ذات يوم ٍ كنت عند خطَّاطٍ سوريّ معروف و أنا أتلذَّذ برؤية العديد من اللوحات الجميلة التي لا تملُّ عيناك من التبحُّر في رسم كلماتها و استدارة حروفها و تقف مندهشاً من الفكرة التي تستند عليها حتَّى إنَّ الانبهار تقمَّص عيني فأضحت محدِّقة ً لتجد السبيل لتتبع مسار الحروف والكلمات
و بينما كنت أتجوَّل ما بين لوحةٍ و أخرى تعجَّبتُ من قدرة هذا الخطَّاط الغريبة و الفريدة على شقِّ طرق الحروف بشكل ٍإبداعيٍّ لا مثيل له و بسلاسةٍ غير معهودة و كيف أنَّ الحروف ترابطت فيما بينها لتشكلَ شبكة ً واسعة ً من الكلمات وتفاءلت حينها بأنَّ الأمة العربية مهما وصلت إلى نهاياتٍ مؤلمة و مهما انسدَّت في وجهها سبل الحلول الإبداعية والعملية لا بدَّ لها أن تبصر النور ولو في آخر النفق بهذه الشموع الإبداعية الخلَّاقة التي تذوب لتضيءَ قاعات الفنون و مختبرات العلوم ولتتَّقد لوحات الخطوط التي و بالرغم من انحسارها على مساحةٍ صغيرة محصورة في إطار ٍضيق ٍمن العيون والرؤوس السياسية التي اختطفت الأمة العربية والوطن بأسره و التي لا تقرأ اللوحات إلَّا حبراً على ورق دون أن تقدِّر سهر الليالي و أرق العيون من أناس ٍ همُّهم الارتقاء بالفكر الشعبي و توسيع مدارك الطبقة السياسية في بلادنا العربية التي لا يهمها إلَّا أنْ تكدِّس المال أطناناً و تحتكر الأوطان ميراثاً.
و كما قلت بعد محاولات ٍ و محاولات ٍ متكررة دون يأس ٍ و دون كلل ٍ أو ملل استطاعت تلك اللوحات الذاخرة بالخطوط العملية التنويرية أن تخترق الحظر الممنهج و بدأت تجذب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج كما أخذت تَبسِط لنفسها مساحاتٍ واسعة وتحرَّرت من أطر التضييق والتغليف والإخفاء.
و عندما فشل أولئك الحجريون في فرض حالة الجمود على اللوحات نتيجة حالة نفاذ صبر ٍ جماهيري لا مثيل له من فرض الرؤى و تشريب المبادئ والقيم والأفكار و فرض نوع الخطوط الواجب الكتابة بها , وعلى وقع صحوةٍ شعبيَّة بضرورة متابعة كلِّ جديد في إطار فنِّ التخطيط و ضرورة اتباع دوراتٍ تعليمية تثقيفية بحضور معارض الخطوط الوطنية لرسم خطِّ المستقبل الحرِّ المنتظر المتوائم مع طبيعة و تركيبة ألواننا .
عندها بدأ أولئك الجلموديون الصخريون بصبِّ جام غضبهم على الناس و بدؤوا تدمير الأعمال الإبداعية بأحجارهم الحاقدة كما أسرفوا في احتجاز كلِّ حسٍّ إبداعيّ و التضييق عليه و تصفيته في حال اقتضت الضرورة .
و لم يتوانوا عن نثر الألوان في كلِّ مكان بغية تفريقها كي تعجز عن تشكيل لوحةٍ تكاملية يفهمها و يؤمن بها كلُّ مواطن و من كلِّ طائفةٍ وكلِّ عرق.
كما شوَّهوا كلَّ خطٍّ تنويريّ بغية تنفير المتابعين والمحللين و تغيير اتجاهاتهم و هواياتهم و إدخالهم في مسالك أخرى و صرف أنظارهم عن قاعات التخطيط التحريرية.
و لكن مهما نثروا من ألوان و مهما شوَّهوا من خطوط و أفكار لا بدَّ لمعاني الحريَّة أنْ تُكتب بأبهى الألوان و لابدَّ للأوطان التعددية الديمقراطية التي يقوم عليها خطَّاطون مبدعون مِنْ أَنْ تشرق شمسها في سماء أمتنا لتنير دروب شعوبنا فتقشع ظلمات القمع و الفرقة والتخلف ورغم كلِّ ذلك يجب ألَّا ننبهر بالألوان و الأضواء كثيراً فتعمينا عن معايير القدرة والكفاءة و المساواة .
و في النهاية و كنتيجةٍ طبيعية علينا أن نوقد مشعل حياتنا بأحلامنا و آمالنا كما علينا أن نُعمِل فرشاتنا الداخلية المحليَّة لابتداع أشكال جديدة من فنون التخطيط تتلاءم مع طبيعة المرحلة الدوليَّة لنسطِّر حياتنا بكلماتٍ و قوانين برلمانية يتربع بها المواطن على عرش المواطنة بعيداً عن مستنقعات الخضوع ومتحرراً من عقد الذلِّ والكبت و المهادنة..............