syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
صانع الطيبة ... بقلم : م فواز بدور

هي الحكمة التي تبقى أبداً عصية على الفهم لأولئك الذين لا يدركون كيف بقيت دارها لآلاف السنين صامدة بوجه الهدم مع تغيير الصانعين واختلاف سوءهم رغم عدم اختلاف أمنياتهم بهدمها


مضى صانع الحلم قبل أن يبني حلم حكمته المزعوم على أنقاض دارها مضى تاركاً حلمه مزرعة للعتّ في الأقبية والأدراج غير مأسوف إلا على الأموال التي بذّرها وأحلام الفقراء البسيطة التي قتلها مضى تاركاً ليده اليمنى نوبة قلبية وليده اليسرى شللاً ولجوقته الإجرامية الخوف من المحاسبة وما كان مفتاح باب السماء وملبي الدعاء لمن خلفه هو ردة الفعل على الشر المتمكن من معظم قلوب البشر فكان المعيار الوحيد لمن يليه هو طيبة القلب لنزع ما خلّفه صانع الحلم ورجالاته من جراحات في القلوب وأشواك في العقول

 

 وجاء صانع آخر مدعياً أو معتقداً أن الطيبة هي أن يكون مكفوف العينين عن رؤية الشر ومكبل اليدين عن محاسبة الفاسدين و لعلّه لم يكن يوماً صانعاً بل خيال صانع أتى بشعارات تقول من أراد أن يسرق أموال الدولة فليسرق ومن أراد أن يرتشي فليرتشي , مسموح لكم فعل كل شيء على أن تصمتوا . . . على أن لا تسيئوا وتشهّروا وأنا معكم ومنكم ولكم لن أرى كل فسادكم ولن أسمع كل صراخ عنه أوعليه سأريحكم ممن كان اليد اليمنى لصانع الحلم ولكن طيبتي ستمنعني من أن أحاسبه و أسجنه سأكتفي بجعله مسؤولاً فقط عن صياغات القرارات وسأكف يد من كان اليد اليسرى لصانع الحلم عن رقاب الناس و سأجعله مسؤولاً فقط عن الموظفين وسأكبل أيادي جوقة إجرام صانع الحلم وأضعهم في مواقع لا تطالكم فيها سياطهم من كان منكم ممنوعاً من الحلم بتربية بقرة لن أمنعه من أن يبني لها حظيرة في أملاك الدولة

 

ومن كان منكم ممنوعاً من الحلم بتربية دجاجة لن أمنعه من تربية الدجاج وكل الحيوانات في الحدائق العامةمن أراد أن يُهرّب فليهرّب ومن أراد أن يسرق أموال الدولة فليسرق ومن أراد أن يسبني فليفعل افعلوا ما يحلو لكم ولأن هذه بيئة هي البيئة المناسبة للتمادي فقد اعتبر كل مسؤول نفسه أميراً وبعضهم لم يقبل إلّا أن يكون ملكاً فأعلن استقلاليته ودفن القوانين العامة وطبق قوانينه الخاصة على ما يحكم أو ما يظن أنّه يمتلك وعاثت الفوضى وانتشر الفساد وقل العمل وتأزمت الأوضاع

 

فتجرأ صانعنا ودعا إلى اجتماع وطلب من المجتمعين القلة الذين حضروا نصحه لإعادة هيبة الدولة وفرض قوانينها على الجميع وكان أغلبهم من الصف الثاني أو الثالث حيث أن رجالات الصف الأول مشغلون بممالكهم وإماراتهم فأحسن المجتمعين نصحه بضرورة أن يعيد إحكام قبضته على كل المديريات وتغيير كل المسؤولين الذين تعدّوا حدودهم وتجاوزوا صلاحياتهم ولأنه يدرك أنه أضعف من أن يتخذ هكذا خطوة بعد أن فقد زمام المبادرة طلب رأياً آخر فنصحه أحدهم بزيارة دار الحكمة علّها تعطيه توصيفاً للحالة وحلاً لها وهذا ما كان فدخل دار الحكمة مثنياً على عراقتها وأصالتها وقدرتها على الصمود بوجه كل هؤلاء الصانعين الذين ما كان لهم من همّ إلّا هدمها واستقبل بالطريقة المعتادة وطُلب منه تعبئة الاستمارة الخاصة بالدار وقام بإملائها وكتب في حقل نوع الخدمة المطلوبة "إعادة هيبة الدولة وفرض قوانينها "

 

وبعد انتهائه من الكتابة وضع الاستمارة في الجهاز المخصص كما طُلب منه وانتظر في الحديقة معجباً بتناغم ورودها ونضارة ألوانها ولم يدم انتظاره طويلاً حتى جاءته ورقة مطبوعة كتب في منتصفها العبارة " هل في قلبك وطن " وفي أسفلها عبارة بخط صغير تقول عُدْ بعد يومين لاستلام الطريقة المناسبة لحل أزمتك إن استطعت أن تقف في وجه مخطط هدم دار الحكمة وأمضى ساعاتٍ من يومه وهو يضع الورقة على الطاولة ويمسك رأسه بيديه و يعصره ويقول بأسى نعم في قلبي وطن ,نعم رغم ضعفي وعدم قدرتي على القيام بأعباء هذه المسؤولية إلا أن قلبي لم يخل يوماً من الوطن

 

وهنا انتبه إلى العبارة الثانية وقرأ بصوت عالٍ "إن استطعت أن تقف في وجه مخطط هدم دار الحكمة " فطلب مدير مكتبه وسأله بتوتر واضح في الصوت والتصرفات إن كان يعلم شيئاً بخصوص دار الحكمة فقال له لقد وافقت سيادتك على مذكرة هدم دار الحكمة فقال له أحضرها حالاً فأجابه أنه أرسلها للتنفيذ فقال له اتصل بمدير التنفيذ حالاً واطلب منه أن يوقف تنفيذ الأمر ويأتي إلي حالاً فعاد بعد عدة دقائق ليقول له إن مدير التنفيذ قال أنه أعطى أوامره للآليات للبدء بهدم دار الحكمة بناء على مذكرة سيادتكم وهو مشغول حالياً ولا يستطيع القدوم كما طلبتم

 

 فوقف وهو يقول اكتب كتاباً بإلغاء القرار القاضي بهدم دار الحكمة وتوقيف تنفيذ هذا الهدم وأحضره إلى دار الحكمة لأوقعه وخرج مسرعاً وطلب من سائقه الإسراع وتجاوز كل الإشارات الضوئية وحدود السرعة وعلى طريقة الأفلام الهندية في الوصول في اللحظة الأخيرة لإنقاذ البطل من الكارثة المحتومة فقد وصل بعد انتهاء الآليات من هدم السور الخارجي للدار من جهة المدخل وطمر بعض الورود والأشجار من الحديقة بمخلفات الهدم وكأي جندي مقاتل جسور وقف أمام التركس الذي كان يتوجه لهدم الدار وطلب من سائقه بلهجة آمرة واثقة التوقف عن العمل وتوقف السائق وهو يسب ويشتم مبدياً امتعاضه من توقيفه بهذه الطريقة فأمامه عمل كثير وإذا ما تم تعطيله فسوف يتأخر في إنهاء العمل الذي طلب منه عدم الذهاب إلى المنزل قبل إنهائه ولما عرّفه بنفسه بعد توقف هدير التركس اعتذر السائق قائلاً العبارة المعتادة " عفواً اللي ما بيعرفك بيجهلك "

 

 فرح كثيراً بأنه استطاع توقيف هدم دار الحكمة وأمر بإعادة ترميم السور الخارجي وإعادة زراعة الورود والأشجار التي تم تخريبها وعاد بعد يومين ومر من جانب الردميات والآليات المتوقفة ودخل الدار وسأل الرجل الوحيد فيها عن وجود أي شيء بخصوصه فقال له نعم هناك مغلفاً تُرك لك أخذ المغلف وغادر وهو يفتحه وفتح له السائق باب سيارته وجلس في المقعد الخلفي فوجد في المغلف ثلاث ورقات مطوياتٍ فتح الأولى وقرأ فيها "

 

إن الطيبة التي تكبل هي جبن , ولا خير في شرف لا يحدث فرقاً "فتح الثانية وقرأ فيها "إن المناسب هو المناسب في القياس قبل أن يكون المناسب في الألوان و قبل البحث عن الألوان المناسبة لثيابنا علينا أن نبحث عن المقاس المناسب "فتح الثالثة وقرأ فيه" إذا لم تستطع وأنت تعرف أنّك لا تستطيع ,

 

 فابتعد "وما بقي من كلام . . . إلا عن الصانع في هذه الأيام . . . وهو ربما صانع السلام ! . . . أو صانع الكلام ! . . . أو صانع الإعلام ! فإن تجرأتُ . . . وإن استطعتُ . . . فانتظروني . . . وإلّا فاعذروني . . . والسلام .

2013-03-27
التعليقات
م فواز بدور
2013-03-30 21:16:31
الشكر لكل الاصدقاء
الشكر لكل الأصدقاء الذين علقوا على الموضوع ولا أظن أن المشكلة بشخص حتى لو كان المحافظ ولو أنّ كل منّا قد بدأ بذاته وغلب وطنيته على أنانيته ودائرته الضيقة لتمكنا من تجاوز الأزمة

سوريا
م فواز بدور
2013-03-30 21:08:24
الشكر للاستاذ ماجد جاغوب
شكرا لك استاذ ماجد جاغوب الرائع وكما قلت لكل أمة تجربتها الحضارية التي بنتها عبر آلاف السنين وهذه لا يمكن نقلها من شعب إلى آخر

سوريا
قلبي عالبلد
2013-03-29 22:56:53
نرجو من السيد الرئيس أن يستمع لكلام الشعب وليس لكلام المسؤوليين
للأسف إن ما تمر به بلادنا كان لبعض أبنائه دور كبير في تأزيمه لا سيما بعض المسؤولين مثل اياد غزال وللاسف لم يكن وحده كان هناك رجال يساعدونه وقد تم تغيير أكثر من محافظ بعده ووللأسف لم تكن القيادة موفقة في اختياراتها ويبدو للاسف أنها لا تسمع إلا ما يقوله لها المحافظ الجديد الذي ينتهج نفس اسلوب اياد غزال سواء في اعتماده على نفس الأشخاص أو نزعته الاعلاميه والمظاهر الكذابة وحتى من حيث المحيطين به الذين ينتقيهم من أسوء الناس وتغاضيه عن فضائحهم وسرقاتهم وحتى سمسراتهم بملف المخطوفين والتوظيف

سوريا
موظف
2013-03-28 22:57:51
الشعب السوري لا يستحق الحرية
لقد أثبت الشعب السوري أنه لا يستحق الحرية ولا يفهم الديمقراطية قد كان غسان عبد العال محافظاً جيداً وأنا كنت على احتكاك معه عن قرب ولكن من أين سيأتي بأناس شرفاء وقد حاول تغيير كل الفاسدين الذين اكتشف فسادهم ولكنه لم يجد من هم أفضل منهم الا يكفي أنه لم يكن استعراضياً ومنافقاً وصدقوني سنبكي ألماً على أيامه التي تنتقدونها بكتاباتكم

سوريا
حمصي مقهور
2013-03-28 22:29:09
من فاسد إلى افسد
حقيقة ما يجري في حمص يحز في النفس فالفاسدين يسيدون ويميدون ويتأقلمون مع كل المتغيرات وكلما قلنا أن هناك أمل بعد تغيير المحافظ يأتيني المحافظ الجديد بمن هم افسد ممن كانوا أو يعيد فاسدين قديمين فإلى متى وللأسف هذه المرحلة أسوء من سابقتها فالمحافظ الجديد لم يكتفي بأن أعاد الفاسدين القديمين بل أحضر معه فاسدين جدد وكلفهم بملفات المصالحة الوطنية وحتى بعد تبين فضائحهم الأخلاقية ودعم المسلحين إلا أن المحافظ صرح وبشكل واضح أن قرار من عينه مستشاراً له هو من قرار المحافظ والله يعينك يا بلد

سوريا
حيالله
2013-03-28 10:54:11
رح تتجرأ تكتب عن المحافظ الحالي ؟
الله يرحم ايامك يا أياد غزال عم نتذكرها منيح وأكيد حضرتك قصدت بإيدو اليمين جلال فاخوري وإيدو اليسار محمود النقري بس وين باقي أفراد العصابة عامر خليل ونضال العلي والمريجاوي وخليل جديد والكتيرين وما في أسهل من الحكي عن المحافظين السابقين فرح تتجرأ وتكتب عن المحافظ الحالي أحمد منير محمد يلي رجع كل شلة اياد غزال

سوريا
ماجد جاغوب
2013-03-28 06:59:00
المهجر والهجره المعنويه
المهجر والهجره المعنويه /من الهجر اي ترك الوطن الى الغربه والمشكلة ان الفراغ يمكن شغله باي شيء وهناك من يكرر اعجابه بنماذج قياديه او امم اخرى وينسى ان لكل امة خصائصها وخصوصياتها وتراثها وتاريخها وحضارتها ولن نصبح مثلهم حتى لو هاجرنا لبلدانهم وعشنا في زوايا متقوقعين على انفسنا ونبقى لا نجيد لغتهم وعند عودتنا الى اوطاننا للزياره او بسبب الطرد او الفشل لانترك اي وسيلة للتفاخر على ابناء وطننا ولا يعودوا قادرين على استيعابنا وتحمل سخافاتنا ولا نحن في الاصل استطعنا التاقلم والاندماج والتعايش في المهجر

الإمارات
حمصي
2013-03-27 20:14:52
ايام غسان عبد العال
ايامك يا عبد العال من كان منكم ممنوعاً من الحلم بتربية بقرة لن أمنعه من أن يبني لها حظيرة في أملاك الدولة ومن كان منكم ممنوعاً من الحلم بتربية دجاجة لن أمنعه من تربية الدجاج وكل الحيوانات في الحدائق العامةمن أراد أن يُهرّب فليهرّب ومن أراد أن يسرق أموال الدولة فليسرق فهل لك أن تقول لنا عن حالنا الآن التي عادت أسوء من أيام اياد غزال

سوريا