تعزى المشاكل والمعوقات التي تعرقل انتخاب رئيس جديد للبنان خلفا لإميل لحود إلى سوريا ومكائدها وتدخلاتها السياسية في لبنان. وأما ما يخص الإتفاقية التي تم التوصل إليها في القاهرة بتعيين سليمان لا يوجد هنالك من يأمل بإيجادها حلا للنزاعات اللبنانية القائمة. فطبيعة ومدى التدخل السوري في لبنان يجب أن يفهم على نطاق أوسع ضمن المنطقة ككل آخذين بعين الاعتبار التجمعات المدعومة من إيران وتلك من الولايات المتحدة.  

فلطالما كان لبنان الصغير مسرحا لتلك اللعب المعقدة, والتي دعاها البعض بحرب الشرق الأوسط الباردة. والخيار المثير للجدل الآن يدور حول إمكانية قبول سوريا كلاعب في إيجاد الاستقرار في لبنان كبلد مجاور أم بتبني أساليب وتكتلات مناوئة لها.

وقد توقع المراقبون قبول سوريا للاقتراح الآتي بسليمان إلى الرئاسة اللبنانية كدفع لقضيتها. فقد تم تعيين سليمان في منصبه هذا خلال فترة الوجود السوري في لبنان, وهو معروف لدى السلطات السورية. إلا أن نظام الأسد قام بدعم المعارضة وطلبها بإقامة حكومة وحدة وطنية, أي بأن يخصص ثلث المقاعد الحكومية للمعارضة. وهذا الثلث من شأنه أن يمنح حزب الله خيار النقض أثناء اتخاذ القرار. وطلبت المعارضة إضافة إلى ذلك التزام الحكومة بالإصلاح الانتخابي, والاتفاق على خلف لسليمان في الجيش. و يعد منح متطلبات كهذه يمثل استسلام الحكومة اللبنانية غير المشروط.

لذا فإن سوريا بهذا تضمن لحزب الله قدرة النقض في الحكومة اللبنانية, أو الاستمرار بهذه الأزمة التي تمنع تشكيل حكومة مركزية في بيروت. فيجب علينا حينها التعامل مع القبول الظاهري لسوريا بحل القاهرة بحذر شديد. إذ أنه معروف أن حزب الله غير راض عن خطة جامعة الدول العربية المقترحة, وربما يعمل جادا لنسفها من أساسها, والتي يحتمل ورود توجيهات سورية بذلك.

والذي يدعو سوريا لاتخاذ هذا الموقف هو رغبة سوريا بمنع تشكيل محكمة دولية تبحث في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. فمن أجل هذا, أن تأتي حكومة بزعامة حزب الله, أو أن يستمر الفراغ السياسي أو فوضى عامة في لبنان قد يفي بالغرض المنشود. وفي دعم للاقتراح الأخير, زعزعة الاستقرار, أتت سلسلة الاغتيالات الغامضة والتي بلغت الثمانية عشر لتؤدي هذا الدور. كان آخر هذه الاغتيالات موت فرنسوا الحاج المعارض لسوريا والذي كان من المفترض خلافته لسليمان في الأركان. وتعزى هذه الاستراتيجية من افتراض الأسد أنه ما من جدوى من مساعدة الغرب لتجمع 14 آذار في لبنان.

هذا ويمثل النقد اللاذع الذي تلقته سوريا من الرئيس بوش وساركوزي عدم تغيير الغرب لسياساتهم مع دمشق حتى الآن. فجميع العواصم الغربية ترى في دمشق داعما للإرهاب, وهم لن يبدلون تلك النظرة حتى تتوقف دمشق عن دعمها للإرهاب, وذلك بتشجيعها وتقديم الحوافز لها. لذا تتلقى دمشق معونات تقنية أوروبية دون النظر إلى مكائدها في لبنان. وحتى الولايات المتحدة تقوم ببعض التشجيعات أيضا.

من الصعب المبالغة في وصف الشق الذي يفصل بين السياسيين في لبنان. إلا أنه يمكن للمسافر من العاصمة بيروت إلى الجنوب الشيعي اللبناني أن يرى التغير في الرؤية والانتقال من كيان سياسي لآخر. فهنالك كيانان مبنيان على أساسين متناقضين يعيشان في البلاد. فالأول يعيش في مركز النشاط التجاري والطاقة الكبيرة, إلا أنه قابع هناك دون حماية من الأفكار السياسية التي تحوم حوله. لكن قد تكون ثورة الأرز ونصرها في 2005 رمزا للحرية المنشودة للعالم الناطق بالعربية. أما الثاني فهو مجتمع إسلامي مغلق يحافظ على أيقوناته المنتشرة في كل أنحاء الجنوب, آية الله خامنئي والخميني بالإضافة إلى مشاهد لانتصارات جنود حزب الله مع إسرائيل في 2006.

ومنذ عام 2006 حين بدأ حزب الله سيره نحو تولي السلطة, أمسى الشعب اللبناني في حالة من التوتر العالي, وتتراءى للبعض مشاهد من الحروب الأهلية. ويغذي دعم سوريا السري والعلني على حد سواء رغبة المعارضة في العنف. ففي حال وقع لبنان في مصيدة النزاع الأهلي أو السيطرة بحد السيف, فإن النتائج على الأكيد لن تكون في الحسبان؛ بل وستكون كارثية حتما. ويعرف عن السعودية, والتي تدعم 14 آذار, غضبها من الموقف السوري. ورفض زعيم الدروز وليد جنبلاط مطلب حزب الله رفضا قاطعا بمنحهم قوة النقض. لذا فإن تسليم لبنان للتحالف السوري-الإيراني لن يتم دون معركة.

ليس هنالك من حلول سهلة على الدوام. لكن يجدر القول أن محاولات استمالة المحور السوري-الإيراني هو ما أدى إلى هذه المشاكل في بيروت. لذا يجدر على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة, واللذان يمتلكان مجموعة خيارات واسعة دبلوماسية واقتصادية, فرض عقوبات وضغوط حقيقية وجادة على دمشق لردعها عن الفتن في لبنان. آن أوان هذه الخيارات لأن تخرج من الجعبة وتنزل حيز التنفيذ.

بقلم جونثن سباير* - غلوبل بوليتيشن

ترجمة طريف الحوري - سيريانيوز

*جونثن سباير هو كبير الباحثين في مركز الأبحاث العالمي للعلاقات الدولية في هيرتزليا, إسرائيل