syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
المسؤول والعلاقة بين الشمّاعة والعلّاقة ... بقلم : م فواز بدور

كنت دائماً أستغرب لماذا كلما تم تعيين مسؤول جديد يطل علينا بحلة أنيقة جديدة ويصطحب معه علّاقة جديدة وحيث أن الطقم الجديد ضرورة ليشعر المسؤول  أنه انتقل من حال إلى حال فترقيته الجديدة تستتبع أسلوب عيش جديد


وما كان بالأمس مقبولاً هو اليوم غير مسموح لا من حيث العلاقات ولا من حيث أسلوب التعامل وبالتالي ما كان متداولاً من أسلوب الخطاب يجب أن يصطدم بالأبهة الجديدة فيجعل مستخدمه يعي من غير تعب الشرح والتفسير أن الوضع قد اختلف وعليه أن يعرف كيف  يتعامل  فتصبح عبارة " بتعرف مع مين عم تحكي "  منطقة عازلة تحيط بالمسؤول ولا يسمح لأي كان أن يتخطى حدودها ليجرأ على مجرد التفكير   بالاقتراب أكثر متجاوزاً تلك الخطوط الحمراء التي يفرضها المنصب الجديد  وطبعاً هذا الطابع ليس اختراعاً بل هو يميز كل ما يخص حديثي المسؤولية فالسيارة تنطق إذا حاولت أن تقترب منها والمكتب يشعرك بالفارق بين المسؤول واللا مسؤول والكرسي هو  بحد ذاته قضية من التعبير عن عظمة وقدسية من يجلس عليه

 

 وحيث أنني من المداومين الملتزمين فعلى رأسي مر الكثير كما يقولون فكم من مسؤول أتى وكم من مسؤول ذهب وكم من المواقف التي ترافق تغيير صغار وكبار المسؤلين وكلّها تتعلق بالأبهة والعظمة كانتظار فتح الباب من قبل السائق أو المرافق و آلية النزول من السيارة ليشعر الكون بأن هناك تغيير كبير في الفراغ والهواء بعد هذا الحدث العظيم المتمثل بتواجد المسؤول في هذه البقعة المتشرفة بخطوات و حركات و ربما كلمات و حتى عبوس وعنجهية هذا المسؤول الذي لن يتكرر في هذا القرن على الأقل

 

ولأنني قليل الخبرة بالمسؤولية  فلم أكترث لا للشمّاعة ولا للعلّاقة وكنت أظن أن العلّاقة التي يحضرها المسؤول معه في اليوم الأول من تشريفه هي لتعليق الطقم الجديد مراعاةً لمشاعره كي يبقى محافظاً على إحساسه بالتميز لكونه طقم المسؤولية ونتيجة شيوع موضة الحوار في هذه الأيام وبعد طول نقاش جدي ومستعر عن لزوم ما يلزم والعلاقة بين المسؤول والشمّاعة والعلّاقة وكان هذا النقاش الذي يجري مع أطياف مختلفة من  المجتمع يدور في حلقات مفرغة

 

 حتى  فاجأنا سؤال موظف جديد  حضر النقاش صدفة فقد كنت معه في مكتب المسؤول عن السهر على راحة وتنظيم وإدارة وإرضاء المسؤول وحيث أننا أخوة في الانتظار على باب ذات المسؤول فقد قمت بعزيمته على فنجان قهوة وما إن دخلنا المكتب حتى حضر المتعطشين للحوار لمعرفة أسباب استدعائي من قبل المسؤول وبعد أن وضّحت لهم أنه باختصار قال لي " بشوفك بعدين ما ني فاضي هلق " فخرجت معبراً عن امتناني للثواني التي تكرّم عليّ فيها في خضم مسؤولياته الكبيرة وابتسامته التي غمرني بها وطبعاً ليس مهماً الموضوع الذي كان يطلبني من أجله فكل ما خلا المسؤولية يمكن تأجيله

 

وما إن بدأ النقاش عن تلك العلاقة بين المسؤول والعلّاقة التي لمحتها فارغة معلقة على الشمّاعة والمتناسبة مع أثاث المكتب  حتى سأل الموظف الجديد والذي شرّفنا للمرة الأولى أين يضع وقصد المسؤول العلّاقة فأجبته بخبرة المجرب العارف بما يوحي برغبتي على  عدم إخفاء المعلومات عن الموظف المبتدئ الذي ينقصه الكثير ليفهم آلية تفكير وتعامل المسؤلين وقلت بشكل واضح وحازم " طبعاً على الشمّاعة الموجودة في مكتب كل مسؤول "

 

فقال باستغراب إذن يستطيع صاحبنا أن يعلق طقمه الجديد على الشمّاعة من غير أن يكون هناك ضرورة لتعليق الطقم على العلّاقة التي أحضرها معه  منذ اليوم الأول لتوليه مسؤوليته ومن ثم يقوم بتعليق هذه العلّاقة على الشمّاعة

وقبل أن أتلفظ بالقول ربما لا يعرف أنه يوجد شمّاعة أصلاً تابع كلامه بأن الشمّاعات هي ما يميز فرش مكاتب المسؤلين عن باقي المكاتب فلن يقبل أي مسؤول الإخلال بمسؤوليته وحرمانه من  أيٍّ من مكتسباته

 

وهنا عاد النقاش إلى نقطة الصفر ورحت ألعن كل النظريات الإدارية التي درستها أو اطلعت عليها لأنها لم تجب على هذا السؤال البسيط المعقد :

لماذا يحضر كل مسؤول جديد علّاقة معه توحي أنها للطقم الجديد الذي يرتديه وهي ليست كذلك ؟

 

وراح الإحباط يتسلل إلى نفسي  واقتنعت بأنهم على حق بعدم اعترافهم بكل خبراتي وكل شهادات الإدارة العليا التي أحملها وأحيانا صرتُ ألوم نفسي بسبب أن عدم معرفتي بذلك يعود لعدم ترددي على مكاتب المسؤلين ولو كنت مما يرتادون تلك المكاتب ويتنازلون قليلاً ويتصبوحون بوجوههم حتى ولو كانت متعالية ويتحملون قليلاً من فوقيتهم  لما كنت بهذا الموقف المحرج الذي يتوقف عليه احترامي لكل معارفي وخبراتي  

 

نعم لقد تم تدريبنا على التعامل مع الزبون كما تم تدربنا على التفاوض وكتابة المراسلات الإدارية وكيفية استيعاب المراجع فكيف لم يخطر على بالهم أو بالنا كيفية  التعامل مع  أدوات ومستلزمات المكتب وهذا يعني ضرورة إعادة النظر بالمناهج التي يتم تدريسها في معاهد التدريب الإداري  قلت في نفسي وأنا أحاول أن أفهم

 

وحاولت أن أنطلق من مفهوم التعليق للوصول إلى حل اللغز فالعلّاقة هي من التعليق الذي هو وضع المادة المعلّقة في الحيز الكائن  بين الأرض  والسماء بحيث أنها لا تستند على الأرض فتصبح موضوعة ولا طائرة في السماء فتصبح مرفوعة وطبعاً  لم يكن هذا هو التفسير لتلك العلاقة

 

وحاولت أن أعتمد على الفرق بين الشمّاعة والعلّاقة فالشمّاعة ثابتة والعلّاقة متحركة  ومن ثم تفسير الموضوع من خلال وجهة النظر التكتيكية  والإستراتيجية فالعلّاقة توحي بالتكتيك أما  الشمّاعة   فبلا شك هي قضية إستراتيجية ولم أصل أيضاً لأي تفسير

فحاولت تفسير ذلك من خلال مستوى المسؤولية  فاللا مسؤول  لديه مسامير مثبتة في الجدار يستخدمها للتعليق و المسؤول الصغير لديه  علّاقة جداريه صغيرة و المسؤول المتوسط لديه شمّاعة بلا علّاقة ووحده المسؤول الكبير لديه شمّاعة وعلّاقة وأيضاً لم أنجح

ولأنني بكل إعمال الفكر والنظر للموضوع من زواياه المختلفة لم أصل إلى نتيجة

 

  قررت أن أشتري كيس من البصل لأتردد على مكاتب المسؤولين  الذين يملكون العلّاقة والشمّاعة , القليل الجيد والكثير السيئ  , القليل القانع بمستوى مسؤوليته والكثير الطامع بالمستويات الأعلى , القليل الذي يعنيه هذا الوطن والكثير الذي لا تعنيه إلا مصلحته الشخصية

ورحت أكسر على أنفي بصلة وأخترع الأسباب لزيارة المسؤولين في مكاتبهم وكنت أحرص في كل زياراتي  الودية  منها والرسمية  على أن أجلس في مكان أرى منه المسؤول والعلّاقة والشمّاعة لأرصد أي  همسة أو لفتة بخصوص تلك العلاقة  ومع أنهم يقولون عني أنني دقيق الملاحظة فلم تنفع الزيارات الأولى واضطرت لشراء كيس آخر من البصل

 

واستجابة لدعاء أمي التي دأبت على الدعاء  لي " الله لا يضيعك تعب " ورويداً . . .  رويداً بت أتلمس خيوط هذه العلاقة  

وبحجة أن . . . أدرك شهريار الصباح  . . . قبل اكتمال الإجابة . . . على سر العلاقة . . . بين المسؤول والعلّاقة 

فإن لم ينجح الجلاد . . . بقطع عنق شهرزاد . . . قبل فهم كلّ الرواية . . . وإكمال باقي الحكاية...يتبع

 

 

 


 
2012-04-20
التعليقات
ادمن
2012-04-22 15:08:48
مبروك الطقم الجديد
لكل مين لابس طقم جديد منقول مبروك المنصب الجديد

سوريا
حيران
2012-04-21 18:07:47
لم نصل لنتيجة
أولا الشكر للكاتب على هذا الاسلوب الجديد ولكن لم نصل لنتيجة عن تلك العلاقة المزعومة

سوريا