syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
إلى رجل يضايقني وأحبه ... بقلم : محمد عصام الحلواني

بسم الله الرحمن الرحيم


في يوم ما من هذا الزمان كنت أنعم بدفء المكان وأتأمل خيوط الضوء تدخل من النوافذ المحيطة بالمسجد الذي اعتدت أن أصلي فيه . و كنت أراقب دون قصد مني حركات الناس وسكناتهم فأرى هذا يقف متثائبا وذاك يصلي بهمة . وهذا يخطو مسرعا وذاك يكشف عن ساعدين مفتولي العضلات استعداداً للوضوء .

 

وكانت الخلفية الموسيقية عبارة عن  ترانيم رائعة تغنيها جوقة مملوءة إيمان   فمن يذكر الله إلى الذي يهلل والذي يسبح . وقراء القرآن الكبار الطاعنون في السن فمنهم من قرب القرآن إلى قبالة وجهه وهو ينظر ويتفحص الحروف بعينه اليسرى تارة واليمنى أخرى حتى يفك رموزها ويقرأ  الآيات الشريفة وكلام الله العظيم . ومنهم من يرفع رأسه متفكرا بعظمة الخالق سبحانه . وأكيد بعضهم يطلب العون من الله ويشكي إليه حاله وضعفه . وهكذا . وكم كنت سعيدا وأنا أدرس وأحلل أصغر الأشياء معتبراً ذلك تفكراً في خلق الله العظيم سبحانه . وهنا قطع أفكاري صوت المؤذن ينادي بإقامة الصلاة . ثم صلينا وكنا أكثر من عشرون رجلاً معظمنا جاوز الخمسين من العمر . وعند انتهاء الصلاة أقبل إلي حاج كريم كبير في السن

وقال لي بصوت خافت أجش : لقد ارتكبت خطأً في صلاتك

 

فقلت : خيراً يا حاج ما هو الخطأ

قال : لما تجلس من بعد السجود أنت لا تثني قدميك بل تجلس على رؤوس أصابعك

فقلت له : جزيت خيراً ولكني معذور فركبتي لا أستطيع أن أثنيها للجلوس فهي تؤلمني جداً .

قال : ولكني رأيتك في أثناء الصلاة قد ثنيتها مرة  . ومرة أخرى لم تثنها فأنت تستطيع .

 قالها بلهجة من يتهمني بالكذب وبحدة .

 

فقلت : يا حاج أنا أشكر غيرتك على الصلاة وعلي . ولكني أحياناً أنسى فاثنيها فيشغلني الألم عن حضور القلب في الصلاة .

فقال لي : إذن لا تنسى وتثنيها لأن صلاتك غير مقبولة .

 

فقلت مستهجناً : لست أنت من يقرر أنها مقبولة أم لا .. ثم أنت ارتكبت خطأ أكبر من خطأي في الصلاة .

فقال وهو يبدي انزعاجه من هذا الذي خالفه الرأي بل ورد عليه اتهامه باتهام أكبر . ماذا تقصد أنا عمراً كاملاً أصلي هنا ولم يقل لي أحد أنني أخطئ في صلاتي .

 

فقلت له : يا حاج على رسلك .

 أولاً أنت حفظك الله كنت مشغولاً عن صلاتك بمراقبة حركاتي وجلوس الاستراحة بعد السجود في كل ركعة أصليها . وهذا صرف قلبك عن الحضور والتفكر في من تصلي له إلى التفكر كيف ستوجه لي الكلام بعد الفراغ من الصلاة .

 ثانياً أنت ترفع صوتك الآن في المسجد وهذا مكروه جداً .

 

ثالثا يا حاج لم تنهاني عما أفعل بالحكمة والموعظة الحسنة بل صدقاً لقد تأذيت من طريقتك في توجيه النصح لي ولولا كبر سنك لرددت بشكل مختلف .

هنا أحتد وقال : أنت جديد هنا وأنا أصلي منذ أكثر من عشرين عام في هذا المسجد ثم أنني ساعدت في بنائه وممكن أنك لم تكن قد ولدت بعد .

ولم يعد يسكت وصار الكلام كالمطر المنهمر شيء بمعنى وشيء بلا معنى .

 

في الواقع أدركت هنا أنني كان يجب أن أعترف له بالذنب من البداية وأقوم فأصلي لله ركعات وأوهم صاحبنا أنني أعيد الصلاة ولكن كانت قد وقعت الواقعة .

فاعتذرت له ووعدته بإعادة الصلاة . وكانت نظراته الحادة تخترق عظامي وهو يمضغ الفراغ في فمه وفكاه تتراقصان غضبا وأسنانه تصطك حنقاً من قلة أدبي .

ومن يومها صار يراقبني ويتربص بحركاتي فأراه ينظر من تحت نظاراته السميكة مرة . ومرة أخرى من وراء المصحف الذي يكون في يده خلسة . وكان يستدير معي وأنا أمر من جانبه . حتى شعرت أنني لا أصلي خوفا من الله بل خوفاً من صاحبنا .

 

طبعا لست منزعجاً من هذا الأمر. بل هو يضحكني وكم أحب هذا العجوز الطفل وكم أحب غضبه ومراقبته لي فأنا صرت مادة تشغل الفراغ الذي يعاني منه حتى أني صرت أداعبه فأرتكب بعض الأخطاء قصداً فيثب إلي ويقول أرأيت أنك مخطئ . أنت بحاجة للتعلم من جديد كل ما تفعله خطأ .

 

اللهم عمرنا في الأرض إلى أن ترى أننا أهل للقائك فاقبضنا إليك بكامل عقلنا ولا تبتلنا بذهاب المدارك فهو والله أعظم بلاء . أطال الله بعمر صاحبنا (مراقبي في المسجد ) .

 

 وفي عمركم أحببت أن أروي هذه القصة لكم أخوتي .

 

2011-12-29
التعليقات
زهرة الربيع
2012-02-19 14:17:20
هذا اكره ما عليي !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
انا بكره هيك اشخاص كتيييييييييير و خصوصا آنسات الديانة اللي من النوع هاد اللي بتكون حياتون مبنية على التنظير على الناس و هنن نفسون عم يغلطوا كمان ...فعلا فعلا ياريتني ما قرأت هلمقال لانو تنرفزت .

سوريا
ندى يونس
2012-01-12 10:02:36
من راقب الناس مات هما
من راقب الناس ما ت هما قصة ررائعة تعكس واقعا مشوشا حتى اننا نراقب بعضنا باكتر الامور التصاقا بالله اين الخشوع في الصلاة كيف وجد الوقت للمراقبة هداه الله شكرا اخي محمد مقال رائع شكرا من القلب

سوريا
محمد عصام الحلواني
2011-12-31 23:02:19
تابع
وشكرا لك أستاذ عدنان المحترم : الأخ والأستاذ عهد إبراهيم المحترم :شكرا لك أنك تتفاعل مع المقالة تحليلا وتعليقا ..الأستاذة دعاء عويرة المحترمة : شكرا لكم أنكم تعطوني هذه المعنويات التي تزيدني دفعا الى العطاء ودمتم لنا سالمين

سوريا
محمد عصام الحلواني
2011-12-31 22:47:47
لا تفهمني غلط أرجوك
الأستاذ المحترم : nice لم أكن أرتكب الأخطاء مداعباً صاحبنا في أثناء الصلاة بل كنت أمثل أنني أصلي حين أراه يراقبني وأداعبه ببعض الأخطاء ودمتم .. الأستاذة المحترمة نسرين : شكرا لك هذا الأهتمام الذي يدل على محبة صافية وأخوة حقيقية في زمن عز فيه الإخلاص والمحبة .. أستاذنا الكريم عدنان كامل الشمالي : لا شك أن بيننا قواسم مشتركة عديدة ولعل أرواحنا تلاقت قبل صورنا وهذا أفضل وصحي أكثر ومن جهة مقالاتكم فأنا أجدها غاية في الروعة والأهمية لدرجة أنني صرت أنتظرها (يتبع )

سوريا
nice
2011-12-30 21:53:51
niceee
(حتى أني صرت أداعبه فأرتكب بعض الأخطاء قصداً) bravo

سوريا
نسرين
2011-12-30 12:51:24
سلمت يداك
شكرا لعودتك للموقع سيدي وشكرا لهذه القصة التي تحمل ألف وجه ووجه لكن لا تحزن لان الناس حيث بعضهم من الحشري والبعض الاخر يتكلم من باب النصيحة سلمت يداك

سوريا
عدنان كامل شمالي
2011-12-29 17:42:09
أخي في الوطنية
أستاذي الكريم : احد مشاكل المسلمين إن البعض منهم يأخذ في القشور أكثر من الجوهر إني أشكرك جزيل الشكر على اهتمامك الدائم بما أكتبه فقد تكونت معرفتنا من خلال هذا الموقع وأنا حقيقة أعتز بهذه المعرفة وأشعر إن الذي يربطنا ببعض أواصر متينة وحبل قوي هو وطننا سوريا إننا أبناء وطن واحد نفتخر بالانتماء إليه . نعشقه وندافع عنه ونضحي بأرواحنا من اجله .كل أبنائه أخوة لنا من شرقه حتى غربه ومن شماله حتى جنوبه .

سوريا
عهد ابراهيم
2011-12-29 14:23:10
خير ما فعلت
أخي العزيز أعتقد بأنك تحملته وإحترمته نظراً لكبر سنه ولكن هناك أشخاص لا يقيمون إعتبار لسنهم ويظنون أن إحترام الناس لهم هو من خوفهم منهم أو أنهم فعلاً هم على صواب والناس على خطأ ولكن في النهاية كان خيراً ما فعلت مع تحياتي لك ..

سوريا
دعاء عويرة
2011-12-29 13:52:28
من راقب الناس مات هماً
حلو الواحد يراقب ليتعلم واذا شاف غلط ينصح بأدب هيك دين الإسلام .. شكرآ عالقصة حلوة كتير وأنا بإنتظار جديدك دائماً .

سوريا