syria.jpg
مساهمات القراء
مقالات
البقعة السوداء...بقلم : م فواز بدور

قلب الملاك خالص البياض  وقلب الشيطان خالص السواد

أما نحن فبشر, ولأننا بشر , ففي قلب كلٍ منا بقعة سوداء تمثل كل ما هو سلبي كالشر والأنانية والغرائز و العيوب والأخطاء المرتبطة بالطبيعة البشرية


وقد تتناهى هذه البقعة  في الصغر إلى  أن تصل إلى نقطة  تكاد أن تكون غير مرئية فنقول عن القلب حينها أنه قلب أبيض وقد تكبر وتتمدد هذه البقعة حتى تكاد تلون معظم القلب بالسواد فنقول عن القلب حينها أنه قلب أسود

 

أما ما يجعل النقاط تتلون باللون الأسود فهو ما يمكن أن نعتبره ميل المنظومة إلى التوازن أو ما يمكن تسميته عتبات الاستقرار فما إن نرتكب خطأ ما حتى يحصل صراع بين من هو مسؤول عن الدفاع عن المنظومة القيمية سواء كان ذلك على خلفية دينية أو خلفية أخلاقية وبين من هو موكّل بالدفاع عن كل ما هو سلبي كالغرائز والخصال السيئة من طمع وجشع وأنانية 

 

 وبعد انعقاد جلسة المحكمة يقدم كل منهما مرافعته القوية بإخلاص محامٍ محنك ويأتي بعد ذلك دور النطق بالحكم فإذا ما كان القاضي نزيهاً ولا ينتصر لديه إلا الحق فتبقى المنظومة محافظة على استقرارها عند المستوى القيمي الأول أما إن كان حال القاضي كأحوال معظم قضاتنا ممن يكون الحق عندهم مع من يدفع وعندما يدفع الطرفان فمع من يدفع أكثر وبالتالي سيقوم هذا القاضي بالحكم  لصالح الشر وتبرير الخطأ فهذا سيشكل انهيار للمنظومة   القيمية ولحسن الحظ لا يستمر هذا الانهيار إلى ما لا نهاية حيث تقوم هذه المنظومة ببناء خط دفاعها الثاني على مستوى أدنى من المستوى القيمي الأول مشكلة عتبة جديدة لتتمكن من الدفاع عنها بعد انهيار خط دفاعها الأول  متخلية عن  نقطة بيضاء يقوم القاضي الفاسد  بتلوينها باللون الأسود تعبيراً عن انتصار الشر في هذه الجولة  ومؤشراً على المنسوب القيمي الجديد الناتج عن تبرير الخطأ

 

ولتبسيط ذلك نقول :

 

عند ارتكابنا خطأ ما ينشأ صراع بين ما يعرف بالضمير الذي يمثل النيابة العامة  والقوة الشريرة التي تمثل محام الدفاع والتي كانت وراء ارتكاب هذا الخطأ فإذا ما انتصر الضمير بقيت عتبة الضمير على حالها وعند مستواها الأول وتم الاعتراف عندها بالخطأ أما إذا ما انتصرت القوة الشريرة  فإن عتبة الضمير ستنخفض إلى مستوى أدنى من المستوى الأول حيث لم يعد يعتبر فيه هذا التصرف خطأ  ومن ثم يعود التوازن من جديد ولكن على عتبة ضمير جديدة أخفض من العتبة الأولى يرافقها بالطبع جمل تبريرية تمثل النقطة السوداء الجديدة وهي التي تسمح لنا بارتكاب هذا النوع من الأخطاء مثل "السرقة من الدولة حلال "  و " طالما أنني لا اضر أحدا فما المانع من الاستفادة " و "فيد واستفيد " و "طعمي التسعة مشان تاكل العشرة "

 

ولكي لا ينحصر كلامنا في الجانب السلبي فقط نقول إن اللون الأبيض هو الحالة الأساسية والأصلية  للقلب فنحن خلقنا جيدين بالفطرة وأطفالنا بيض قلوبهم ونتيجة لتصرفاتنا المشينة وانخفاض عتبات الضمير لدينا تكبر وتتمدد البقعة السوداء على حساب بياض قلبنا ومع ذلك فقد تعود نقطة سوداء إلى لونها الأبيض الأصلي وذلك عندما نقوم باستدراك مفاهيمنا القيمية وإعادة تقيم لسلوكنا بقواعده ومحدداته فمثلاً عندما يقوم مخطئ بالتوبة والعودة عن خطأه ويقوم القاضي بإعادة الحكم لصالح الخير تعود عتبة الضمير للارتقاء كما يقوم القاضي الذي أصبح عادلا لإعادة اللون الأبيض لنقطة كانت سوداء تعبيراً عن انتصار الخير في هذه الجولة ومؤشراً على المنسوب القيمي الجديد الناتج عن التوبة و الاعتراف بالخطأ

 

وما ينطبق على الأخلاق والضمير والدين ينطبق على الوطنية فنحن نملك قلوب وطنية بيضاء بالفطرة ونتيجة لارتكابنا المعاصي والتصرفات اللا وطنية  تتمدد بقعة اللا وطنية السوداء في قلوبنا على حساب بياض الوطنية  ويمكننا إذا أردنا ببساطة أن نتوب ونعود إلى نقاء الوطنية بعدم تفضيل مصلحتنا الخاصة على حساب الوطن والعمل لكل ما فيه خير الوطن والامتناع عن الانجرار وراء التفرقة والخلافات المبنية على أسس دينية  أو طائفية أو عشائرية وفهم ما يحاك له في زمن يقف فيه شامخاً على قمة المقاومة في وجه كل من تحكم تصرفاته تبعيته وعمالته للغرب الساعي لتأمين أمن وآمان ربيبته في المنطقة  وفرض وجودها المنبوذ كمكون متناسب مع مكونات المنطقة وذلك  بتفكيك البنية  الواحدة الموحدة حضارياً وتاريخياً وجغرافياً  إلى كيانات متنازعة متقاتلة قائمة على أسس قيام هذا الكيان ولكن ما فاتهم هو أن الحق لا يموت إذا تنازل عنه القادة العملاء وأن الشعب العربي وإن  اهتزت   بوصلته فهي لا تضيع أما الشعب السوري فمجبول بالوطنية والقومية  فلا يمكن أن تهتز بوصلته ولا أن تنحرف عن مسارها ولا يمكن الحكم عليه من خلال بعض المغيبة عقولهم أو الناعقين من الخارج الذين لم يشربوا من مائه ولم يقطفوا ليأكلوا ثماره فيعرفوا معنى الوطن . . . عشتم وعاش الوطن

 

2012-06-21
التعليقات