syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
تحالف اليسار السوري ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل ... بقلم : جريدة النور السورية

في الأزمة السورية التي توقعها الكثيرون.. و فاجأت الكثيرين ، تعددت الخيارات أمام القوى السياسية السورية في الداخل والخارج.


فبعض الأحزاب والتجمعات السياسية في الداخل اختارت الاصطفاف ضد السلطة السياسية في سورية، فسنوات طويلة من فقدان شرعية النشاط السياسي، والملاحقة الأمنية.. والاعتقال.. والأحكام الجائرة، صبغت مواقف هذه الأحزاب والتجمعات بالتشدد إزاء دعوات السلطة السياسية للحوار.

 

  ورغم التباينات الواضحة في تركيبة هذه القوى، واختلاف دوافعها المؤسسة لحراكها السياسي، فقد وجدت في رفض هيمنة حزب واحد، وغياب التعددية السياسية، والظلم الإثني، قاعدة للانطلاق من أجل التغيير السلمي دون التورط في العنف.. والتفتيت الطائفي.. والتدخل العسكري الخارجي. وبغض النظر عن الضعف التنظيمي الذي يتسم به، والسلوك السياسي الذي ينتهجه، فإن ما صدر عن هذا التحالف حتى الآن لم يتطرق إلى مشروع سياسي اقتصادي واجتماعي شامل، يقنع الجماهير الشعبية.

 

أما الأحزاب والشخصيات والنخب السياسية والفكرية، التي اختارت النضال من (الخارج)، مدعومة في بداية الأمر من بعض المراكز السياسية، والدوائر القريبة من مراكز القرار الأمريكي والأوربي والخليجي، فقد اختارت بعد قرار الولايات المتحدة تحويل الربيع العربي إلى خريف طائفي، تكثيف (نضالها) السياسي والتحريضي والعسكري لإنجاح الخطة الأمريكية التي تُعَدُّ سورية أحد أبرز عوائق تنفيذها. لقد قرر هؤلاء المعارضون إعلان تحالفهم -الذي كان (مغمغماً) - في عز الظهيرة، مع توليفة  (عجيبة) تضم قلعة الإمبريالية العالمية، وشركاءها ورثة الدول الاستعمارية الأوربية، وممالك خليجية طامحة إلى وضع نظام عربي إسلامي يجنبها خطر انتفاضات تزلزل عروشها وأنظمتها (الثيوقراطية)، وثلة من (أصحاب الفتاوى) وشيوخ (الطرق) الباحثين عن قمع أي تطلع ثوري حقيقي يبرز في انتفاضات الربيع العربي، وبالنظر إلى فقدان هؤلاء المعارضين قواعد تنظيمية وجماهيرية في الداخل السوري، تُراكم الفعل الداخلي المؤسس للتغيير عن طريق النضال السياسي، كان توجههم الساعي إلى إحداث التغيير من الخارج.. بمنطق الخارج.. و(ميديا) الخارج.. وعسكره.. وفتاوى شيوخه.

 

لن يجد ممثلو الفئات الشعبية من العمال والفلاحين والمثقفين والشباب، وجميع قوى التنوير والحداثة والعدالة الاجتماعية في مشاريع المتحالفين الخارجيين وداعميهم، صدى لتطلعاتهم نحو مجتمع سوري تعددي، يحافظ من جهة على النسيج الوطني الاجتماعي والديني والإثني المتآلف، ويطلق من جهة ثانية ما تختزنه إرادة جماهير الشعب السوري التواقة إلى غد سوري ديمقراطي مشرق، يحمل الأمن.. والحرية.. والتقدم الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة التي تعيد توزيع الدخل الوطني بين الأغنياء والفقراء وفق مقتضيات العدالة، والمساهمة في الإنتاج الوطني.

 

كذلك لن يجد هؤلاء غدهم الموعود في مشاريع التحالفات الجديدة بين ممثلي الليبرالية السياسية والاقتصادية التي (تطبخ) على نار هادئة، تحضيراً للاستحقاق القادم، المتمثل بالانتخابات النيابية، القائمة على بنود الدستور التعددي الجديد، الذي سيتخلى -حسب توقعاتنا- عن النهج الاقتصادي الاشتراكي المخطط، ذلك أن حلم السيطرة على القرار السياسي والاقتصادي، والسير ببلادنا واقتصادنا نحو الرأسمالية، مازال يراود مخيلة هؤلاء الليبراليين، خاصة بعد أن فَتحت لهم السياسات الاقتصادية النيوليبرالية خلال السنوات الماضية، (طاقة) الأمل لتحقيق هذا الحلم، وأسست مستلزمات السوق الحرة من القيود، كالانسحاب الحكومي التدريجي من التدخل في العملية الاقتصادية، والتشريعات المحفزة للقطاع الخاص والمستثمِرين المحليين والأجانب، والمصارف وشركات التأمين الخاصة، ووضعت تبريرات (اقتصادية) للتخلي عن القطاع العام ، وملكية الدولة وإدارتها للمرافق العامة.

 

أمام هذه الاصطفافات.. والتحالفات، وجدت قوى اليسار السوري نفسها أمام وضع مركب، فهي حريصة على استمرار السياسة الوطنية للبلاد، التي تتلخص بممانعة المخطط الأمريكي الإسرائيلي الساعي إلى ترتيب وضع إقليمي (يسطّح) المسألة الفلسطينية، ويحولها إلى مزاد بين أمتار هنا.. وأمتار هناك، كما تؤكد هذه السياسة ضرورة عدم التفريط بذرة تراب من الجولان السوري المحتل، وتدعم سيادة العراق وتحرره من الاحتلال الأمريكي، وتحافظ على عروبة لبنان وصموده في وجه الاستهداف الإسرائيلي، وتعارض التدخل الخارجي بجميع أشكاله بالشأن السوري، مؤكدة أهمية الحوار الوطني الواسع، بين جميع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، وبضمنها المعارضة الوطنية، كطريق آمن وموثوق لحل الأزمة السورية.

 

لكن هذه القوى اليسارية ناضلت أيضاً من أجل التعددية السياسية، ورغم انضمام بعضها إلى الجبهة الوطنية التقدمية، فقد طالبت بالإصلاح السياسي المتمثل بدستور تعددي جديد، يضمن الحقوق الدستورية للمواطنين، ويفتح المجال لحراك سياسي واجتماعي ديمقراطي، يمثل المكونات السياسية السورية، وأطياف المجتمع المدني، كما طالبت بوقف هيمنة المؤسسات الأمنية، وإغلاق ملفات الاعتقال السياسي، والإفراج عن معتقلي الرأي. كما أكدت في الشق الاقتصادي، إعادة النظر بالنهج الاقتصادي للبلاد، الذي أفرز سياسات ليبرالية دعمت سيطرة السوق الحر، وقلصت دور الدولة في الحياة الاقتصادية، وانسحابها التدريجي من دعم الفئات الفقيرة والمتوسطة، وحررت قبل الأوان التجارة الداخلية والخارجية، وحفّزت الرساميل الريعية، وماطلت في إصلاح قطاع الدولة الصناعي، وتحاشت مكافحة الفساد رغم الإعلان عن صفقات فساد كبرى.هذه السياسات التي أدت إلى أضرار بالغة بالقطاعات السورية المنتجة، وخاصة الصناعة والزراعة، كما أدت إلى ارتفاعات متلاحقة في أسعار المواد والخدمات الأساسية للمواطن السوري، فزادت من معاناته المعيشية، ووسعت الفوارق الطبقية بين العمال والفلاحين الصغار والحرفيين والمتقاعدين والشباب، وبين الرأسماليين الطفيليين، ورجال أعمال (الغفلة) وبعض المحسوبين على الجهات المتنفذة، وراكمت غضب الجماهير الشعبية، التي عبرت عن غضبها بأشكال مختلفة، ومنها التظاهرات السلمية.

 

الأزمة المركبة التي تعصف ببلادنا، والتدخل الخارجي الأمريكي الأوربي الخليجي، الذي يلعب دوراً مؤججاً لصراعات سياسية وطائفية، والتحالفات الجديدة التي تمهد، كل من منظارها، للتعامل مع هذه الأزمة وما بعدها، تفرض على قوى اليسار السوري، الذي يضم الحزبين الشيوعيين بشكل رئيسي، والأحزاب الأخرى ذات الأصول الماركسية، والنخب والشخصيات اليسارية، وجميع الوطنيين التقدميين، التحالف.. والتجمع على أرضية مرجعيتها الفكرية والسياسية، ونضالها الوطني منذ عقود من أجل وطن حر وشعب سعيد.

 

لا يجوز حسب اعتقادنا في زمن التحولات التي تشهدها بلادنا، وأمام محاولات حسم المسألة السورية لصالح قوى التطرف السياسي والديني والإثني، المدعومة من تحالف ردع سورية الأمريكي الأوربي الخليجي، أن تبقى الأحزاب والقوى اليسارية السورية على حالة الفرقة والتقوقع كل داخل (أسواره)، فما من منعطف واجه بلادنا.. وأحزابنا في الماضي، أشد خطورة مما نواجه اليوم، وما من هجمة منظمة في الماضي، سعت للنيل من كل ما هو وطني وتقدمي وعلماني في الفكر والسياسة والاقتصاد في سورية، كما هي الهجمة التي يحرّض الإمبرياليون وشركاؤهم على شنها اليوم، وما من استحقاق واجه الشيوعيين السوريين وجميع الوطنيين التقدميين خلال نضالهم الوطني الطويل من أجل كرامة الوطن ومنعته، كاستحقاق حل الأزمة السورية على أسس وطنية ديمقراطية معادية للهيمنة الأمريكية، ومحققة لتطلعات جماهير الشعب السوري في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

 

الوطن بحاجة إلى قواه السياسية الوطنية المخلصة، وجماهير شعبنا التي عرفت الشيوعيين السوريين منذ عقود، مدافعين عنيدين عن حرية الوطن واستقلال قراره، مخلصين لمصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة، وخاصة العمال والفلاحين وسائر الكادحين، يتوقعون اليوم أن تتوحّد قوى اليسار السوري، لتبقى قوة رئيسية، تحافظ على تطلعاتهم الوطنية والاجتماعية، وتؤدي دورها في حل الأزمة السورية على أسس تكفل للوطن ثباتاً في مقاومة مشاريع الهيمنة الأجنبية.. وللشعب نقلة نوعية نحو التعددية السياسية، والتقدم الاجتماعي.

 

الجماهير الشعبية تحتاج إلى قوى يسارية فاعلة وموحدة ومدافعة حقيقية عن مطالبها العادلة.. فهل تصغي هذه القوى إلى من تدَّعي تمثيلهم؟

 

2012-01-12
التعليقات