2015-04-05 23:15:50
مأزقٌ عبثيّ... والخراب... صحيفة السفير اللبنانية

سمير العيطة

سقطت مدينة إدلب بيد «جبهة النصرة» وحلفائها في «جيش الفتح» ودخل تنظيم «داعش» إلى مخيّم اليرموك في ضاحية العاصمة دمشق وتمّ إغلاق المعبر مع الأردن، وغير ذلك من الأحداث العسكريّة المتسارعة. وماذا بعد؟ هذه التطوّرات كلّها إذا دلّت على شيء فإنّها تدلّ أوّلاً وأساساً على فشل استراتيجيّة السلطة القائمة وفشـل حلفائها في الحرب... كما في السياسة.


 

 

كانت السلطة قد استعادت زمام المبادرة العسكريّة في أكثر من منطقة، مستفيدة من مناخ إقليميّ ودوليّ مناهض للإرهاب والتنظيمات المتطرّفة، وأجرت هُدنات أسمتها «مصالحات» في مناطق حاصرتها وأجاعت سكّانها طويلاً. حصلت تلك «المصالحات» على نوعٍ من القبول الشعبيّ النسبيّ، برغم وحشيّة القصف بالبراميل والتجويع واستهداف المدنيين للوصول إليها. البشر المعنيّون لم يعودوا قادرين على تحمّل استمرار المعاناة وذلّ التهجير وأرادوا الخلاص بأيّ ثمن. في المقابل، فقدت المعارضة السياسيّة من مصداقيّتها شعبيّاً وإقليميّاً لعجزها عن توحيد كلمتها وتأكيد استقلاليّتها عن التجاذبات الإقليميّة وطرح خطاب سياسيّ عقلانيّ وإدارة شؤون المواطنين بالحدّ الأدنى برغم كلّ الدعم الذي حصلت عليه في الفترة السابقة.

لقد فشل الجميع. فشِلَت السلطة في الاستفادة من هذه الفرصة في خلق ديناميّة جديدة لصالحها. وارتكبت ذات الخطأ الذي ارتكبته قوى معارضة رئيسيّة عند الارتماء في حضن تحالفٍ إقليميّ بدل المراهنة على كسب التأييد الشعبيّ الذي سيُعطيها النصر في النهاية. واعتقدت أنّ التوجّه إلى «رأي عام» عبر المحطات الفضائيّة بخطابٍ تغيب عنه المصداقيّة، يُمكن أن يكون بديلاً عن العمل على الصعيد الشعبيّ.

هكذا تدهور المناخ الذي كان إيجابيّاً نوعاً ما حول «المصالحات» وانهارت خطّة «تجميد الصراع في حلب» التي أطلقها مبعوث الأمين العامّ للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا. لم تفِ السلطة بالالتزامات التي تعهّدت بها في «المصالحات»، ولم تطلق سراح المعتقلين ولم توصل الغذاء، كما تفرضه عليها قرارات أمميّة وافق عليها حتّى من يحسبون حلفاءها مثل روسيا والصين. ولم تترك السلطة مفرّاً لمن تحاصرهم سوى الاستسلام الكامل لبطشها، أو الاستنجاد بالتنظيمات المتطرّفة نكاية بها، و «عليّ وعلى أعدائي»...

لقد سجنت السلطة نفسها ضمن المنطق الثنائيّ الذي أعلنته منذ اليوم الأوّل، إمّا أنا أو الإرهاب. وذهبت إلى اللقاء الذي دعت إليه موسكو للتشاور فارغة اليدين، من دون أن تقدّم شيئاً حتّى تجاه من تقول عنهم أنّهم معارضة «معتدلة» أو «وطنيّة»، ولم تُعلن قبولها حتّى آليّات تُثبِت صدق نيّتها في الذهاب إلى التفاوض نحو حلّ سياسيّ للصراع. وها هي تتلاعب باستحقاق اللقاء التشاوري الثاني الأسبوع القادم من دون أن تقدّم سوى إطلاق سراح حوالى 700 معتقلٍ من بين عشرات الآلاف، من دون أسماء، وفي ظروفٍ لا تخلو من الحدّ الأدنى من الإنسانيّة فحسب، بل من الحكمة كي يكون لهذه الخطوة أيّ مغزى سياسيّ.

هكذا، خسرت السلطة أيّ إمكانيّة لفتح سبيلٍ للتفاوض معها من قبل القاعدة الشعبيّة للمعارضة كما خسرت أمام الرأي العام، بل خسرت أيضاً رصيدها في الشارع «الموالي» الذي لا تقدّم له شيئا سوى الحرب وتضحيّات عبثيّة مجانيّة. لقد نسيت أو تناست أنّ أهمّ وسيلة للوقوف ضدّ التطرّف والإرهاب هي الحاضنة الشعبيّة التي لا تزال تملك قدرة الضغط على كلّ من حمل السلاح، وتحتفظ بكلّ إمكانيّات مدّ اليد للآخر.

تعرف السلطة جيّداً أنّ المعادلات الإقليميّة والدوليّة تتّجه وجهة جديدة بعد الاتفاق النوويّ الإيرانيّ و «عاصفة الحزم»، وأنّ الفرصة لحلّ سياسيّ مع استمرار وجودها في مرحلة انتقاليّة بدأت تتقلّص، لا لشيء بل لأنّها تُثبت يوماً بعد يوم أنّها غير قادرة على الانخراط في ذلك الحلّ. كما تُدرك جيّداً أن لا عودة إلى الوراء.. وأنّ تمنّعها لا يعني قوّتها، وإنّما المزيد من الخراب العبثيّ.


copy rights © syria-news 2010