يقول رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهيد ناجي العلي: (من يردْ النكتة في العالم العربي فعليه ألا ينظر إلى الكاريكاتور، بل إلى الواقع السياسي العربي).
وهذا صحيح فقد اشتهرت الشعوب العربية منذ وقت طويل بتداول النكت السياسية والجنسية (وهما من التابوهات التقليدية في المجتمعات العربية) بشكل عام.
ذلك أن النكتة السياسية في كثير من الأحيان تكون صوت ضمير الشعب، وحاملة رفضه وقهره وسخريته. وهي تنفيس عن غضب منضبط وتعبير عن سخط عام. ولا تكاد تخلو لغة أو ثقافة أو بلد من النكت، وكثيراً ما تجد النكتة مرادفها في أكثر من بلد، يتغير الفاعلون والأسماء وتبقى النكتة لتعبر عن فكرة وموقف يتجاوز حدود البقعة التي أطلقتها وأصحابها الذين اختلقوها.
والنكتة السياسية هي أظرف النكت، وأكثرها تجاوزاً للإطار الزماني والمكاني، وفي القرن العشرين هناك الكثير من النكت أطلقت على كبار القادة والساسة أمثال: ستالين وهتلر وموسولوني، وهي نفسها التي ظهرت في لغات أخرى بعد اقتباسها لجعل أبطالها من طغاة البلاد والمستبدين.
وقد أكدت أكثر من دراسة علمية عن النكت أنه من الممكن معرفة تاريخ البلد عن طريق الاطلاع على النكت الرائجة فيه، سيما التي تخص قادته وشعبه وأحداثه.
ومن أهم هذه الدراسات (دراسة أكاديمية عن النكت التي أطلقها الروس ضد ستالين)، نشرت تحت عنوان: (المنجل والمطرقة .. تاريخ الشيوعية كما ترويه النكت)، رأى أصحابها أنه من خلالها يمكن التعرف على تاريخ روسيا بوساطة نكتها.
وكثيراً ما سمعنا عن نكت تُضحك شعوباً مختلفة الأعراق والتقاليد، وتفصلها مسافات التاريخ والجغرافيا، وهي تعبّر عن أحوال وظواهر تجاوزت الحدود وجمعت كل هذه الشعوب. ومما يروى عن العديد من الحكام أنهم يتلهفون يومياً لسماع آخر النكت التي تعنيهم ولا يرون غضاضة في الاستمتاع بها وبداية صباحهم بابتسامة أو قهقهة.
والمعروف أن العديد من زعماء العالم يتابعون النكتة السياسية التي يرددها الشارع، فمنهم من كان يعدُّها استطلاع رأي لسياسته، وآخرون يعدّونها توضيحاً لمؤشرات صعود أو هبوط شعبيتهم. ومن أشهر الزعماء العرب الذين أولوا أهمية بالغة لرصد كل ما يحكى عنه من نكت، الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي كانت تجمع له جميع النكت السياسية التي ألّفت وأطلقت بعد هزيمة حرب 1967وهي سيل من اللذعات الناقدة للسياسة المصرية، حتى اضطر إلى إثارة ظاهرة النكتة في خطبة مشهورة له، فلم يطلب المستحيل، والمستحيل أن يكف الشعب المصري عن التنكيت، بل ناشد الجمهور أن يتقي الله في نفسه وأن يرشّد النكتة فلا تؤذي الشعور الوطني. ويقال إن عبد الناصر وضع فرقة استخباراتية مختصة لرصد النكت قصد تحديد اتجاهات تفكير المصريين.
وفي تونس شكلت النكتة السياسية سلاحاً فتاكاً، خلال فترة حكم الرئيس الفار زين العابدين بن علي، وجعلوها متنفساً لهم في أحلك الظروف وأشدها. فكان كلما وقعت واقعة أو انكشف أمر ما أو تورط أحد أفراد عائلة الرئيس أو زوجته في قضية فساد، انطلقت الألسن لتتناقل نكتة ما بهذا الخصوص.
كما تطرقت النكتة السياسية التونسية إلى الفساد وقمع الحريات وغياب الديمقراطية، وظلت سلاح الناس في نقد الأوضاع خلال الأزمات وفترات الاستبداد. ولقد وجد التونسيون في النكتة والتنكيت وسيلة ناجعة للتعبير عن الآراء والمواقف التي لا يقوون على الجهر بها. وسبيلاَ للتعبير عن المكبوت تجاه الحاكم ورموز الاستبداد والفساد في عهده.
ومع تفجر ثورة الغضب في مصر بعد الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، تفجرت ثورة أخرى مرافقة لها، محورها (النكتة السياسية)، التي أضفت على هذه الثورة الشعبية نكهة خاصة تنبع من رحم المعاناة. وزاد من بريقها الشعارات التي رفعها المتظاهرون والمعتصمون في ميدان التحرير. ولعل أحدث ما في ترسانة المصريين من نكت حول الوضع الراهن، جاء في غالبيته في صفحة واحدة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، حملت عنوان: (خفة دم الشعب المصري في المظاهرات). ومن أشهر هذه النكت:
(مبارك بعد ما مات قابل السادات وعبد الناصر، سألوه: هاه؟ سم ولا منصة؟ رد عليهم بحرقة وقال: فيسبوك!).
ومن أشهر النكت السياسية التي كانت متداولة في مصر قبل الثورة، نكتة تقول:
(زار حسني مبارك منطقة (العاشر من رمضان) وتفقد المصانع هناك، وكلما ذهب إلى مصنع سأل: من يكون صاحبه فيقولون له: ابنك علاء، وهذا له وذاك أيضاً والذي يليه، كل هذه المصانع لابنك علاء. فضحك مبارك من قلبه وقال: والله شاطر، شوفوا الواد اشترى كل دا من مصروفه).
أما أشهر النكت السياسية، التي تصلح لكل زمان ومكان، فهي النكتة التي تقول: (كان أحد السياح يركب تاكسياً في البلد الذي يزوره، وكان صاحب التاكسي معلِّقاً ثلاث صور لرؤساء البلد داخل العربة، فاستوضح السائح من السائق عنهم، فأجابه صاحب التاكسي: أما هذا فرئيسنا الأول جاءنا بالاستقلال ورحل، وأما هذا فهو رئيسنا الثاني، قال إنه جاء بالاستقلال الحقيقي ثم رحل، وأما هذا الأخير فهو أبو علي شريكي في التاكسي!)). وثانية تقول: ((قامت منظمة عالمية باستطلاع للرأي حول انقطاع التيار الكهربائي، فسألت مواطناً غربياً عن رأيه في انقطاع التيار الكهربائي؟ فرد الغربي: ماذا يعني انقطاع؟ نحن ليس عندنا انقطاع في التيار الكهربائي. فسألوا مواطناً من العالم الثالث ما رأيك في انقطاع التيار الكهربائي؟ فرد: ماذا يعني كهرباء؟، فسألوا مواطناً عربياً ما رأيك في انقطاع التيار الكهربائي؟ فرد: ماذا يعني رأي؟!).
أوس داود يعقوب
راتئع وممتاز وعميق
الغريب فيكم يامن تكتبون تضعون عناوين حادة ..ماذا يعني النكته سلاح الضعفاء تضع العنوان ثم تسرد لنا تاريخ النكتة السياسية..وكيف تحكم مباشرة على صاحب النكته السياسية بالضعيف؟ ماذا تريد ان يكون سلاحه مثلا..؟!! السيف والدبح والقتل والكلاشينكوف هو سلاح الاقوياء بنظرك..طبعا انا لم اضيع وقتي بقرا\ءة مقالك كله بل فقط بعنوانه وبعض النقاط التى سردتها سريعا بعد ان قرأت العنوان فتعليقي فقط على عنوان مقالك