syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
فصلان من رواية ... الجزء الثاني ... بقلم : علاء الدين حسو

(2)  الخواطر تظهر


عدت في اليوم التالي، بخفة وسعادة لا توصف، كنت مخدّرة بفعل الحلم، ومستعجلة في مراجعة الكتاب لتذكر قصة الوصية التي نفذت بعد الموت. فالحلم أشارة بأنّي سأتغيّر. وبأنّني لن أعود كما كنت. و سأجد الخواطر. دخلت غرفتي وتركت الباب مفتوحاً . لم أدخن، ولم أخلع معطفي أو غطاء رأسي، وتفاجأ المحاسب الذي وقف أمام باب الغرفة مصبّحاً :

 

-         صباح الخير ...

صمت لم يكمل،  تفحصني ثم قال:

-         اليوم أنت مختلفة؟

 

لم تقتصر الدهشة على المحاسب، أمين المستودع تلبّك واضطرب حين رآني، وتردد في تقديم قطعة الشوكولاته . وتهرّب . وتوقف مهدي عند الباب، يسألني كعادته:

-         آنسة وفاء ..

صمت ، وكأنه لم يتوقع ما رأى ..ثم بعد تردد :

-         هل ستشربين القهوة عند المحاسب؟

 

-         لا.

رأيت الذهول في وجهه، وأكملت:

-         لا أريد قهوة ، بل بابونج.

الدهشة الكبرى كانت من نصيبي، فأنا لا أصدق نفسي، كنت أشعر برشاقة ابنة السابعة عشرة، وبعد أن جلب مهدي شراب البابونج الساخن، سألته :

-         هل مازلت تحتفظ بالكتاب الأحمر؟

 

ابتسم وهز رأسه، سمّت سحر الكتاب بالأحمر كونه لون الغلاف، وكانت تسخر من حبي لفلسفة الألوان، ولكنّها كانت تقول بأنّ الكتاب الأحمر غيّر وفاء وبانتظار الكتاب الأبيض وكانت تقصد فستان الزفاف. تردد مهدي في البدء ثم سأل:

 

-         هل رأيتها في المنام ؟

-         نعم؟

-         ولكنّه لا يفسر الأحلام ؟

-         أعرف.سأقص عليك المنام فيما بعد.

 

وبأدب خرج،  ثم عاد بسرعة ومعه الكتاب، تلقفته بلهفة و أغلقت الباب. قلبت الصفحات بسرعة، وفي الصفحة رقم ثلاثة وعشرين وجدت قصة ثابت بن قيس رضي الله عنه. وتجاوزت السطور الأولى التي تبدأ بعن وعن إلى أن وصلت إلى السطر الخامس عشر(فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة فلما التقوا وانكشفوا قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم حفر كل واحد له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا، وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة ، فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينما هو رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له: أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة وفوق البرمة رحل فأتى خالداً فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدنية على خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – يعني أبا بكر الصديق – فقل له: إن على من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق وفلان. فأتى الرجل خالداً فأخبره فبعث إلى الدرع فأتى بها وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته.)  

 

أغلقت الكتاب وقد انتابتني قشعريرة، وخفق قلبي، هل من الممكن أن يتكرر ذلك معي؟ .. ولكنها لم تقل لي عن مكان المحفظة.   حدثت نفسي كي أفتح درج المكتب وأنظر إلى وجهي، كنت متأكدة بأن جمالي الحقيقي بدأ يظهر، وبأن الحبوب التي بدأت تختفي علامة تأكيد لما حدث  وكدت أفتح الدرج لولا ما رأيته. رأيت على المكتب آثار قدم . فأدركت ثمّة من دخل المكتب، اليوم أو البارحة، توجست في البدء، ظننته آثار فأر أو قط، وحين تأكدت بأنها آثر حذاء خفت أكثر، ما الذي كان يفعله

 

صاحب الحذاء فوق مكتبي؟  وحين رفعت رأسي أنظر على السقف، وجدت شريحة من شرائح السقف المستعار مرفوعة، منزاحة عن مكانها، فتذكّرت.

 رأيت سحر في أخر يوم  قبل العطلة وهي تحرك الشريحة، اضطربت حين رأتني وقد دخلت على غفلة. ثم نزلت من الكرسي الذي وضعته فوق الطاولة كي تصل إلى الشريحة، وأنزلت الكرسي وهي تقول بأنّها تخشى الفئران  ورأت الشريحة منزاحة، وحين سألتها وكيف تصل إلى هناك ؟ ابتسمت وتجاهلت سؤالي، وبعد تردد قالت لي:

 

-    اسمعي وفاء ، أشعر هذه الأيام بخوف شديد، إن حصل لي مكروه عليك بقراءة خواطري، ستجدين فيها حياتي . لا أريد منك أن تصبحي مثلي. أعرف طبيعتك، أنت فتاة طيبة ، تقية، أمّا أنا ضائعة.

 

لم أفهم رسالتها يوم طلبتني في المستشفى؟ السرّ في الخواطر، إنني الآن أتذكّر ما قالته لي ذلك اليوم الذي رأيتها فوق المكتب تعيد الشريحة إلى مكانها. وأتذكّر ما قالته لي كلمة كلمة .  كيف لم أتذكر إصرارها على رفض طلبي  لرؤية الخواطر أو قراءتها. قالت لي: بأنّ لكلّ إنسان أسرار لا يحب أن يشاركها مع أحد، حتى مع أكثر المقربين. وأنّ ثمة لحظات من الضروري أنّ يكون الإنسان مختلياً، مثل تلك الدقائق التي ينفرد فيها الإنسان ليقضي حاجته. وأنّها إذا سمحت لي الإطلاع على الخواطر الآن، كأنّما تسمح لي برؤيتها وهي تتغوط.

 

وبسرعة البرق، وضعت الكرسي فوق المكتب، صعدت، رفعت الشريحة التي لم يكن من الصعوبة تميّزها، كانت منزاحة قليلاً . دفعت الشريحة ومددت يدي، قلبي تسارع أكثر فأكثر، ارتطمت يدي بجلد سميك، سحبته قليلاً، ثم أمسكت به وأنزلته، ثمة غبار بسيط عليه، إنها محفظتها القديمة ، وبهيبة وضعتها على المكتب ككتاب مقدس. فتحت المحفظة وأخرجت الأوراق كانت مرقمة ، وقرأت في الصفحة الأولى  كلاماً صاعقاً:

 

إليك عزيزتي وفاء أهدي هذه الخواطر، وأعرف بأنّ اللحظة التي ستقرئين فيها هذه الخواطر سأكون قد رحلت عن هذه الدنيا، و على رأي حبيبك وسيم سأكون غادرت إلى محطة أخرى. سنلتقي مرة أخرى حين تأتين إلى هنا. ولكن أتمنى أن تكون المحطة التي تليها خيراً لك ،أما أنا فأعتقد أنّ المحطة القادمة أصعب.

سحر. الخميس 20/7/2006  .

 

2011-12-15
التعليقات
غادر بالسلامة
2011-12-16 14:29:11
حنون
قد تكون تخيلات ولكن بما انني اعامل على اساسها فقد اقتنعوا ان تلك المزهرية هي انا وبذلك اكون ظلمت لاصنف ضمن النساء غبيات ويا له من لقب جميل لتشابه ليس لي به دخل ولاسقاطات عارية عن الصحة يلا كلوا رايح وبالاخير سيبقى الاصل الواحد للواحد الاحد هذا اخيارهم نحترهم مقالكجيد فيه جمل رائعة ع محطة الوفاء

سوريا