مقهى صغير. طاولات وكراسي أصغر, وجوه حزينة عابسة كأنها خارجة للتو من فيلم طويل لآلام المسيح .
جميع المحال في ذلك الشارع القديم مغلقة أيوابها بقفول سوداء كبيرة وكأن كل من كان لم يكن في يوم من الأيام .كل أهلك ايها الشارع الجميل قد تبخروا في عتمة الليل .
بعض المارة هنا وهناك يجرون أنفسهم بتثاقل ينتظرون الموت في اية لحظة .
ولدنا في هذه البلاد ونحن ننتظر الموت الوطن ,الوطن, الوطن, سرق منا كل شيء حتى الحياة لم نعد نعرف من الحياة سوى الأكل والشرب والنوم تماما مثل الحيوانات وذلك كله من أجل الوطن .
حتى تلك القطة الشامية البيضاء لم تعد تقوى على صعود الدرج المؤدي الى أبواب جامع قديم اموي في تاريخه الى مآذن تبكي دون عويل.
من بين كل ذلك الحزن والألم والغصة برزت الحياة مبتسمة مرة اخرى ,في ذلك المقهى الصغير فالناس هم الناس هناك, وبالكاد استطعت أن أجد ركنا صغيرا اجلس فيه وأطلب فنجانا من القهوة بطعم دمشق وانا اسكب دمعة وأتمنى لو كن هنا جميع الصبايا اللواتي تلاشين في القزاز يملان المكان بضحكاتهن وأصواتهن العالية ويرسمن مستقبلا أفصل للسيد الوطن .
مسحت دمعة ورسمت ابتسامة وأنا اسمع صوت القبقاب الدمشقي وهو ينادي "نارة يا ولد "
نعم لا مكان للدموع بعد اليوم بل مكان للحياة والأمل هذا ما قلته لنفسي وأنا ارسم خطواتي على حجارة شارع قديم مشت عليه فتاة في مثل عمري قبل 3000 عام وهي تحلم بوطن أجمل.
ألم تقرأي سعد الله ونوس وهو في اللحظات الأخيرة من حياته وهو يقول اننا محكومون بالأمل الشجر والحجر والعصافير وكل ما يدب على هذه الأرض محكوم بالأمل ليس سرا ان الأيام بسمات طويلة ان أردت السر فأسأل عنه ازهار الخميلة عمرها يوم وتحيا اليوم حتى منتهاه لذلك سنحيا هذا اليوم حتى منتهاه