إندلعت أحداث سوريا منذ مطلع العام الفائت، وهي أمنية، وعسكرية بإمتياز. من اليوم الأول شعرت بالمؤامرة التي حيكت، وحُبِكَت غربًا، لتنفذ بأدوات مستعربة.
اليوم أخذت الأزمة وجه جديد، فالإغتيال السياسي المباشر، هو أجلى تعبير عن الإفلاس اللوجستي.
عندما أُغتيِظ من الرئيس الأميركي (جون كندي) إغتِيل من خلال (أوزفلد) لمواقفه من إسرائيل. ورئيس وزراء الكيان الصهيوني (إسحق رابين) عندما أُغتيظ من مواقفه تجاه العرب أغتيل من خلال (إيغال أمير).
عقب إنتصاره بثورة الزنوج، قال (مارتن لوثر كينغ): (لم تعد تعني لي الحياة بشيء) فإغتيل بعد فترة بسيطة. (المهاتما غاندي) الذي حوَّل الهند مما عليها، إلى ما لها قد أُغتيل أيضًا. البابا يوحنا بولس الأول، والمفتي حسن خالد، والمطران ثاوذوروس حجار، والشيخ أحمد ياسين، والليدي ديانا.. والقائمة تطول جدًا لمن قد إغتيلوا. فعديدون ممن ذكرت، ليسوا معنا، لا قلبًا ولا قالبًا، لكنهم دفعوا دمهم وحياتهم، ضريبة مبادئهم ورسالتهم في الحياة.
فالكتاب المقدس الهندي (الباجافادجيتا) يقول: (أساس الأديان هو الإيمان) أي الدين بجلاله، لا قيمة له دون الإيمان، فكم بالحري حياة الإنسان، فكلنا يعمل في حياته لتحقييق مبادئه، إلا الشهيد، يبقى حتى بعد الحياة، يطبِّق المبادىء التي عاش من أجلها؛ لأنه يموت أيضًا من أجلها. يقول الكتاب المقدس: (ليس لأحد حبُ أعظم من هذا الذي يموت من أجل آحبائه) فيسوع المسيح هو الشهيد الأول في المسيحية، وقد قُتِل على خشبة الصليب لتشبثه بآرائه المعتقد بها. لكنني اليوم ذقت طعمًا آخر لهذه الآية، فكثيرًا ما كنت أظن في وقت ضعفي، بأن رؤوس الأجهزة (حماهم الله) في الدولة هم بمنأى عن الشر المستطير الذي يسيطر، على البلاد.
لكنني تذكرت اليوم، سماحة السيد (حسن نصرالله) الذي سُئِل مرة عقب إستشهاد نجله (هادي): ماذا قدَّ مت لك هذه الحادثة سماحة السيد؟ فأجاب: عندما كان يأتيني والد شهيد، كنت أضع رأسي أرضًا من الخجل، أمَّا اليوم فارفع رأسي شامخًا. وأنا اليوم أكثر فأكثر أصبحت أرفع رأسي بإعتزاز، لأن وزيري الدفاع والداخلية في بلدي سوريا قد إستشهدا، بما لهما من رمزية وطنية، بصورة عامة، وبهذه الأزمة بصورة خاصة، إذ قدَّمت المؤسسة العسكرية جلَّ ما عندها، رأسها سيادة الوزير؛ وأجهزة وزارة الداخلية، قدَّمت أيضًا رأس الهرم. وسيادة الرئيس قدَّم قرين شقيقته، فالدفاع البدني إنتقل للخط الأول هذه المرة، فالعميد تركماني أيضًا أحد أقطاب المؤسسة العسكرية السورية، قد شارك مع كوكبة الشهداء هذه.
أُنهي لأفول: لم يرحم القتلة، من هم في الأرض، لذا لا أعتقد أنه سيرحمهم من في السماء، فقد قال كتاب الله العزيز: (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الارض، فكأنما قتل الناس جمعيا)، فحتى المسيح، الذي هو الله في المعتقد المسيحي، قد قال عند صلبه: (يا أبت إغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون) أي طلب المغفرة لصالبيه؛ لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون، لكن صالبي وطننا الحبيب يدرون ماذا يفعلون، لذا لن نطلب لهم المغفرة، بل القصاص؛ لأنهم أفسدوا ما في القضية من ود من اللحظة الأولى.