syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
الديمقراطية والشباب.. ومصالح الأكثرية ... بقلم :بشار المنيّر

انتفاضة الشباب العربي الغاضب على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تجاهلت معاناته، لم تفاجئ إلاّ من وضعوا طيناً في آذانهم، فلم يسمعوا استغاثات هؤلاء الباحثين عن أنظمة سياسية ديمقراطية، تعترف بوجودهم فئة صانعة لمستقبل بلدانهم، وتشركهم في صنع القرارات والسياسات التي تحقق مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية المشروعة.


كان حصاد الشباب الذين انتفضوا في شوارع المدن العربية مريراً، في ظل أنظمة سياسية شمولية حرمتهم من المساهمة في النشاط السياسي والاجتماعي، ودفعتهم دفعاً إلى أحضان المنظمات السلفية والتكفيرية، وفي ظل سياسات اقتصادية نخبوية خدمت مصالح الأقلية الثرية، وهمّشت حقوقهم في العمل.. والأجور العادلة والنضال المطلبي، وأوضاع اجتماعية متخلفة، أنتجت الفقر والأمية، عملت على تكريسها عقلية مغرقة في رجعيتها.فقد ذكرت منظمة العمل العربية في أحدث تقاريرها أن معدلات البطالة في الوطن العربي هي الأعلى بين مناطق العالم المختلفة، وتتركز بشكل رئيسي بين المتعلمين، وبلغ معدل البطالة في الدول العربية نحو15%، ويصل إلى 25 % بين الشباب، وترتفع في بعض البلدان إلى 66 %.أما عدد الداخلين إلى سوق العمل في الدول العربية سنوياً فيقدر بنحو 4 ملايين عامل.


إن غياب السياسات الهادفة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية تدفع بالشباب العربي إلى احتمالين لا ثالث لهما:

فأما الهجرة المكثفة إلى الخارج بحثاً عن العمل، وهذا ما نلاحظه في هجرة شباب أقطار المغرب العربي باتجاه الدول الأوربية وخاصة فرنسا، وهجرة شباب المشرق العربي باتجاه دول الخليج العربي. وإما البقاء في الداخل دون عمل ودون استقلالية اجتماعية أو اقتصادية، والوقوع بعدئذ بين براثن الفقر، وعرضة لارتكاب المحظور الاجتماعي، أو الانهيار واللجوء إلى التنظيمات الظلامية التي تجندهم في عملياتها الإرهابية المنافية لأي منطق سياسي أو إنساني أو حضاري.


في سورية التي وصلت نسبة البطالة بين شبابها إلى نحو 34%، بلغت نسبة الشباب الراغبين في الهجرة ممن تتراوح أعمارهم بين 15و24 عاماً نحو 34,3%، وترتفع هذه النسبة بين ذوي الأعمار 19 إلى  24 عاماً لتصل إلى 43,2% من العينة المبحوثة. وبحسب دراسة للهيئة السورية لشؤون الأسرة، فإن الشباب الراغبين في الهجرة كانوا من ذوي الدخول المحدودة، التي تتراوح بين 4000و8000 ليرة سورية شهرياً، وأكدت الدراسة أن السبب الذي يدفع العاملين الشباب للتفكير بالهجرة هو تحسين المستوى المادي والمعيشي بالدرجة الأولى.


لن نكرر ما كتبناه على صفحات (النور)، منذ أن اختطف مروجو النيوليبرالية اقتصادنا الوطني بعيداً عن أهدافه الاقتصادية والاجتماعية، وتسببوا بإثارة غضب الجماهير الشعبية، لكننا نُذكّر بأن الأزمة العميقة التي تمرّ بها بلادنا، أظهرت للجميع كم كانت خاطئة وبعيدة عن الواقع، تلك السياسات التي اتبعت حيال فئة الشباب، فالمسألة لاتتعلق هنا بقصور النظام السياسي، وعدم تلبيته لمعايير الديمقراطية فقط، بل بسياسة التهميش تجاه فئات الشباب، وتطلعاتهم إلى مجتمع يستوعب قدراتهم، ويعبر عن مصالحهم، فاحتكار العمل السياسي والاجتماعي بين أوساط الشباب والسياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة السابقة، والتي كدست الثروات بأيدي (النخبة) وتغاضت عن حل المعضلات الاجتماعية كالبطالة والفقر، وخاصة بين فئات الشباب، كانا محرضاً أساسياً لتفجر غضب الشباب السوري.


لذلك نوجه أنظار الأحزاب السياسية، والقوى المجتمعية المختلفة، وجميع السوريين- ونحن نستعد لأول انتخابات تعددية منذ عقود- إلى أن الديمقراطية السياسية لاتكفي وحدها لتطلق الاقتصاد السوري الذي نُكب بعقد انفتاحي.. تحريري، وَضَعه في الركن الضيق، كما لاتكفي لتطلق التنمية الاجتماعية التي كانت الغائب الأكبر خلال العقد المذكور، فدون توجه اقتصادي تنموي يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويوازن بين متطلبات إنهاض الاقتصاد السوري، و متطلبات تطوير المجتمعات المتخلفة، ومعالجة المشكلات الاجتماعية التي تعانيها الفئات الفقيرة والمتوسطة، وخاصة الشباب، كالفقر والبطالة ، ويعيد توزيع الدخل الوطني وفق مبادئ العدالة الاجتماعية، دون هذا التوجه لن يكون للديمقراطية سوى معنى واحد:


إنها ديمقراطية النخب.. وديمقراطية الفئات الأقوى.. ديمقراطية الأثرياء، وشركائهم الذين مازالوا يسيطرون على مراكز هامة في أجهزة الدولة! ويعدّون العدة لاستثمار التوجه الديمقراطي التعددي، والانتخابات التشريعية العتيدة للاستمرار في تغييب مصالح غالبية الشعب السوري المتمثلة بقوى العمل، والفلاحين الفقراء، والمثقفين، وجماهير الشباب والنساء.


فليرتفع شعار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، جنباً إلى جنب مع شعار الديمقراطية والتعددية السياسية! ولتكن مطالب الجماهير الشعبية في صلب برامج المرشحين الوطنيين التقدميين، فسورية تحتاج إلى ديمقراطية تمثل الأكثرية حقاً.

 

2012-04-15
التعليقات