syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
عشر دقائق بعد الولادة.. بقلم : ماهر إحسان المونس

السابعة والنصف صباحاً، العاشر من أيار، قبل عطلة نهاية الأسبوع بيوم واحد، والصباح ربيعي بامتياز لا برد فيه ولا حر، ولا ازدحام ولا قلق ولا ضجيج في المكان..
هدوء رخيم في الأفق يقطعه أصوات عصافير خجولة ما زال النعاس على أجنحتها..

 


رفعت ديما يدها، وما هي إلا أجزاء من الثانية وتتوقف سيارة أجرة صفراء ورتيبة ونظيفة أكثر من اللازم.

صعدت ديما ورائحتها العبقة تسبق بياض قلبها الذي فاض على وجهها…

كانت ديما تفوح أكثر من أي وقت مضى وكأنها زهرة من هذا الربيع.

 

رمقها السائق بطرف عينه، وكان أربعينيناً غلب الشيب على ذقنه وشاربيه، بدا للوهلة الأولى أنه أب حنون.
تنشّق السائق عطرها المنثور على ما كُشف من صدرها ثم سار بها وسألها على الفور:
(عفواً سيدتي للتدخل بخصوصيتك لكن رائحتك المميزة دفعتني لأتشجع وأسألك عن نوعية العطر التي تضعينها)

 

تبسّمت ديما ووجدت لباقة ولطفاً بطريقة سؤاله لكنها أجابت بشكل مختصر:
(إنه نوع فريد من إكسير العطور، لن تدرك طعمه أو منبعه)

(لا بأس لكن حقاً رائحتك مثل الثلج على صدر ظمآن..)

 

ثم صمتا وصمت المكان..

وفي الأثناء يمر حزن من المذياع.. خبر عاجل:
(استشهاد أكثر من 30 شخصاً وعشرات الأشلاء والجرحى كحصيلة أولية بانفجار سيارتين مفخختين في منطقة القزاز بدمشق).


طلبت ديما من السائق أن يرفع صوت المذياع لتعرف مكان التفجير بالتحديد، لكن السائق طمأنها أن الانفجار في مكان مغاير للطريق الذي يسلكونه.

-         صحيح.. تذكرت.. أنت لم تسألني بعد إلى أين أريد أن أذهب!!

-         أنا أعرف وجهتك والمكان الذين تريدين الوصول إليه.

-         تعرف !!

-         نعم وحسابك مدفوع سلفاً.

-         الحساب مدفوع وتعرف مكان إقامتي!!!

 

لم يكلّمها…. وما هي إلا دقائق حتى اقترب من اليمين وقال لها:

تفضلي سيدتي.. لا أستطيع الاقتراب أكثر..
انزلي سيأتي حارسان ليأخذاك إلى مكان إقامتك الجديد.. من هنا باب الجنة..

بالمناسبة.. العطر الذي كنت تضعيه هو عطر الشهادة..
أعرفه جيداً، فقد أوصلت قبلك الكثيرين..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.

.

.

إهداء  إلى روح الشهيدة ديما فرح/ 25 ربيعاً

خرجت من منزلها صبيحة الخميس 10/أيار/2012 متوجهة إلى عملها، ولم ترجع حتى اللحظة.

عثر في مكان التفجير على فردة حذائها، ويعتقد أن الفردة الأخرى مع سائق التكسي الذي أوصلها إلى باب الجنة !

.

.

 

 

ملاحظة:

وجد في غرفة ديما كتاب اسمه (عصفور محكوم بالإعدام)
مكتوب على إحدى صفحاته:

لم أكن ضد أحد..

كان في قلبي عصافير رنّت.. رنّت.. في أعين الأطفال..

لم تبلغ مداها..

.
.
.
.

.

.

الرحمة والراحة لروح ديما.. المجد والخلود للشهداء..

العروس دمشق 22-5-2012

ماهر إحسان المونس

2012-06-01
التعليقات
بشار
2012-06-01 15:58:24
رحمها
الله رحمها .. ورح يرحمنا ديما راحت شفاعة لكلنا . بلكي منعتبر

سوريا
له له
2012-06-01 12:40:29
له له
الله يرحمها ... القصة ماكتير عجبتني سردها غير مشجع ابدا عم تحكي على شهيدة .. ( تنشق السائق عطرها المنثور على ماكشف من صدرها ثم سار بها ) ماكان في داعي لهل الفقرة بالذات انت قلت انو اربعيني بدا للوهلة الاولى انه اب حنون .. كنت كمل القصة بحنية اب لانك عم تحكي ع شهيدة .. بكل الاحوال النقد الي نقدتك اياه ادبي يعني عن النص ولا دخل لخصوصية الشهيدة شخصيا .. الف رحمة على شهداء الوطن .. وصبركم الله على فقدان شهيدتكم .. تقبل مروري

سوريا
شهيد حي
2012-06-01 10:21:17
الله يرحمها
حبيبي ماهر ، ياريت تكتب عن كل شهداء سوريا بنفس الاسلوب ، وما يكون تعاطفك مع نصف لشهداء دون النصف الآخر ..

سوريا
ماريا
2012-06-01 09:33:27
الرخمة لروحك يا ديما
المقال اكثر من رائع كبير هو الحزن يا ديما لكن العصافير ستظل تغرد لذكرى العروس الحلوة التي دخلت جنة بدون عذاب والم وحيث الجميع يحبون بعضهم البعض

سوريا