية والمسيحية المنحرفة في الجنوب الأمريكي خاصة، وفي إدارتها عامة، وبالتالي إملاء رؤيتها السياسية على هذه الإدارة المحافظة والموغلة في التعصب والعنصرية والفوقية كالنازية تماماً، والذي قادها إلى السقوط المريع في مستنقع اللامعقول واللامنطقي واللااخلاقي واللاانساني واللاحضاري إطلاقاً ....

سادساً: خاتمة البحث

 

- وباختصار نقول أن العراق سيكون الفيصل في الإستراتيجية الأمريكية سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً:

أ- فإما الانتصار فيه ( العراق )، ومن ثمَّ الانطلاق من قاعدته، إلى غيره من دول محور الشر كما سماها رئيسها بوش والى غيرها من الدول غير الراكعة لإرادتها.... وبالتالي تُطلق يدها حرة للعمل في تحقيق مآربها في الهيمنة والتحكم بمصير العالم، فتتمدد اكبر من حجمها وفوق طاقتها، وبالتالي ربما سيكون ذلك مقتلها ولو بعد حين، وارى أن هذا ما سيكون....

 

ب- وإما الاندحار وفشل الغزو والاحتلال للعراق، فالانكفاء والتخلي عن سياسة وستراتيجية الإمبراطورية، باعتبارها القطب الأوحد والأعظم والأكبر الطامح للسيطرة على الكرة الأرضية بكاملها. وبالتالي العودة إلى رشدها والى حجمها الطبيعي كدولة عظمى من هذا العالم، وليس هي العالم كله....

جـ- وأياً كان الخيار أو الموقف الذي ستتخذه أمريكا، فان خيار العراق الوحيد هو المقاومة، والمقاومة السلمية والمسلحة فقط، حتى زوال الاحتلال وتحقيق الاستقلال والحرية والسيادة الكاملة .

 

- إذاً سيتوقف، على ما اعتقد، مصير العالم ومستقبله على نتائج الصراع في العراق...، فإما انتصار الشعوب والعقلانية أي انتصار الخير والسلام، أو انتصار أمريكا والصهيونية والهمجية وشريعة الغاب أي انتصار الشر والإرهاب.

 

- وأخيراً رغم كل الذي جرى ويجري في العراق من أحداث دامية... ووقائع مأساوية... وتطورات دراماتيكية... وفضائح مشينة واتهامات .... ومناورات خبيثة... وتحالفات مريبة... وعجائب التدخلات والمداخلات في الوضع القائم في العراق، وما نضح عنه من مساوئ وإساءات ... وكوارث وطنية ومعاناة لا نهائية...

 

ورغم كل ما قدمنا من محاولات جادة لحل اللغز في العراق، فانه لا يزال محيراً، وبلا إجابة شافية ويقينية.... ويباغتك بالسؤال:

من اتخذ قرار التخلي عن السلطة، ومتى وكيف؟1

 

من اتخذ قرار إخلاء بغداد، ومتى ولماذا؟!

أين الجيش والأمن العراقيين؟ وهل لا يزالون يقاتلون والمقاومة الوطنية المحتلين، كما أتوقع، حتى التحرير والاستقلال؟1

ويأتيك بالأخبار من لم تزود ....

 

 ورغم كل ذلك اعتقد في النهاية أن الربيع الإنساني الحضاري، قادم لا محالة على العراق، وعلينا وعلى المنطقة والعالم، شاءت قوى الظلم والظلام أم أبت ....

 

دمشق 25/1/2005

العميد الركن المتقاعد نصر علي زينو

 

2011-12-17
التعليقات
عربي سوري مسلم
2011-12-18 12:49:45
الظاهر معاكم انفصام شخصية
اذا كنت بتعرفو كل هل معلومات ليش تحاربو القاعدة الي ضربت امريكا بالصميم

سوريا