syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
قابيل وهابيل وغرفة بالأوتيل!!...بقلم : نادين صغير

في قاعة الاستقبال الكريستالية التقى كل من قابيل وهابيل القادمين من الأزمنة الخرافية لتمضية الإجازة الصيفية في فندق  "الحياة الخيالية " ذي النجوم الثمانية الألماسية


مضيفة الاستقبال : أهلاً و سهلاً، كيف أخدمك سيدي؟

هابيل: أريد غرفة بسيطة جميلة مطلة على مناظر الشاطىء الذهبية ونسائم البحر العليلة لأسبّح بحمد ربي على ما وهبه لنا من بدائع سحرية.

المضيفة: على الرحب و السعة سيدي غرفتك رقم واحد تكلفتها 300 دولار لليلة، من فضلك أعطني جواز سفرك.

هابيل : دعيني أعرفك عن نفسي؛ انا مواطن من مدينة الخير الأفلاطونية، سحنتي نفيسة وجواز سفري الطيبة، هويتي الإخلاص للأبدية، ومن سمتي أيضاً البراءة و العفوية وحب الإنسانية وجميع الخلائق الكونية، عائلتي الشهامة والكرم المعروف بالحاتمية.

المضيفة: سيدي إننا نعيش اليوم على أرضٍ واقعية أساسها المصلحة الشخصية، هلاّ أسديت لي معروفاً وأعطيتني جوازك ودفعت أجور إقامتك بالعملة النقدية؟

هابيل : انتظري قليلاً سأحضره لك.

 

وفي تلك الأثناء جاءت مجموعة سياحية من بلاد الضباب الوهمية لتستأجر غرفة فندقية، وكان من أحد أفرادها رجل رعديد صنديد اسمه " قابيل "

قابيل: عفواً سأسبقك يا هابيل، أنا هنا سيدتي الجميلة! إني قادم من مدينة الشر الشيطانية، وطلبي غرفة فاخرة ملكية تليق بأملاكي الجنونية، فلديَّ ما يكفي قرناً من السيولة المادية، وأملك مليون بطاقة ائتمانية تكفي لسد مجاعة أفريقية، خزينتي الأموال القارونية، وبالطبع لا حاجة  لجواز سفري لأني مشهور على مستوى الكونية، وإني محبوبٌ من قِبل البشرية.

المضيفة:حلت البركة في بيوتنا وأهازيج السعادة في ديارنا، أهلاً بك محبوبنا سالب عقولنا وضمائرنا!

 

قابيل: إني ساحر قلوب النساء وآسر عقول الرجال وأشباه ما يسمون بالبشر، ومن اصدقائي الغيرة والطمع واليأس والحسد، هوايتي السهر كل ليلة مع شريكي الحقد، شعاري المقولة الداروينية الشهيرة  "البقاء للأقوى "، ومن أهدافي نشر مصلحتي المدنسة بلطخة الجشع وجميع ما فسد.

المضيفة : أوه حقاً صدق  "عدي بن زيد " عندما قال:

(عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه      فكل قرين بالمقارَن يقتدي)

والآن لي سؤال: المال زينة الحياة وأساس البقاء؛ فما هي طبيعة عملك حضرة قابيل، وكيف وصلت لهذا المستوى من الثراء؟

قابيل: أتباعي يعملون بتجارة الأسلحة والمخدرات، وخطف قلوب الأبرياء و تهديدهم بقوة المتفجرات، وسرقة البيوت وانتهاك الحرمات وفعل ما يحلو لي من المحرمات، أعيش الحياة مقتاتاً على الرشاوي والمخالفات، أما الالتفاف على القانون فهو عندي من المُسلّماتْ.!

المضيفة: وما عملك يا هابيل المسكين لتعيش حياة رثة في نظر الملايين؟

 

هابيل: أعيش على ما يرزقه ربي من مكرمات،من سمتي حب الغير ومساعدة الفقراء بالصدقات، أموالي نظيفة بعيداً عن ما تنكره الأديان وجميع الفلسفات، أطوف بيوت الأيتام وخير الجمعيات، شعاري الحديث الشريف  "الابتسامة في وجه أخيك صدقة " و ما أبرعني في إلقاء ما طاب من تحيات!

المضيفة: و بأي لغة تتكلمان؟

هابيل :لغتي الرحمة والعفاف، أبجديتي يتقنها الاطفال الأبرياء والناس الأتقياء، ادواتي البراءة والمشاعر النبيلة  والغفران، رأسمالي الحب وإني بشهادة الإنسانية صاحب ضمير ووجدان، حروفي سلسة لا تحتاج إلى قاموس  أو ترجمان، فالأرواح الطيبة تتسلل إلى الأعماق لشفافية لونها دون استئذان، والأخلاق الحميدة  كالدرر النفيسة نشعر بها بالقلب لا بلغة اللسان.

 

قابيل : أما أنا فحروفي الشر و الفساد، أبجديتي يتقنها كبار اللصوص و الشخصيات، أدواتي النصب والاحتيال، رأسمالي الأنانية، وأنا بارعٌ في ارتداء الأقنعة و تمثيل دور البريء بهدف الوصول إلى هدفي ، ولعمري إني بشهادة العصابات شجاع جريء والله على ما أقوال شهيد.

المضيفة : لله درك أين العدل يا قابيل ! و كم أنت مظلوم يا هابيل!

قابيل :  فلسفتي  "الغاية تبرر الوسيلة " فإننا اليوم لا نعيش في ملكوت السماء بل هبطنا  من آعالي الفضاء لننزل إلى دنس وأسافل الأرض بوميض قدر وقضاء، فكان من حقي البحث عن لقمة عيشي منذ بدء الخليقة إلى يوم الفناء!

هابيل : عزيزتي المضيفة، لا تحاولي ايقاظ ما مات من ضمير في قلب قابيل، أما سمعتِ بقصيدة عمرو بن معد يكرب التي قال فيها:

 لقد أُسمعتَ لو ناديت حيا        و لكن لا حياة لمن تنادي  

 فلو نار نفخت بها أضائت        و لكن كنت تنفخ في رمادِ

 

وإليكِ سر حكايتنا؛ منذ بزوغ فجر الأزلية وعند بدأ التكوين بُثت الروح في الخليقة مجبولة على الفطرة النقية، عندها جاء  أخي قابيل ليدنس الفطرة بارتكابه اول جريمة في حقي لتذرف الرحمة أول دمعة حداداً على موت الضمير في النفس الإنسانية، ولتمسي دروبنا المستقبلية مفروشة  بصراعات دموية  بين  "الخير و الشر " إلى ما لا نهاية وربما للأبدية، وعجبي بالإنسان الذي كلله الله بالإرادة والعقل ليصبح سيد الكرة الأرضية، ما يلبث أن يغريه و يطربه لحن الطمع  ليصبح العقل نقمة، فلا يتردد عن قتل إخوته أبناء البشرية لقاء مصالح دنيوية، فحالنا اليوم يرثى لها وتستغرب من هولها كل المخلوقات من ابناء المملكة الحيوانية، فهل رأيتم ضباعاً أو غرباناً يقتلون فرداً من جماعتهم لقاء مصلحة مادية؟ فكفى أن نبرر عيوبنا معللين بفساد الزمان! حقاً صدق الإمام الشافعي حين قال :

 

 نعيب زماننا و العيب فينا         وما لزماننا عيبٌ سوانا

و نهجوا ذا الزمان بغير ذنب       و لو نطق الزمان لنا هجانا

و ليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ        و يأكل بعضنا بعضاً عيانا

 

بالمناسبة: (قابيل كناية عن الشر الأسود، وهابيل كناية عن الخير الأبيض)

و الصراع بينهما جعل من لون الأخلاق "رمادي " ليتوه بني آدم فلا يميز بينهما، فيضل العقل جادة الصواب، أما الضحية الوحيدة في هذا الصراع فهو أنت، أيها الإنسان.

 

2012-05-11
التعليقات
منار
2012-05-13 16:42:36
حلوكتير
بصراحةكتيرحبيت أسلوب الكاتبة وبانتظار المزيد من القصص القصيرة

سوريا
dr-rodi
2012-05-11 17:30:54
awesome
انا ما بقرأ بالعادة مقالات او أدب مابعرف شو بتقلولنن بالضبط دائما بقرأ اول سطرين وبوقف بحس اغلبن صف حكي بس مقالتك فعلا شدتني واثرت فيني الله يوفقك يارب ودائما هيك تكون مقالاتك واقعية و بهالنظرة العميقة والواضحة بنفس الوقت

الولايات المتحدة
مغترب
2012-05-11 07:29:43
مقال رائع بكل المقاييس
تحية للكاتبة, و ارجو دوام الاستمرار في الكتابة بهذا الاسلوب الاخاذ

بولندا