قد يكون «الجمال» في العالم مكلف, إلا انه في الوطن العربي الأكثر تكلفة.
فالخليجيات تفوقن على الأوروبيات والأميركيات في الصرف على مستحضرات التجميل, حيث
بلغ الانفاق السنوي في هذا القطاع ارقاماً قياسية تجاوزت الملياري دولار أميركي.
ماذا أيضاً في «أرقام الجمال
والتجميل»؟
ليس مستغربا ان تنفق المرأة
العربية مليارات الدولارات على مساحيق التجميل والعطور والعمليات التجميلية ليبقى
الرجال اسير جمالهن «المصطنع».
واذا كانت الجراحة التجميلة قد تمكنت من نفخ الصدور والشفاه والوجنات وما عداها,
ومن بسط التجاعيد في الوجه وبقية انحاء الجسد, وترميم الانوف والآذان, فإن المساحيق
التجميلية واشكال التبرج تعتبر مظهرا من مظاهر عمليات التجميل غير الجراحية التي
استوحتها المرأة منذ زمن بعيد.
وليس خافيا ان انتشار الفضائيات وظهور النساء الجميلات والممشوقات القامة العامل
الاساس لجري النساء وراء هذه العمليات إما لزيادة جمالهن أو للتشبه بالفنانات, بعد
ان اصبح الخضوع لهذه العمليات امرا مقبولا وطبيعيا في مجتمعاتنا وخصوصا الخليجية
منها, الى درجة ان جراح التجميل الذي اصبحت مهنته تدر الكثير من الربح, يجري
عمليتين على الاقل يوميا.
لم تمنع تقاليد المجتمع الخليجي التي تفرض بعض القيود على المرأة من الاسراف على
مواد الزينة وعمليات التجميل, وما ساعد على ذلك الدخل المرتفع للمواطن في دول مجلس
التعاون الخليجي.
فالمجتمع الخليجي التي تحظر عاداته وتقاليده المحافظة على المرأة أن تظهر متبرجة
بكامل زينتها وأناقتها, لم يمنع نساءه من أن يكونوا أكثر نساء العالم إنفاقاً على
مستحضرات التجميل, بدليل أن سوق مستحضرات التجميل في دول الخليج تستقطب اهتماماً
واسعاً من الشركات العالمية الرائدة, وتعتبر واحدة من أكبر الأسواق في العالم من
حيث حجم الإنفاق الذي يقدر بحوالى 1.7 مليار دولار سنوياً.
وعلى الرغم من أن معظم النساء الخليجيات عادة لا يخرجن من بيوتهن إلا وهن متوشحات
بالسواد إلا أن الإحصاءا ت تشير إلى أنهن ينفقن اكثر من 2 مليار دولار سنويا على
منتوجات التجميل والصحة, وغالبيتهن تقل أعمارهن عن 25 عاما.
ولكن اللافت في هذه المسألة كون الخليجيات ينحصر إنفاقهن على مستحضرات التجميل
والعطور في زينة ما يكشفن, أي العينين والأظفار, بالإضافة إلى الرغبة في إخفاء بعض
عيوب الوجه وتجاعيده, على اعتبار أن غالبية نساء الخليج يرتدين عند خروجهن الحجاب
من الرأس إلى أخمص القدمين. ورغم ذلك فإن معارض التجميل العالمية التي تقام في
الدول الخليجية تستقطب بشكل لافت النساء الخليجيات, مما يؤدي الى زيادة عدد
العارضين حيث تعتبر صناعة مستحضرات التجميل من أكثر الصناعات التي تشهد معدلات نمو
مرتفعة في المنطقة نظراً لتزايد طلب المستهلكين على أحدث أنواع مستحضرات التجميل
والعناية بالجسم. وقد حقق سوق مستحضرات التجميل والعناية بالجمال في منطقة الشرق
الاوسط زيادة كبيرة تصل إلى 300 % خلال الأعوام الثلاثة الماضية, بعد تزايد اهتمام
الرجال والنساء على حد سواء وشغفهم بمنتوجات العناية بالصحة ومستحضرات التجميل.
وانتشرت عمليات التجميل بين الجنسين في الآونة الاخيرة بصورة كثيفة في العالم
العربي عموما والسعودية خصوصا حيث شهدت عيادات التجميل ومراكزه في السعودية اقبالا
متزايدا من النساء والرجال ومن مختلف الفئات العمرية لاجراء جراحات التجميل.
ويعزو البعض انتشار عمليات التجميل بين الجنسين الى زيادة الوعي والثقافة الخاصة
بهذه العمليات والتركيز الاعلامي المتنامي بموضوعات التجميل التي تتمثل في زراعة
الشعر الطبيعي وشفط الدهون للرجال, فيما تعتبر عمليات شفط الدهون وتكبير الصدر
وتجميل الانف والشفاه من أكثر العمليات التي تجرى للنساء.
وتعتبر الفئات العمرية الشبابية هي الاكثر اقبالا على اجراء عمليات التجميل, رغم
تحذيرات الاطباء بعدم اجراء عمليات لمن تقل اعمارهم عن 17 سنة. ويميل الشباب دائما
الى اجراء عمليات تجميل الانف والشفاه والخدود وشفط الدهون وزراعة الشعر وتكبير او
تصغير الصدر وتفتيح البشرة, فيما يميل كبار السن الى عمليات ازالة التجاعيد من
الوجه.
هذا في السعودية وفي الدول الخليجية عموما, أما في باقي الدول العربية فتتميز مصر
بإنفاق نسائها على مستحضرات التجميل حيث اكدت دراسة ان النساء في مصر يكلفن ازواجهن
حوالى 3 مليارات جنيه مصري سنويا.
وكذلك تشهد جراحة التجميل في مصر التي بدأت في العام 1984, وازدادت شيوعا أواخر
الثمانينيات وأوائل التسعينيات, ازدهارا وإقبالا مع انتشار الأطباق اللاقطة وما
تعرضه شاشات الفضائيات من صور لحسناوات ممشوقات القوام وفيديو كليبات لمغنيات
عربيات تغيرت معالمهن كليا بسبب عمليات التجميل, الأمر الذي شجع طبقة معينة من
النساء والفتيات على التشبه بهن. ورغم التكاليف الباهظة لعمليات التجميل بين 300
و3000 جنيه وفقا للطبيب وأهليته وشهرته, فإن الاقبال على هذه العمليات تزداد
نسبته يوما بعد يوم, خصوصا الإقبال على تصغير الصدر الذي يشكل نحو 50% من إجمالي
العمليات, علما ان عدد الجراحين التجميليين ناهز الـ 250 طبيبا يقوم كل منهم بزهاء
100 عملية في السنة.
النساء الخليجيات والعربيات عموما لسن الوحيدات في العالم اللاتي ينفقن مبالغ طائلة
على مساحيق التجميل وعمليات التجميل, فالاوروبيات والاميركيات يسرن على الخط نفسه
(وان كانت بنسب أقل), حيث سجلت مبيعات العطور ومواد التجميل والعناية بالبشرة في
الأسواق الأوروبية وأميركا اللاتينية نسبا مرتفعة. فقد بين تقرير صادر عن الاتحاد
الأوروبي لمؤسسات مواد التجميل والعطور أن إجمالي حجم مبيعات العطور ومواد التجميل
سجلت في 2003 حوالى 59.47 مليار يورو.
وفي تقرير للاتحاد الفرنسي لصناعات العطور أن معدل الاستهلاك الفردي الفرنسي من
منتوجات تجميل وعناية بالبشرة ما قيمته 168 يورو, وتحصد مواد الزينة والعناية
بالبشرة ومواد الحماية من الشمس 40% من إجمالي المبيعات في الأسواق الفرنسية, فيما
ذهبت نسبة 18 % من المبيعات إلى العطور.
وفي أميركا اللاتينية التي تعتبر دولها فقيرة مقارنة بباقي الدول الاميركية, تحول
هاجس صناعة الجمال الى صناعة تدر ملايين الدولارات تنفَق على الجراحات التجميلية
ومساحيق التجميل, وبات الامر يشكل همَّاً لكل الطبقات الاجتماعية. والاحصاءات في
هذا السياق معبرة جدا, فثمة 61% من البرازيليين يعتبرون مظهرهم عاملا اساسيا
لنجاحهم في المجتمع. وفي الارجنتين, شخص من كل ثلاثين شخصا أجريت له جراحة تجميلية
العام 1999 . وقد ازداد خلال السنوات العشر الاخيرة عدد المواطنين في دول اميركا
اللاتينية الذين يقررون تجميل اجسادهم بنسبة تفوق 200 %, في مقابل تكلفة وسطية تبلغ
8000 دولار. ولا يشذ الرجال عن هذه القاعدة (زرع شعر او عمليات شد للبشرة), اذ انهم
يشكلون 10% من الزبائن. وتصل هذه النسبة الى 30 % في البرازيل. وتحتل هذه المرتبة
الاولى في القارة في هذا المجال مع نمو صناعة عمليات التجميل فيها بنسبة 20 % سنويا
بفضل زيادة حجم الثديين خصوصا (28 الف حالة عام 2000) نتيجة رغبة النساء في الحصول
على ثديين شبيهين بثديي عارضة الازياء البرازيلية المعروفة جيزيل بوندشن.
وتستقبل صالونات التجميل في دول اميركا اللاتينية الثريات ونساء الطبقات المتوسطة,
والمتحدرات من عائلات اوروبية أو من أصول هندية حمراء.
ففي تشيلي مثلا حيث ينفَق سنويا 600 مليون دولار على مواد التجميل, ثمة 3500 مركز
تجميل ونواد رياضية ومعاهد وصالونات تجميل, بزيادة 50 %
عما كان عليه العدد قبل اربعة اعوام فيما يبلغ عدد السكان اربعة ملايين نسمة.
وفي البرازيل, اظهر تحقيق لشبكة «فيتنس» أن 3.5 ملايين شخص يترددون الى 7 آلاف قاعة
رياضة في مقابل 10 الى 20 دولارا في الشهر.
أما في المكسيك, فتعتبر المنشورات التي تنصح بكل انواع الحميات الغذائية, الاكثر
انتشارا, اذ تبيع مجلة «كوسموبوليتان» 300 الف نسخة شهريا ومجلة «فانيدادس» 600 الف
نسخة. ويزداد في المنطقة ايضا عدد «المدربين الشخصيين», كما تنتشر المراكز التي
تقدم خدمات التدليك والعناية بالوجه والجاكوزي وحمامات مياه البحر والعناية بالبشرة
بواسطة الوحول والاعشاب.
في لبنان
في مجتمع مثل المجتمع اللبناني حيث يهتم الجميع ولا سيما النساء بشكلهم الخارجي,
اصبح اللجوء الى جراحة التجميل اكثر سهولة وشيوعا, حتى ان البعض بات يعتبره «من
الضروريات». وتشهد هذه الارقام المبينة ادناه حجم الاقبال على عمليات التجميل رغم
التكاليف الباهظة:
1500 دولار تكلفة عملية تصغير الانف في حالة التخدير الموضعي اما اذا كان التخدير
كاملا فتكلف زهاء 3000 دولار.
300 دولار تكلفة عملية ملء الشفاه . 7000 دولار تكلفة شد الوجه .
3000 دولار تكاليف عملية تكبير الثدي.
500 دولار عملية شفط الدهون .
88 % من الذين يخضعون لعمليات تجميل في لبنان هم من النساء.
الإسراف «التزييني» و«التجميلي» للنساء العربيات والخليجيات يفوق في بعض الاحيان
ميزانيات دول كثيرة تعاني شعوبها فقرا مدقعا, فهل يقبلن بتخصيص جزء ولو بسيط من هذا
الانفاق لإطعام فقير؟
الكفاح العربي
|