في مجتمع شرقي كمجتمعنا ، تقضي عاداته بأن يتم أمر مصيري و شخصي للغاية كالزواج عن طريق العائلة التي يقرر كل من أركانها الأساسين ( المتكفلون بالإنفاق ) مدى مناسبة العائلة الأخرى لهم و التي تلعب فيها القرابة أو المصلحة دوراً كبيراً لإتمام هذه الصفقة البشرية .

" ناس متدينين وعلى قدهم "....." عالم أوادم ومن عيلة "..... " ناس مليانين "..... " ناس بيرفعوا الراس "... " بيشرفوا النسب "..... " توبهم من توبنا " ..... " مدخلهم منيح كتير "..... " ما رايحين يطلعوا معنا "........  " ما خرجنا على طلباتهم ".......

عبارات كثيرة تتناقلها الألسن بين صانعي قرار الزواج في الأسرة والتي غالباً يكون أبنائهم فيها من الذكور فالعادة الاجتماعية التي تحتاج إلى مراجعة هي أن أصحاب المبادرة ( الإقدام على الزواج ) في هكذا شأن أولادهم ذكور ومن المعيب مثلاً أو من غير الاعتيادي أن يقوم أحدهم بالخطبة لابنته مع أن هذا أمر لا يحرمه الشرع الحنيف . وهو أمر يترك أثاراً نفسية كبيرة على فئة كبيرة من الفتيات والشبان على حد سواء اليوم فهم مرتهنون بزواجهم بتقاليد يجب مراجعتها فتأخر سن الزواج اليوم وبالأخص بين المتعلمين وأصحاب الدخل المحدود لم يعد مرهوناً بالفتاة وحدها بل الشاب اليوم الذي تجاوز الثلاثين أصبح من غير المرغوب بهم على صعيد العادات الاجتماعية التي تفضل الشاب الأصغر سناً للزواج من بناتها والحالة تكون أسوء في حالة الفتاة .

وأمام هذه الجدران الاجتماعية العالية فتحت كوة من أمل للزواج عن طريق الخاطبة الالكترونية إذ على الأقل لا يوجد فيها ما يدعو للإحراج من قبل الفتاة التي يحرمها مجتمعها من اختيار من تراه مناسباً لها حتى يمر القطار بها سريعاً فترى نفسها خارج نطاق الطلب للزواج  ، حيث تقوم مجموعة من المواقع الالكترونية بتقديم طلبات يقال لك في البداية أنها مجانية للحصول على فتاة أو شاب تشاركك أو يشاركك بقية حياتك لتكتشف فيما بعد أنها موقع جديد للتجارة التي لا يهمها في الواقع سوى الربح المادي البحت بالإضافة أنه ليس هناك من يكفل بأن المعلومات التي تستعرضها في ملف المسجل هي حقيقية وأن الطرف المقابل على قدر من المسؤولية ليلتزم بما يتعهد به من وعود قطعها على نفسه ومن دون التلاعب بعواطف وأحاسيس الآخرين الذين يكونون في غنى عن قصة فاشلة أخرى تضاف إلى رصيدهم الاجتماعي الذي تتلاعب فيه قيم يجب مراجعتها قبل حدوث كارثة اجتماعية تقلص من حركة المجتمع للأمام وتجعله رهناً بحلول كان يجب معالجتها قبل أن تتفاقم وتنتشر .

و إليكم بعضاً من نبض الشباب ....

عبد الرحمن 29 عاماً والدتي متوفية رحمها الله وليس لي أخوة بنات وعماتي وخالاتي مع كثرتهن كل له أفراحه وأتراحه وما في حدا فاضي لحدا وإذا عملوها وساعدوني بالبحث عن زوجة بيحملوك طول عمرك منية أنه هنين يلي زوجوك ، لذلك قمت بالتسجيل في مواقع الزواج رغم أنني لا أتوقع الكثير.

أحمد 30 عاماً إن الزواج عن طريق الخاطبة الالكترونية غير واقعي وغير مأمون النتائج فلا يوجد ضمانات حقيقية من الطرفين وهو للناس التي تبغي التسلية ، لذلك الزواج التقليدي مع علاته أضمن لي .

سالم 27 عاماً إن الأحوال المادية القاسية أجبرت كل من الشباب والشابات وبالأخص ممن أكملوا تعليمهم العالي على تأجيل فكرة الزواج وإذ بالقطار يمشي سريعاً والخاطبات التقليديات يردن الفتاة الأصغر سناً والمشكلة أن الموضوع انسحب على الشبان أيضاً لذلك يلجأ الشبان اليوم بطريقة احتجاجية على التسجيل في هكذا مواقع للاعتراض على هذا السلوك الاجتماعي .

خالد 32 عاماً أنا متخرج من الجامعة ويلي عمال طالعه يا دوب عمال يكفي لآخر الشهر وبما أنني في سن تميل للإسقرار بعثت والدتي لتخطب لي ولكن تديني وشهادتي لم تسوى شيئاً عند سؤال عنده بيت شي ؟ فأنا سأسكن مع أهلي لتصاب والدتي بالخجل في كل مرة ، لذلك قمت بوضع طلب تسجيل على النت للزواج بوضعي الحالي تجنباً لإحراج أهلي .

لينا 33 لن أنتظر حتى يقرع علينا الباب فأنا أطلب الحلال ولا أريد الوقوع في الحرام رغم أن طرقه أصبحت كثيرة عافانا الله وبما أن مجتمعنا غير معجب بفكرة اخطب لابنتك ولا تخطب لابنك فقد أخذت زمام المبادرة وإذا ما تم الاتفاق مع نصي التاني فعندها سأجعل كل شيء يبدوا تقليدياً أمام مجتمعنا المنغلق بين العيب والشوم .

حلا 25 أسرتي مفككة اجتماعياً منذ حوالي 10 أعوام فوالداي منفصلان رغم أنهما تزوجا عن قناعة وكلاهما طبيب أي بمستوى تعليمي ممتاز إلا أن تقاليدنا الاجتماعية تقول أن هذه الأسرة المفككة أصلاً سوف لن تنتج إلا أسرة مفككة أخرى فكلما عرف الخطابون بقصتي يبخسونني حقي في أن أشكل يوماً ما عائلة مستقرة .

سمر 30 رغم أنني من عائلة ميسورة والحمد لله إلا أن هذا وضع أمامي عائقاً في الزواج فأهلي لا يرغبون بتزويجي إلا ممن هو في نفس مركزهم المالي وهذا ما يقفل الأبواب في وجهي أمام من أريد أن يشاطرني بقية حياتي ويجعل خياراتي تصبح ضعيفة جداً لذلك لجئت للنت للحصول على مواصفات أهلي القياسية علها تظبط معي.

إذاً ومع ما سبق فإن مواقع الزواج الالكتروني ما هي إلا خطوة للأمام إلى حد ما من قبل من تجعلهم عاداتنا الاجتماعية يحتجون على سلوك اجتماعي يحتاج إلى إعادة نظر رغم انه يعتبر من قبل المجتمع تصرفاً عبثياً لتمييع الروابط لكنه بالنسبة للشباب ليس إلا مخرج نجاة من نطاق عقلية ضيقة .

عبد الله أنيس

من مساهمات القراء