كان لاحد الفلاحين حقل جميل بتنوع اشجاره وكثرة زهوره
كان هذا الحقل هو كل شيئ بالنسبة لصاحبه
يتجول فيه
يتأمله
فتمتلئ عونه بالدموع ويحمد ربه على نعمته
في احد الاعوام اشتد الحر
فيبس الحقل و اشتعلت النيران في ارجائه
لم يستطع الفلاح السيطرة على النيران
و امسى ينظر الى
حقله بذهول
فهذا الحقل اللذي كان آية من آيات الجمال و العطاء و الحياة لم يعد يحتضن في ارجائه سوى الموت
بعد ان افاق الفلاح من غيبوبته قرر ان يعيد بناء جنته الصغيرة مهما كلف الامر
و بدا بالعمل لم يكن يشعر بالتعب
فهو يحب حقله و يريد ان يسترد له عافيته
ونجح في ذلك
لكن وبعد عدة اعوام عاد الحر الشديد فخاف الفلاح و بدا قلبه يعتصر بالالم للذكرى الاليمة اللتي مرت عليه
خفق قلبه بشدة متنبئا بتكرار ما حدث
حاول تجنب المأساة لكنه لم ينجح النجاح اللذي كان يريد
كان يطفئ النار بالماء
جلس مستسلماً يتأمل الجانب المحروق من حقله
لمعت اشعة الشمس
وهي تهم بالغروب على ما تبقى من ماء مسكوب
فلمعت معها فكرة رسمت على شفاهه المتعبة شبه ابتسامة
وهم منذ الصباح الاول يخط ويحفر اقنية على طول الحقل و عرضه
ثم بدا بحفر عدة ابار
لقد قرر ان لا يترك الماء تجف ابدا
فقد راى وهو يطفئ النيران ان كل شئ معرض للحرائق الا الماء
قرر ان يقي حقله من النيران بأن يملاؤه ما استطاع بالماء
ان لا ينتظر حريقا جديدا بل ان بزيد كمية المياه منذ بداية فصل الصيف
وما كان لجنته الا ان يزداد خيرها واخضرارها
كان مؤمنا انه لابد ان يحافظ على حقله
وكان له ما اراد
نجاحه في عمله غمره بسعادة فائقة
ازداد ايمانه ان لاشيئ مستحيل
فباشر بالدعاء
اخذ يناجي ربه قائلا
الشكر لك يا رب
لقد تحققت امنيتي وانقذت حقلي اخيرا مع ان الخراب كان كبيرا
ومنذ ذلك الحين بقيت جنته مزدهرة على مدار العام
لم يعد يخاف من كارثة مشابهة ابدا
فهو فقط ليعمل بجد على الوقاية منها في الموعد المناسب
كانت هذه حكايتي
اني اومن كما يؤمن هذا الفلاح ان لا شيئ مستحيل
ليس من المستحيل ان تسترد بلادنا عافيتها
بل قد تصبح كالجنة ايضا
كل شيئ سيعود الى احلى مما كان عليه
لكن قبل كل شئ يجب ان نطفئ نيران الروح
ان تعود المياه الى النفوس الجافة
ليحيى الانسان القادر على البناء
لا شئ كالكلمة الطيبة يبلسم الجروح
فجروح الروح لا يعرفها الا المجروح
وفي ظروف كهذه كثرة الشهداء تركت في كل بيت جرحا ودموعا لا تجف
لا شيئ يعيد الشهيد حيا الى امه و اهله
لا شيئ يعيد للمنكوب هدوءه وطبيعته
لكن الكلمة الطيبة تهدئ النفوس
في ظروف كهذه لم يعد هناك مكان للخلافات الصغيرة
لكنها ربما تعود بعد هدوء الاوضاع
والوقاية بكلمة طيبة جارية كالماء كفيل بمنعها من العودة
لتعود اواصر الرحمة والمحبة دون ان تترك مكانا للمشاحنات
دون ان تترك اي فرصة لمن يريد العبث بامن وسلامة البلاد
هذا طبعا للسوريين الغيورين على وطنهم وارضهم
و ليس للارهابيين اوالمحاربين الدخلاء من بلدان اخرى
الكلمة هي وسيلة التواصل بين البشر
هي اللتي تجعلهم يغضبون و يفرحون يحزنون و يسعدون
فلو ان كل انسان ينتقي من كلامه فقط ما هو طيب و يؤجل غضبه الى حين
فهو بذلك يكافئ الاخيار و يطفئ نار النفوس السيئة بمياه هدوئه
و بعد حين سوف يفتر غضبه فياتي رده هادئا مقنعاً
انا متأكدة من سلامة الفكرة و صحتها
ان نجح احد ما بالتطبيق سوف يصاب الكثيرون بالعدوى
تذكرت الان الاية القائلة :
"ادفع باللتي هي احسن فاذا اللذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم "
كم اتمنى ان يذكر هذه الاية كل من يظهر على فضائياتنا العربية
ما احوجنا في ظروف كهذه
و في حاجتنا الحقيقية الى الحوار الى اسلوب سليم للحوار
انني وانا اشاهد الفضائيات العربية الاحظ كثرة المعارك الكلامية اللتي لا تخلو من بذاءة الالفاظ
عندما يفتقر احد ما الى الحجة و المنطق
لا يجد اي وسيلة سوى الصراخ والحط من قيمة الاخر
ان كان فعلا لدى احدهم جواهر حقيقية من البديهي ان يكون حريصا عليها
يعاملها باحترام و يقدمها باحترام
ان كان لديه جواهر حقيقية سوف تلمع دون صراخ
ولا يمكن لعاقل ان يقتنع بوجود حقيقة ملوثة
فالحقيقة نظيفة دوما
نقية دوما
هادئة دوما
الحقيقة شيئ جميل ينتشر كالعطر و يقبله الجميع
الحقيقة لا تحتاج الى العنف حتى تظهر
ان كان الخط الحسن يزيد الحق وضوحا
ان الصوت الحسن واسلوب الكلام الحسن
العرض الحسن للفكرة يزيد الحق سطوعا و تالقا
و هذا ما جعلني مؤخرا اتابع احد المقابلات حتى النهاية
رغم ان موضوع المقابلة لم يكن البتة من اهتماماتي لا القريبة ولا البعيدة
لا حل في رأي لمعارك الحوار الا شيئ واحد
هو ان يشترط من بدء المقابلة استبعاد كل من يخرج عن طوره مباشرة
فهذا اقل شيئ يليق بنا كبشر
هذا يحفظ للكل حقهم في حوار هادئ
فالحوار هو تبادل مستمر لافكار
بهدف التعاون للوصول الى افضل ما يمكن الوصول اليه
كي يحيى الانسان حياة كريمة لائقة بانسانيته
حمى الله لكل انسان بلاده
وحمى الله بلادي
شكرا على هذه المشاركة الرائعة.
ما يخرج من القلب يدخل القلب الأخر دون استئذان . بارك الله بك وبما خطه يراعك من براعة التوضيح وسلاسة التصريح . والحل سيدتي كما تفضلتي تماما وأنا معك 100% . شكرا لأنسانيتك التي باتت نادرة هذه الأيام