بين الحين والآخر أناشد أبي في نفسي ، فهو ذلك الإنسان الريفي البسيط ، الذي آمن بالله ، وأدمن حب بلده ، والذي خبر الحياة بعد صراع ومصارعة طويلين.
وبما أنه لا زال الصديق الأقرب إلى قلبي بين خلق الله، أناشده: آه .. لو تخرج من القبر ، فتنظر إلى حالنا ، كيف اشتبكنا .. وأصبحنا أعداءً متناحرين ، بعضُنا يُخَوِّن بعضَنا الآخر، بعضُنا يأسر بعضاً، بعضنا يقتل بعضاً ، بعضنا يُمَثِّل ببعض ، بعضنا يُهَجِّر بعضاً، فكل يرى أن كلامه يعلو ولا يُعْلى عليه ، ورأيه سديد رشيد محكم لا يأتيه الباطل ، وكاد أن يكون مُنَزَّلاً.
ونقلنا معركتنا إلى عقر دارنا . واستبسلنا في الهجوم على بعضنا . شلالات دمائنا الزكية تسقي كل يوم أرضنا الطاهرة ، فتوحدت ألوان الثمار و الزهور و الورود في بلدنا ؛ كلها لونها أحمر . واختلط حابلنا بنابلنا. وبتنا نتباهى ونتفاخر بانتصارنا على أنفسنا!
لقد هدمنا مدننا على رؤوسنا . وأصبحنا صندوق الدنيا ، ومسرح العرائس . وتحولنا إلى قاتلين ومقتولين ، ولاجئين ومتسولين ، وهاربين وملاحقين ، ومطاردين ومطرودين . وأمسينا حديث من لا حديث له ، في المشرقين والمغربين!
و تفاقمت الأمور أكثر بيننا ، وتعقدت أكثر مسألتنا ، فأصبحت مستحيلة الحل . وكلما حشر قوم أنوفهم في شأننا أصيبوا بزكام ودوار، وإغماء ، وأعلنوا فشلهم ، وفروا هاربين ، فأصبحنا بحاجة إلى معجزة .
فربما يكون لديهم خوارق ومعجزات هناك في العالم الآخر ، توحي إلينا أمراً، فتوقف نزيف دمنا، وتلزمنا حدنا الذي تجاوزناه.
ولم يرفض أبي لي الطلب .. وخرج أخيراً من قبره ، إنما ليس كما طلبت منه ؛ ولكن بقذيفة سقطت على المقبرة التي يسكنها منذ زمن ، فتناثرت عظامه و أصبح قبره أثراً بعد عين.. وبت من دهشتي أغني ( موطني .. موطني .. الحسام واليراع لا الكلام والنزاع رمزنا.. رمزنا) ..
تحية لك اخي الكاتب مقال جميل ومؤثر, بعد ماقريت هذا المقال صدقني فتحت على نشيد موطني واستمعت له وتمعنت بكلماته كاني اسمعه اول مرة بحياتي.
كلنا مفجوعين بما يجري في وطننا بين أبنائه , حسبي الله ونعم الوكيل , قرأت مقالك بألم كبير, نسأل الله الفرج القريب.