syria.jpg
مساهمات القراء
خواطر
حكاية أمٍّ مكلومة...بقلم : أحمد خطيب

يُحكَى أنَّ امرأةً جميلةً وَقورةً، عاقلةً رَزينة، قويةً متينة، أصابها مَرضٌ عَارض، فاحتسبت أمرها عند ربها وسبَّحت (سبحان الله)، وحَمْدَلَت (الحمد لله) وحَوْقَلت (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وهلَّلت (لا إله إلا الله) وكبَّرت (الله أكبر)، ثم تناولت بعض المهدئات والمسكِّنات، وانتظرت الفرج من رب الأرضين والسموات.


وهي بهذا راضية، وبقضاءِ ربها مؤمنة غير شاكية.

ازدادَ الألم، وكثر التوجُّع، لكنها مع ذلك لم تشكُ لأحدٍ إلا لربها.

اجتمع أبناؤها حولها.

أحدُهم يشجِّعها ويشدُّ من عزمها.

وثانٍ يندُب حظَّه، ويبكي دون أن يلوي على شيء.

وثالثٌ اتَّصل بصديقته، يحكي لها وجَعَ أمّه، وهو بذلك يستعطف قلب صديقته، ويشحذُ حبَّها ويخطُب ودَّها.

 

ورابعٌ يصرخ في أمه: كفِّي عن التألم والتوجع، فلقد أبرمتِنا بصوتك.

وخامسٌ يُصلِّي لربه علّه يخفف عنها مُصابها، ويريحها من ألمها.

وسادسٌ يُنادي من حوله: أخيراً مرضت أمي ورأيتها ضعيفة، وعلى الفراش طريحة.

وسابعٌ

وثامنٌ

وعاشرٌ

و....

 

ثم اجتمعُوا ليناقشوا أمرها، فاختلفوا.

وعادوا وتنادَوا أن اجتمعوا، لكنهم افترقوا.

وبدأ الأول بالصُّراخ والسُّباب.

فردَعَه الآخر، لكنه ما ارتدع. وزاد في غلظته وابتدع.

فاختلفا واقتتلا.

ومثلُهما فعلَ الثالث والرابع، والعاشر والسابع..

واقتتل الجميع مع الجميع.

وارتفع صوت السلاح..

وسالت دماءُ بعضِهم على بعضهم.

وتناثرت أشلاءُ الأخ على أخيه..

 

واستيقظت الأم من غيبوبتها مذعورة مذهولة موجوعة..

ما بال أولادي يقتتلون، وعلامَ يختصمون ؟!

فتكلَّمت ولكن ما من سامع.

ونادَت وما من مُجيب.

وهدّدت وتوعَّدت، وأزبدت وأرعدت، ولكن ما مرتدع..

فسَألت الجيران عن سبب المشكلة، فلم يجبها أحد..

لأنهم مشغولون بتصوير الحادثة، وإرسالها إلى المواقع والقنوات..

ومنهمكون بالتحليلات والتوقعات.

لكنها استطاعت أن تستخلص النتيجة، وأن تعرف السبب.

بعد عناءٍ وتعب.

 

آهٍ، وآه..

إنهم يقتتلون – كذباً – من أجلها.

ويختصمون – زوراً - بسببها.

ويهتمون – ادِّعاءً - بصحتها.

فتحامَلت على نفسها وتجاسرت.

 

ورفعت صوتها ونادت:

أيا أبنائي، أيا أَحِبَّائي، أيا أجزائي...

أسألُكم بربِّكم إن كنتم به تؤمنون..

وبدِينكم إن كنتم به تعتقدون..

وبحبِّكم لي إن كنتم كما تزعمون..

وبكلِّ غالٍ لديكم ومقدّس..

كُفُّوا أيديكم، واغمدوا أسلحتكم، وداووا جرحاكم..

فأنا لكم جميعاً..

أُحبُّكم !!

 

فلا تفجعوني بمن بقي، بعد أن أفجعتموني بمن ذهب ورحل.

لا ...

لا ...

ثم أجهَشَت بالبكاء..

وسارعت إلى الأرض تمسح دماء الأبناء..

ولم تستطع أن تكمل الكلام..

بل رفعَت نظرها إلى السماء قائلة:

رب إني مغلوبةٌ فانصرني، وكسيرةٌ فاجبُرني..

ومكلومةٌ ومصدومة..

 

ربِّ الطف بأبنائي فيما فيه يختصمون..

ربِّ..

ربِّ..

ربِّ..

هل عرفتم من هذه الأم ؟!!

 

 

22/10/2012

 

2012-11-04
التعليقات