syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
ناشط حقوقي... بقلم : سامر عوض

لا أعرف ماذا يعني أن يقول المرء أنه ناشط حقوقي؛ لأني وكغيري لم أعد أميز ما بين الناشطين الحقوقين، والعملاء لصالح العدو.

نسمع من وقت الى آخر تصريحات أشخاص متنوعي، ومتعددي الانتماءات الفكرية، والمآرب والمشارب السياسية، والأيديلوجية.


انا اعرف ان مشكلتهم ليست كما يُظهرون بأنهم لا يعرفون ماذا يريدون، بل وإلى اين يريدون أن يذهبوا، بأنفسهم والبلاد. اذ اين هم خارج اوقات الأزمات؟ هم ليسوا رجال أزمات بل يخلقونها، ويخلفونها. عندما نسمعهم نكاد نصدق انهم يحبون الوطن، والمواطن، والمواطنة. إلا أنهم من الخارج يتكلمون، ومن الخارج ينظرون، وعلى السطح يطفون، ويطوفون، لا عمق في كلامهم. لا بل والأولى أنهم يبغون تدمير البلاد التي ينتمون اليها.

هم أذكياء، ومثقفين... ولا شك بذلك. متكلمون وطليقي اللسان... يعرفون ماذا يقولون، ويعرفون إلى أين سيصلون. لذا هم كالكلاب المسعورة التي تنبح كلما ترى جرحاً، وألماً؛ كي تغتذي منه. هم يقتاتون من فتات الطعام المتساقط، والمتهاوي عن موائد أربابهم. لا يهمهم الوطن بل تدمير الوطن، لايهمهم الشعب بل تدمير الشعب.

 

هم مرتهنون للخارج، ويذكروني بكونفوشيوس الذي يقول: (أن تُشعل شمعة، خير لك من أن تلعن الظلام). وكم بالحريِّ إن كان اشعال الشمعة بالنسبة لهم، يكون بأشعال الوطن. هم ملكيون اكثر من الملك، عندما يطلُّون في الأزمات، وأظن انهم يعيشون في سوريا، وانني أعيش في أوروبا، أو اميركا. هم لا يحترفون شيء سوى الكذب والكلام، هذا هو وقودهم، وغايتهم في الحياة الدنيا.

الكذب ملحهم، وشهود الزور، أو كما يسمونهم شهود العيَّان مصدر معلوماتهم. يذكروني بشكسبير الذي أجاز في التعبير عن الشائعات، عندما سُئل عن الدقة والموضوعية، وقال: (كلمات...، كلمات...، كلمات...). وكذا الأمر بالنسبة اليهم، بالنسبة للدقة والموضوعية، لا بل الحياة كلها (كلمات، وكلمات، وكلمات).

 

اذ انهم يسعون إلى التهور في التعبير عن المواقف؛ كي يرتكبوا جريمة قتل بالطريقة الشكسبيرية: يموت الجميع إلا السائق؛ لأنه ماهر فقط في انقاذ نفسه، امَّا ما بقي فلا يدخل في أولوياته، بل يسعى؛ كي يدمره. هم يعملون لدنياهم كأنهم يموتون غدا: يعربدون، ويتحذلقون كما يشاؤون. ولآخرتهم كأنهم يعيشون أبدا: اذ الضمير عندهم مستتر، هذا بحسب الظاهر، أمَّا حقيقته الحقة، فعند الله وحده.

 

ابتعت مرة كتاب (تجربتي في الحزب والوزارة) للوزير السوري نبيل الملاَّح، ذاك الذي سطَّر كلمات الكتاب بحبر دم قلبه، وقد أصدره في دمشق، سنة 2004. وقد ذكر في المقدمة أن محبته للوطن هي التي دفعته للكتابة، ومن لم يقرأ المقدمة سيكتشف ذلك من خلال متن الكتاب. فقد تكلم الكاتب عن شهادات الدكتوراه التي يحصل عليها البعض بجهد قليل، وأحياناً دون جهد، ومن ثم يتبؤون مناصب رفيعة، في الدولة (83).

 

وفي الصفحتين (52)، و(53) يكتب الملاَّح عن رفض طلبه المقدَّم إلى رئيس مجلس الوزراء، ليملك سيارة شبح، وكيف ان غيره من الوزراء، لم تُخصص له سيارة وحسب، بل سُمح له ايضاً ان يبدلها بأفضل منها. ويتكلم ايضاً عن شطب بعض العبارات والكلمات من محاضر مجلس الوزراء... (44)، و(45). وكذا الأمر بالنسبة لكتاب سعد حمدون (ذكريات وآراء) وكتب آخرى كثيرة تتكلم عن الوضع السياسي السوري بصورة شفافة.

اذ ان هؤلاء السياسين الذين كتبوا، ليست الحرية بالنسبة اليهم، غاية يبغون من خلالها، الظهور... بل وسيلة للتعبير عن حب الوطن. اذ حتى السياسة بحسب ابراهيم هنانو ليست غاية، بل وسيلة لخلاص الوطن، وللتعبير عن الإخلاص له. فالفارق بين الحرية كغاية، والحرية كوسيلة، هو نفسه الفارق بين الحرية الحقيقية، والفوضى المحققة لغايات الغير.

 

في سوريا يوجد حرية، إلا أن حرية الفرد تنتهي عند أعتاب حرية الجماعة، وصون حقوقها. الحرية، سيف ذو حدِّين اذ يقول حديث قدسي: (إذا شكا عبدي أمره لغيري، فقد شكاني. فليلتمس رباً غيري). الدولة تنصت لمطالب الشعب، وتحقق ماهو مناسب وملائم. اذ لنترك هذا الأمر للحظات، وليساءل كلٌ منَّا نفسه السؤال الآتي: (هل كل ما يطلبه الآخرين منه يحققه لهم؟)، والأكثر من ذلك، والأجدى بالإجابة: (هل كل مايطلبه هو من نفسه يحققه؟). أوَ ليست الأحلام في كثيرها، عصيِّية عن أن تصبح أحكام.

 

يقول المفكر الفرنسي بول بوليغريني: (مَن لا يعمل كما يفكر، ينتهي به الأمر أن يفكر كما يعمل). لذا على كل واحدٍ منَّا ان يعمل كما يفكر. لئلا ينتهي به المطاف، إلى ما انتهى اليه أمر هؤلاء الحقوقيون، والنشطاء في مجال حقوق الإنسان، بأن يعمل كما يفكر. وخصوصاً انهم يعملون، على التخريب، ليس كأصابع زينب، بل كذراعيها.

 

أعود إلى الناشطين الحقوقيين. فهم لا يهتمون بحقوق الإنسان بقدر ما يهتمون بحقوق الدول التي ترعاهم، وترضعهم من لبنها الأخضر. هم تجار مواقف، وليسوا بصانعي سياسات، ولا حتى بقارئيين جيدين لها، أو ربما بعارفيين لما من حولهم، بحقيقة الحال.

 

ذكاؤوهم لا يستخدموه بصورة حسنة؛ لأنهم لا يملكون القرار بأيديهم، لا يملكون قرار ما يجب قوله، وما لا يجب. كل ما يملكونه، هو صوتهم، ولسانهم، وكفى... فقد قال الإمام علي كرَّم الله وجهه: (لا تكن جاهلاً بما لاتعلم، بل عالماً بما تعرف). وهم للآسف يجهلون، أو ربما يتجاهلون، ما عليهم معرفته.

 

برأيي أن عليهم التفكير، ومراجعة الذات مرارًا. فالكل يعرف قصة المقدم سالم الذي قتله المماليك، بعد أن أوشى بالبطريرك الحدشيتي؛ لأنه خان البطريرك، فسيخون المماليك لو بقي. وكذا الأمر بالنسبة للرئيس حسني مبارك، فأول من تخلى عنه، هم الذين كان يعتبر نفسه صديقاً لهم. وكذا الأمر بالنسبة للنشطاء الحقوقيين الذين سيتخلص منهم أربابهم، عند أقرب مفترق طرق. حينها سيعصرونهم كالليمونة، وسيرمون بهم كالبسينة؛ لأن لا صداقات ولا عداوات دائمة في السياسات الدولية، بل يوجد مصالح وسعي لتحقيق مصالح بصورة دائمة. وما على الرسول إلا البلاغ، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

 

2012-04-11
التعليقات
dc
2012-04-11 17:07:30
واين الاعلام الرسمي مما يجري
هؤلاء فعلا شهود عميان لانهم لا ينقلون الا القليل مما يجري وما خفي اعظم . واظن ان روسيا ايضا ستتخلى عن حلفائها عند اول مفترق .من صربيا الى العراق الى ليبيا الى..

سوريا