كلما أودعت طفلي الذي أبصر الحياة من عينيه الزرقاوين في حضانته وكلما استقبلته مشرفته  بحنان ...حب وعطف وهو يبدأ خطواته الأولى إلى داخل المبنى حتى دون أن يودعني في بعض الأحيان ليختلط ببقية الأطفال وليشاركهم نشاطاته اليومية وكأنه يخطو بذات الثقة نحو مستقبله ... زاد إيماني ...

أن هذه الألفة التي أرى ثمارها مابين طفلي وحضانته ... مابين كل الأطفال وهذا المكان لابد من وجود من يرسخها ويعمل لأجلها لتظهر نتائجها ملموسة ولتشعرني وغيري من الأمهات  بالاطمئنان ولتترك لي حيزا من الرضا لأبدأ يومي وأنا أخدم هذا الوطن الغالي في مضمار آخر...

 وكلما توجهت إلى عملي بذات العزيمة وذات الإيمان أرى أحد عمال النظافة وهو يدفع عربته الثقيلة ويعمل بصمت وبجد غير آبه لا بالطقس ولا بما يحيط به من متغيرات ...إنه يكرس قواه بل كل قواه لعمله مبتسماً لي أتأكد أننا بخير مادام بيننا من هو مثله ....

أدرك أن في هذا الوطن الكثير من الشرفاء الذين يقومون بأداء واجبهم بصمت وباقتدار وبحرفية عالية دون أن يخضعوا لدورات تدريبية في أساليب الأداء ولا أن يصقلوا مواهبهم بتعلم مبادئ الإدارة الفاعلة ...

إنهم يتواصلون مع الآخرين دون أن يتدربوا على مهارات الاتصال وهم مستمعين فعالين لنا دون أن نتكلم ....

إنهم يعملون دون أن ينتظروا مقابلا سخياً يعطون بيد ويعطون أيضا باليد الأخرى.. يقومون بواجبهم بصمت يخفون ورائه رضا وقناعة ويزرعون بقلوبنا الاطمئنان بدون أن ينتظروا مكسبا لهم ...

إنهم أغنى من الكثير من الأثرياء الذين يمتلكون أغلى العقارات ويرتادون أحدث السيارات ....

هؤلاء الشرفاء الذين لا يرتادون المطاعم الفخمة ولا يرتدون الملابس الحديثة...

هؤلاء العظماء الذين لا ينتظرون أن يظهروا على صفحات الصحف وشاشات التلفزيون مكرمين ....

هؤلاء الأقوياء الذين لا يعرفون تعبا ولا تزاح لهم الكراسي في المحافل ولا تقدم لهم أكواب الماء البارد تحت أشعة الشمس الحارة ولا تطبع لهم الأوراق ملونة بخط كبير ولا يعرفون الطائرة إلا وهي في السماء ....

إنهم أبناء هذا الوطن الغالي الذين يجب أن نعتز بهم .....أن نكرمهم ......أكتب لهم لعيونهم المتعبة ...لعروق أيديهم.... لخشونة أكفهم ...لشرف عقولهم  ولبلاغة سلوكهم لقطرات العرق على جبينهم .... لتلك الإيجابية التي تتركز بهم

شكراً لهؤلاء العظماء الذين مازلنا نتعلم منهم ....