في الماضي، كانت النظرية تقول إن الفتاة في حال اجتيازها سن الرابعة والعشرين تصبح عانساً، أما الرجل وحتى في حال تخطيه الأربعين لا تطلق عليه هذه الصفة.

لكن في عصرنا الحالي تغيّرت الموازين وصعبت فرص الزواج أمام الشاب كلما تقدم في السن. إلا أن أسباب تأخر الشباب في الزواج أضحت كثيرة، منها الوضع الاقتصادي المرير، الاحباط من تجارب سابقة فاشلة، الفروق الاجتماعية والطبقية، التحصيل العلمي العالي الذي يقف عائقاً في الكثير من الحالات ومتطلبات الزواج الباهظة الثمن...

ميشال (48 سنة) يعتبر أن القطار فاته، وان الحياة لم تنصفه في عدم ملاقاة نصفه الآخر حتى اليوم. ويقول ان اندلاع الحرب اللبنانية كان السبب في تأخر زواجه حتى اليوم. «شاركت في الحرب وحملت السلاح دفاعاً عن قناعاتي»، لكن ميشال غرق في وحول الحرب حتى أخمص قدميه، وانغمس فيها. وحين انتهت، شعر بالاحباط، لأنَّ ما حارب من أجله لم يتغير بل زاد سوءاً. بعد ذلك توفي والده ما حمله مهمة جديدة وهي عبء مسؤولية عائلة بأكملها. كل تلك الظروف وغيرها منعته من دخول القفص الذهبي «وكيف أتـزوَّج وانا على عاتقي، مسؤوليات كثيرة، ثم من سيقبل بي بعدما أكل الدهر علي وشرب؟!».

تلعب العادات والتقاليد والظروف الحياتية أحياناً دوراً مهماً في قلب المعادلات. ففكرة الزواج من أجنبية مثلاً، لم تلقَ الاقبال في مجتمعاتنا العربية حتى اليوم، على رغم قدرة الفتاة الغربية على الاندماج في المجتمع وتقبل عاداته، الا ان الظروف والاسباب التي منعت ميشال وجمال من الزواج، ليست نفسها عند بسام (44 سنة). فهو عامل في أحد المعامل البيروتية، يتقاضى الحد الادنى للأجور. وعلى رغم حبه للعائلة والاستقرار، جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه. ويقول بسام انه كان على علاقة مع فتاة، وكانت الامور جيدة بينهما، الى أن بدأت تطالبه بالتقدم لخطبتها ومن ثم الزواج بها، ما دفعه الى مضاعفة جهده في العمل. ويضيف بسام: «مصاريف الزواج كثيرة ومتعبة، من منزل وأثاث، ومهر وعرس وجهاز. وانا لا أملك المال الكافي لكل تلك الامور، وأجري الشهري الزهيد لا يسمن ولا يغني من جوع». الضائقة المالية التي مر بها بسام ومنعته من الزواج هي انعكاس للوضع الاقتصادي المزري في البلد.

الا أن دوافع عبد ( 56 سنة) التي تمنعه من الزواج فعجيبة غريبة. فهو لا يرى انه قادر على الالتزام بعلاقة واحدة، وروحه المرحة وحبه لجنس حواء يجعلانه غير قادر على مقاومة أي أنثى. لذا يعيش ويتنقل من فتاة الى أخرى. ويقول عبد: «أشعر ان الزواج سيحد من حريتي، ويلقي علي الكثير من المسؤوليات، كما انني لست من النوع الذي يحب الاولاد والضجة والبكاء. لذا قررت عدم الزواج، على رغم ان هذا الامر أزعج عائلتي، وسبب لي الكثير من الانتقادات. الا اني راض بما انا عليه ولست نادماً». ويتابع عبد ان الخوف من تحمل المسؤولية دفعه الى عيش الحياة كما يحلو له، من دون ان يفكر انه يجب عليه العودة الى المنزل باكراً لأن الزوجة والاولاد ينتظرونه.

وكما تتعرض الانثى للكثير من التعليقات والانتقادات في حال أصبحت عانساً، بات الرجل يشاركها هذا الهم. فمحيط الشاب الاجتماعي يحاصره بالأسئلة والشك حول أسباب امتناعه عن الزواج وإن كان ذلك بسبب مشكلة ما في رجولته. وللعنوسة عند الشاب، سلبيات عدة اهمها عدم استمرار اسم العائلة بحسب المجتمعات التقليدية، الشعور بالوحدة.

وقد يكون لها ايجابية وحيدة وهي الحد من ارتفاع معدل الولادات بخاصة واننا مجتمعات معروفة بكثرة الولادات! ومن اشهر «عوانس» التاريخ، المغني جاك بريل والموسيقي الشهير تشايكوفسكي. وتجدر الاشارة الى ان معدل الزواج عند الشباب في لبنان اصبح 32 سنة وفق دراسة حديثة لوزارة الشؤون الاجتماعية.

دار الحياة