syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
طفلتي ومدرستها .. والوطن ...بقلم : جواد حمزة

يشغلني وأسرتي هذه الأيام تسجيل ابنتي في المدرسة للعام الدراسي القادم ..
وأجدني غارقاً في تفاصيل كثيرة وعزيزة جداً على قلبي بدءاً مما أرويه لها من مخزون ذاكرتي المشبعة بقصص المدرسة وحتى لون الحقيبة والأقلام والدفاتر والنوم باكراً وماذا ستتعلم من المعلم وحتى كيف (سنبري ) قلم الرصاص ..


لم أكن أعرف قبل هذا روعة أن يعيشَ المرء تجربة الخطوات الأولى لأكبر أبناءه في المدرسة ..
ولم أكن أعرف بأنها ستفجِّرُ في النفس أعذب الألحان وأرقها وإنها ستمدُ يدها إلى عمق الذاكرة لتعبثَ بأقدم الذكريات فيها وأطيبها وأروعها عن يومي الأول في المدرسة قبل سنين عديدة مضت لأستعيده وأعيشه بتفاصيله المملة مع ابنتي كما لو إن الزمن قد عاد بي إلى غيابات الماضي الجميل ..

قبل اليوم بسنوات قليلة كنتُ مصرٌ على أن يكون يومها الأول في المدرسة في سوريا الوطن ..
كنت أود لها أن تخطَّ أولى حروفها على ذات المقاعد الخشبية التي جلسنا عليها يوماً وحفرنا على سطحها بعضاً من أعز الذكريات وأغلاها على القلب ..

كنت أود لها أن تعرف (الطبشور ) وكيف تخربش به على السبورة لترسمَ جبلاً ونهراً وبيتاً .. وخلفهم دائرة كبيرة ساطعة ودافئة هي الشمس .. وفي الأفق سماء صافية زرقاء ..
كنت أود لها أن تختبرَ روعة أن يصبحَ معلمو مدرستها أصدقاءً ودودين في مراحل العمر المتقدمة كحالنا اليومَ مع أساتذتنا الأجلاء .. وصدقاً لا أروعَ من مجالسة معلمٍ كنا قبل سنين طويلة تلاميذاً في صفه ننهل العلم من بين يديه ..

وكنت أود لها أن تدركَ بأن بعضاً من صداقات المدرسة قد تمتد على طول العمر ولايفصم عراها أي طارئ أو رياح تغير أو حتى خريف النفس البشرية .. واليوم بعض من أعز أصدقائي هم ممن جاورتهم يوماً على ذلك المقعد الخشبي وشاركتهم أحلامهم كما شاركوني أمنياتي ..

لكن المشهد اختلف كثيراً عن بضع سنوات مضتْ ..ومايحدث في سوريا الوطن أجهضَ أحلام الكثيرين كما أجهز على أرواح الكثيرين أيضاً وبات ينهش بلارحمة في مستقبل أولادنا كما نهش حاضرنا المزؤوم ..
ورغم هذا أتساءل في بعض السويعات : أنقف هنا مكتوفي الأيدي ..؟ .. أنشارك الأقدار عبثها الأخرق بالوطن وبالمستقبل ..؟

الحياة ستستمر وحتى وإن كانت بغصة .. لذلك تراني مشغولاً بل ومحبوراً بتفاصيل يومها الأول في المدرسة التي ستتعلم فيها ألف باءها الأولى ولن أبدد فرحة يومي هذا بمأساة الوطن الكبرى .. فالمأساة باتت لنا والمستقبل بات لهم ومن حقهم أن يجدوا وطناً يتعلقون به يوماً كما نحن به تعلقنا وحتى اضطررنا و رسمناه لهم على ورقة وبقلم رصاص كما كنا نرسمه نحن بالطبشور على السبورة في يوم من الأيام ..

وعندي ثقة - قد تكون عمياء - بأن سوريا قادرة على أن تجتاز محنتها في يوم ما ليكون لنا في رحابها موعداً جديداً مع المدرسة ..
كما أود وأتمنى وآمل ..

2013-03-02
التعليقات