أدركت شهرزاد الصباح و ألفَ أنفي رائحة البصل ولأن السؤال قد يعطي الجواب فقد عاهدتُ نفسي على زيارة المسؤولين وسؤالهم بطريقة مباشرة
لما يا مسؤولينا تحضرون معكم علّاقة منذ أول إطلالة لكم علينا مع معرفتكم يقيناً بوجود الشماعة في مكاتبكم الفخمة ؟
ومن حسن حظي الطارئ مع سوئه المزمن ففي الزيارة الأولى لم أعاني من مرارة الانتظار ولا مذلة السؤال ولا سحْبِ الكلام فقد كان المسؤول الأول الذي قصدته رائق المزاج منطلق اللسان مبتسم القسمات وما إن بادرته السؤال حتى أجابني بصيغة النصح من مجرب خبير و مسؤول قدير موضحاً ضرورة التمييز بين العلّاقة والشمّاعة إن كان لدي أدنى طموح في الوصول إلى فهم ميزات الإدارة وحسن الاستفادة من المنصب
مردداً على مسامعي نظريته الجديدة في الإدارة التي لا تقوم على نظرية الكاريزما الشخصية التي تميز شخصية المدير أو القائد الذين يقولون بأن الإدارة والقيادة لا تصنع بل تولد وهي أيضاً لا تقوم على النظرية المكتسبة التي تعتقد بأنه يمكن صناعة المدير بالتدريب والتأهيل بعد تزويده بالعلوم الإدارية والمهارات القيادية وإنما تقوم على الحالة الوسطى التي تقرُّ بضرورة وجود الموهبة أو كما أسماها الشطارة مع ضرورة صقل هذه الموهبة
ولكن ليس في المعاهد والجامعات ولا بتلقين النظريات وإنما في مدرسة الحياة التي تعطي الخبرة الحقيقية بمعلميها المخضرمين أولئك الذين تشهد بمقدرتهم البلاد وتعترف بموهبتهم العباد وأهم دروسها بنظره هو التمييز بين ما هو قابل للتعليق باستعمال العلّاقة وما هو بحاجة للركن أو للتشميع حسب المفردة التي استخدمها وهذا يختص كما قال بما لا يمكن تعليقه وبذات الوقت لا بد من التخلص من آثاره وحدده بقوله ما يمكن الاستفادة منه في الهروب من تحمل المسؤولية وهنا لا شك تلزم الشمّاعة وبذلك وفقاً لنظريته يتم التخلص من عبء مسؤوليات المنصب و التفرغ للتمتع والاستفادة من ميزاته
ولأنني ممن بالنظريات لا يقتنعون وبالكلام المجرد لا يفهمون وكي يضرب لي مثلاً عن متى يستخدم العلّاقة وكيفية اختيار تقنيات التعليق
بادرني بالسؤال ما هي الموضة الإدارية هذه الأيام ؟
فقلت لم أفهم !
فقال ما هو المصطلح الذي يتردد على لسان كل مسؤول أو مدعي للمسؤولية ؟
فقلت لا شك أنك أعلم .
فقال ألم تسمع بمصطلح التطوير والتحديث .
قلت أجل .
وقبل ذلك ألم تسمع بمصطلح الإدارة بالأهداف فهززت رأسي بالإيجاب
فقال وقبل ذلك الإصلاح الإداري وقبله مكافحة الفساد وقبله وبعده وإلى الآن المصطلح المتجدد أبداً منذ بدء تكوين الإدارة ألا وهو العلّاقة الأهم والأكبر ما يسمى بمقتضيات المصلحة العامة
وما كان دوري وهو يسترسل في كلامه إلا أن أهزّ رأسي منبهراً لأعلن عن معرفتي وإظهار تأيدي المطلق
فقال يا بني هذه كلها علّاقات شريطة استخدامها في الزمان والمكان الصحيحين
فقلت مستغرباً كيف ؟
فشق ثغره بابتسامة بانت فيها أسنانه التي طالما قطعت وفرمت قضايا شائكة معقدة وقال يا بني هل قرأت قراراً أو أمراً إدارياً مهما كان سيئاً أو مسيئاً خلا من عبارة بناءً على مقتضيات المصلحة العامة
قلت وأنا أحاول أن أفهم ماذا يقصد : لا كل الأوامر والقرارات يذكر في حيثياتها بناءً على مقتضيات المصلحة العامة
فقال هذه إذن علّاقة ووعلى نفس المبدأ عندما تريد شراء أجهزة تستخدم علّاقة التطوير والتحديث وعندما تريد أن تتخلص من شخص تستخدم علّاقة مكافحة الفساد وعندما تريد إظهار انجازاتك مهما كانت متواضعة فتستخدم علّاقة الإدارة بالأهداف أفهمت يا بني
وما إن نطقت باستنتاجي الغبي محاولاً إظهار عبقريتي عندما قلت وكذلك هي الشمّاعة حتى وقف مصدوماً راثياً لحال البلد لو لا قدر الله تم الاعتماد علينا في مراتب إدارية وقيادية عليا وقال باستهزاء لا يمكن استخدام هذه التعابير والمصطلحات كشمّاعة وكأني بك حتى الآن لم تميز بين ما نريد تعليقه لإظهاره واستخدامه للوصول إلى الهدف وما نريد إخفائه وتعليق الفشل أو استخدامه للتهرب من تنفيذ الأوامر والتعليمات والبلاغات التي تصدر من القيادة الأعلى محاولة فرض أسلوب محدد للعمل وتحديد ضوابط له وفق قناعة مختلفة عن قناعتنا فأظهرت أسفي لمحاولة خطف المعنى قبل ترسيخ الفكرة وقلت أرجو أن توضح لي ذلك
فقال كل خلل أو تقصير في الأداء له شمّاعة يمكن تعليقه عليها فعدم تنفيذ الخطة شماعته عدم وجود الكفاءات بين المرؤوسين ناهيك عن عدم تأمين المستلزمات الضرورية في وقتها أما عدم التقيد بالقوانين فله شمّاعة الأولويات والضرورات التي تبيح المحظورات والتنفيذ الخاطئ للتعليمات شمّاعته عدم وضوح هذه التعليمات وتناقضها ونسيان بعضها وإغفال بعضها الآخر
فقلت هل لك أن تشرح ذلك بمثال
فحدق بي وقال كيف برأيك تم تفريغ تجربة المعهد الوطني للإدارة العامة من مضمونها ؟
ومن خوفي أن أخطأ ثانية قلت لا أعلم .
فقال باستخدام الشمّاعة
قلت كيف !
قال عندما أصدر السيد الرئيس مرسوم إحداث المعهد ذكرني في أي عام
قلت : عام 2002
قال صحيح قام السيد رئيس الحكومة أنذاك بتفصيل شماعة خاصة كما قام السيد وزير المالية بشراء شمّاعة جديدة وسمحوا لكل مسؤول بشراء شمّاعة خاصة بموضوع المعهد
قلت : لم افهم وأنا فعلاً لم أفهم ما هي هذه الشمّاعات
قال : يا صديقي الغر تم إحداث المعهد لتأهيل الكوادر الإدارية ووضعهم في مراكز قيادية من أجل قيادة العملية الإصلاحية ومكافحة الفساد وكسر حلقته وأخذ المعهد حينها ضجة كبيرة وحاول أساطين الفساد اختراق التجربة لإيصال أزلامهم إليه فلم ينجحوا فاستخدام السيد رئيس الحكومة علّاقة الفرز حيث قام بفرز الخريجين بشكل مدروس ومن غير تسميتهم بمرتبة وظيفية تتناسب مع تأهيلهم أي باختصار تركهم تحت رحمة من يعتبرونهم خطراً عليهم وجاءوا ليأخذوا مكانهم وترافق ذلك مع استخدام شماعة وزير المالية بحرمانهم من التعويض المقرر لهم في مرسوم الإحداث والبالغ 75% من الراتب واستبداله بتعويض 17.24 % وطبعاً هذه الخطوة إضافة إلى الفرز بلا تسمية أعطى الضوء الأخضر للمسؤولين المهددين من تجربة المعهد باستخدام مهاراتهم بمحاربة الخريجين وتهميشهم وإبعادهم عن العمل وتقيمهم بضعف مستواهم الفني و الإداري مما يجعل من تكليفهم بعمل قيادي كارثة تنعكس على التنمية المستدامة التي يسعى إليها الوطن بكل أركانه
فهب في داخلي شهريار وصاح . . . بصرخة تنم عن الارتياح . . . من غير أن يسمع ديك الصباح
بوركتم . . . أيها السوريون . . . بوركتم
كم أنتم مبدعون . . . حتى في الفساد . . . عباقرة أنتم . . . متميزون
وهنيئاً لكم إن تجنحوا للصلاح . . . وحينها لاح في الأفق ما لاح . . . سيف الجلاد أو ضوء الصباح . . . فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح
يجب بناء سورية من جديد يجب بناء ادارة جديدة واعلام جديد وقضاء جديد يجب تحقيق اختراق في مؤسسة الادارة لاجتثاث الفساد اختراق مؤسسات الفساد والحزب والبحث عن سياسيين منحدرين من الادارة كفيل بانجاز الاصلاحات اختراق هذه المؤسسات الثلاث (الحزب – الفساد – الادارة -) التي ذكرتها مهمة صعبة تنتظرسيادة الرئيس بشار الأسد ، لكني أؤمن مخلصاً وصريحاً بأن التحدي الأكبر لهذا الشاب المتحمس لخدمة بلده ونظامه هو في قدرته على تشكيل قاعدة شبابية شعبية له اعرض وأوسع من الأطر والقواعد التي اعتمدها النظام إلى الآن