syria.jpg
مساهمات القراء
خواطر
الأمان الهارب...بقلم : مريم توفيق رجب

كنت أنتظر مجيئك دون أن أرجو منك هذا...كنت أصغي لوقع خطواتك التي أتمناها بتوق رهيب وأهيأ ذاتي للترحيب بك و أنير أضواء العتمة حولي و أيقظ النوم فيني و أمشط شعر الريح بأثيري و ألاعب الأطفال في روحي وأداعب الملل بوريقات وقتي وأمسح الغبار عن نافذة حنيني


 و انتظرت مجيئك لترتب به بعثرة المشاعر هذه و تكحل عيون المكان المرتقبة والحائرة و تمسك يد العمر لتفرح أيامه وتعانق بسمة سترتسم في الفضاء حين تنوي القدوم...

ولم تأت ولم يباغتني صوتك الذي كنت أنتظر سطوعه ومضت الأيام وانقضت الليالي و أغلقت المدن أنوارها ولف الظلام حاراتها وغابت الضجة في زواياها ولم يحدث ما تمنيت..

 

لم يحدث ما تمنيت! سنة وتسعة أشهر ولم تأتي.... فطويت أمنيتي في دفتر الليل الصامت وأسندت روحي المثقلة بالأماني إلى وسادة الوقت و سرحت في خيالات الأحلام وأشرقت أياماً أخرى من عمري و هكذا استيقظت من لحظة أمنية حاولت إخفاؤها فتسربت من خاصرة الهذيان و نطقت كل ما حاولت بالصمت ستره ...

 

أشتاقك أيها الأمان فقد فقدنا كل استقرار بغيابك ما زلت أحلم بك قادماً مفترشاً سماء وطني مزيلاً صمت الخوف معيداً السمع لأذني الصّمم الذي أصابنا و الرؤية للعمى الذي ضلل طرقاتنا ومبدلاً الرعب الذي أفقدنا توازننا بالسكينة والاطمئنان ...متى ستأتي وكم سنصبر وكم سنفقد قرابين لتتطهر أرض سوريتنا وتجبل بالدم أكثر وأكثر؟...

 

ألا يحزنك ما نحن به؟ ألا تنهمر دموعك حين ترانا نستيقظ كل يوم ونبتهل لخالقنا بأن يعيدك لنا وننام ولا ندري إن كنا سنصحو كما نمنا...ألا يهزك جنون غريمك الذي يخطف كل أحيائنا و يرعب كل أطفالنا ويروعنا و يشتت حياتنا! ألا تشتاق لملاقاتنا كما تحترق قلوبنا لعودتك؟!!

 

 ..ألا يوجد في صمت بعدك عنا حنين لعمرٍ جمعنا وذكريات حب لم نبح لك بها حتى الآن!...هل أنت غاضب منا لأننا ما كنا ندري في تلك الأيام الماضية كم أنت جميل ووجودك دافئ وعذب ..هل تركتنا لأننا لم نتعلم كيف نشكرك على كينونتك الحنونة التي كانت تملأ تفاصيلنا ...

 

هل غادرتنا و قررت الهجرة أم أنك كنت تعاقبنا على تجاهلنا وبطرنا على النعم التي كانت تطوقنا ولم نعرف كيف نحافظ عليها من قبل...أرجوك تعال من بلاد المهجر فالغربة طالت بنا وأحاط بنا الخوف من كل الجهات فأنت الذي ننتظرك لتأتي وأنت الذي نسعى ليكون بيننا ....

 

تعال أيها الأمان فقلوبنا تعبت وأعصابنا أُنهكت ولا نقوى على العيش بدونك فالكوابيس الواقعية أدمت أحلامنا وشهقات الموت ملأت أرجائنا ومللنا السأم الذي أغشى مرحنا....سنبقى في انتظارك دوماً ولن تخيب آمالنا التي تطلبك في أسحار العمر والليالي والفجر فانهض إلينا من هروبك ولا تخذلنا بغيابك...

 

 

2012-11-30
التعليقات