قضيتُ عمري في التراحل وفي الغربة .. زرتُ بلاداً سكنت المدن تجولت في الشوارع
وتسكعت في الأزقة نمتُ في الفنادق الفخمة وأكلتُ في أرقى المطاعم
دخلتُ المنتجعات والمصايف زرتُ الحدائق والمتاحف تجولتُ في كل القارات
سبحتُ في أجمل الشواطىء رحلتُ الى مختلف البلدان حتى ملني التراحل ..
سافرتُ الى أصقاع الأرض ..
من روسيا الى المكسيك و كوبا من ليتوانيا الى بولونيا و ألمانيا من بريطانيا الى اسبانيا و أندورا
شربتُ من ماء النيل في مصر وشاهدتُ رقصة الفلمينغو
ومصارعة الثيران في اسبانيا
و رأيتُ أهرامات المايا في المكسيك وأهرامات
الفراعنة في مصر
و تجولتُ في متحف الشموع في لندن و متحف سلفادور
دالي في برشلونة
و حضرت مسرحية بحيرة البجع في موسكو ..
سبحتُ في المحيط الأطلسي والبحر الكاريبي والمتوسط
والأحمر والأسود وبحر البلطيق
أحتضنتُ أشجار النخيل في بالما دا مايوركا
و أفترشتُ الرمال في شواطئ كانكون و باراديرو و
كوستا دارادا و شرم الشيخ ..
تسكعتُ في شوارع برلين وبون ووارسو وفيينا ولندن
وهافانا وموسكو وكييف وأوديسا وفيلنوس
وريغا ولارنكا وصوفيا وأسطنبول وطشقند وسمرقند والقاهرة وبيروت ..
درست في جامعات بيلاروسيا وطشقند وموسكو وتعلمت ثقافات الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم ..
عشتُ في مينسك روسيا البيضاء عشرين عاماً وفي طشقند أوزبكستان سنة واحدة ..
كنتُ في كثير من الأماكن صادقت الطيور والحمائم وعقدتُ صلحاً مع الأزهار والنسائم ..
في أسفاري حكايات تروى وقصص تحكى ومغامرات لا تنتهي وجعبتي مليئة بالذكريات ..
في ذاكرة أيامي نساء كثيرة وروايات كبيرة وأناس من كل الأجناس ..
في كل مكان حللتُ به حملتُ وطني في قلبي وفي نبضي وفي عروق دمي ..
لن أجادل أن وطني في نظري هو أجمل البلدان وأحلى البلدان وأغلى من كل البلدان
ولن أدعي أن كل مكان كنتُ فيه زاد من حنيني للوطن ومن شوقي
فالفرق بين أي بلد زرته و بين الوطن هو كالفرق بين الزوجة و الأم ..
فالزوجة أختارها أرغب بجمالها أحبها أعشقها لكن لا يمكن أن تنسيني أمي
الأم لا أختارها ولكني أجد نفسي ملكها لا أرتاح
إلا في أحضانها ولا أبكي إلا على صدرها
و أرجو من الله ألا أموت إلا على ترابها و تحت قدميها ..
حبك يا وطني شعراً جميلاً لا أجيد كتابته .. حبك
في القلب و في الوجدان ..
حبك أكبر من كل الكلمات أجمل من كل العبارات أحلى من كل الأحلام أغلى من كل الأثمان ..
وعندما قررت أن أعود .. بعد أكثر من عشرون عاماً
من الغربة ..
كان وطني جريحاً حزيناً يذرف الدموع وتنزف منه الدماء
ماذا فعلتم بوطني ؟! أريد وطني كما كان بلد الأمن والأمان ولن أقبل بوطن سواه ..!
هنا ستستقبلك القاعدة...بالجنة واعدة..وجبهة النصرة ... التي تقطع رؤوس الكَفَرة....فأنت وأنا منهم...ولن يغفر لنا سوى إطلاق لحيتنا ولبس الجلابة وحمل المسبحة فإن لم تفعل فأنت كافر...هؤلاء سينسونك الفلامينغو وبحيرة البجع وكل ماشابهها من رقص وشعر وسجع.... تعال يا صديقي لترى بأم عينك مافعلوه بوطنك ووطني هؤلاء الاشرار وهؤلاء الانذال...والمصيبة أن كل هؤلاء لايشعرون بذنبهم وكل طرف منهم يلقي الذنب على الطرف الاخر...هذا ما فعله غباءهم بنا ....فتعال يا صديقي...
إنك تشبهني وأشبهك مع فرقين ..الاول أنني تغرّبت ضعف المدة والثاني هو رجوعي منذ خمس سنوات لأنني قررت أن أموت بين أحضان أمي وترابها وتحت رجليها. فتعال يا صديقي ودعك من مصادقة الطيور والحمائم ومصالحة الازهار والنسائم فهنا ستصادق القنابل وتعاشر الصواعد والنوازل وتصحو في منتصف الليل على أزيز الرصاص والقذائف وتستمع إلى دوي الانفجارات وقصف المدافع وستنسى بحيرة البجع وكل الشواطئ التي سبحت فيها وكل النساء التي مرت عليك...تعال يا صديقي ...ألست براجع ؟؟
ولكني نسيت أن أقول لك ... قبل أن تأتي ...اسمع أغنية فيروز التي أعشقها .........تعا ولا تجي..وكذوب عليّي....الكذبة مش خطيّة....وعدني أنك رح تجي....وتعاااااا ولا تجييي....تعاااا ولا تجيييي.