2009-07-02 13:00:43
ÇáãÓÇåãÇÊ Ýí åÐÇ ÇáÈÇÈ áÇÊÚÈÑ ÈÇáÖÑæÑÉ Úä ÑÃí ÇáãÑßÒ
العيش بانتظار الموت ... بقلم : عادل الكزبري

خديجة اختفت! قالت لي أمي بين الحزن و الدهشة.

فكررت في جملتها متفاجئاً: خديجة اختفت؟!! كيف؟


لا أعلم خرجت و لم تأخذ حتى أغراضها ولا هويتها، ربما أخذها خالي إلى أحد دور العجزة لأنه جاء بخادمة فلبينية، على كل حال سأبحث عنها أنا وأختي في دور العجزة عسى أن نجدها أو نعلم عنها شيئاً.

 

كان الخبر مفاجئاً بالنسبة لي لأنني منذ أتيت إلى هذه الدنيا وخديجة تعمل خادمة لجدة أمي، و حتى بعد وفاة الجدة ظلت تخدم في منزلها، لخالات أمي وخالها، وعلى كل حال هي على حسب علمي لا تعرف بيتاً سوى هذا البيت الذي أمضت حياتها وأفنت شبابها في خدمته لذلك كان من الغريب أن تذهب إلى أي مكان آخر. هي كالعصفور الذي لم يعرف وطناً سوى القفص بحيث إذا أخرجته منه طار في الهواء قليلاً ليحط مرة أخرى على القفص.

 

و بدأت رحلة أمي و خالتي للبحث عن خديجة في دور العجزة، و بعد عدة محاولات بدأت أمي تفقد الأمل، و لكنها استمرت في البحث، إلى أن وصلت إلى دار تقع في أحد أحياء دمشق، سألت عن خديجة و وصفتها للموظف المسؤول، فنفى وجود شخص بهذه الصفات ثم انشغل بالحديث على الهاتف فاستغلت أمي الفرصة لإلقاء نظرة على الدار من الداخل وكانت نتيجة ذلك أن حدثت معها القصة التالية، ولندع أمي تتحدث بنفسها عن هذه القصة المؤثرة.

 

قالت أمي: فتحت باب غرفة من غرف الدار عسى أن أجد خديجة فجأة، و لكن عوضاً عن ذلك وجدت امرأة جالسة على سريرها، في حوالي السبعين من عمرها، تومئ إلى بالدخول و الاقتراب منها، كانت جميلة رغم أنها طاعنة في السن، من الواضح أنها كانت من الحسناوات في صباها، هالني ما في وجهها من جمال الشباب وهيبة الكبار و وحشة الوحدة.

كانت تضع الحجاب و تمسك بكتاب الله وكأنها تستمد قوة احتمالها لهذه الحياة من كلام الله تعالى، أمامها طاولة عليها نبتة خضراء يانعة، ربما لتذكرها بأن الحياة ماضية رغم كل العقبات، و علبة من السكاكر كي تقوم بواجب الضيافة عندما يأتيها زائر (الذي لن يأتي على الأرجح)، وفنجانين من القهوة لتشعر وكأنها في بيتها، ولتضفي على حياتها الكئيبة قليلاً من الأنس.

وعندما دنوت منها مدت يديها تناشدني عناقاً لتشعر بدفء التواصل في برودة هذا المكان الذي لم تتوقع في صباها أن تمضي بقية حياتها فيه، و هنا اسمحوا لي أن أطرح عليكم سؤالاً: من منا يتخيل الآن في شبابه وعنفوانه أن نهاية حياته ستكون في غرفة تابعة لإحدى دور العجزة؟ أن تعيش بانتظار الموت!! أن تجلس مترقباً ومتلهّفا لقريب وجد عنده سعة من الوقت لزيارتك وهو يشعر بالامتنان من نفسه، أوً لعابر سبيل وما أقلّهم.

عانقتها فشعرت بعاطفة جياشة تجاهها خاصة وأنني فقدت والدتي وأنا في الخامسة من عمري، شعرت بمشاعر لم أشعر بها من قبل، مزيج من الحب و الحنان و الشفقة، كانت ترتعش بين يديّ من قسوة الحياة، من قسوة أقاربها الذين تركوها لتنهشها الوحدة، لم أحاول النظر إلى عينيها لأرى إن كانت تبكي أم لا كي لا أتأثر أكثر.

 

جلت بنظري في الغرفة فوجدت على الأسّرة الأخرى نساء لم تتحمل عقولهن فكرة مأوى العجزة ففقدن هذه العقول، أو أنهن بالأصل خلقن هكذا فتخلص أهلهن منهن، إذاً شريكات هذه المرأة في الغرفة هن من المختلّات عقلياً، قلت في نفسي يا لها من مسكينة لا يوجد من تتحدث معه، وهي لا تستطيع الخروج كونها عاجزة عن المشي لوحدها.

 

بدأت أحاورها، فأشعرتني من خلال حوارها أنني ضيفة عندها و هي سيدة البيت التي تقوم بواجبها تجاه ضيفتها، أو كما يقول كبار السن في العاميّة ( موجّبة )، سألتها ألا يزورك أحد، فأجابت: زوار الله أمثالك، فسألتها: و كيف تتدبرين أمورك؟ فأشارت إلى السماء كناية عن الله جلّ جلاله أنه يتولّاها برحمته.

 

و بعد عدة دقائق من الحوار الأكثر من إنساني بالنسبة لي شعرت بدفء هذه المرأة وشفافية روحها من الداخل، و ثقتها بالله عز و جل التي تدفعها لتحمل برودة حياتها وما أقساها من حياة، يكفي أنها تعيش بانتظار الموت، بدل أن تكون محاطة بأحفادها وأبنائها، معززة في منزلها وتذكرت الآية الكريمة ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً).

 

ولكي تحفزني لزيارتها مرة أخرى رفضت أن تحدثني عن قصتها وكيفية وصولها إلى هذا المكان.

 

ومنذ رأيتها حتى الآن وصورتها ماثلة أمامي، وحديثها ورقتها وإيمانها بالله تعالى .

عاهدت نفسي أن أزورها مرة أخرى فهذا واجب علي وليس تفضلاً مني.

 

هذا باختصار ما حدث مع أمي وكأنّ مشيئة الله ساقتها إلى هذه المرأة الكبيرة ليحدث هذا التواصل الإنساني بينهما، و أما بالنسبة للمهتمين بقضية خديجة من القرّاء فقد وجدت في بيت أخيها حيث قررت أن تمضي بقية حياتها ونعم ما فعلت.


رنوشة 2009-07-01 13:19:59
وجعني ألبي
و الله وجعني قلبي ع المساكين اللي عايشين بدور العجزة، الدنيا صارت آخر زمن، بدل ما يكونو الكبار بركتن و يستغلو هالأيام المعدودة اللي باقية من حياتن، برأيي التربية إلها دور كبير، بس اللي طبعو هيك بيكون رب العالمين غضبان عليه، و الله عيب يعني داقت فين الدنيا و بيوت أولادن و قلوبن ما عاد وسعتن، نكران الجميل صعب و نكران الأهل أصعب ، بس الدنيا دوارة بكرا أولادن رح يعملو معن نفس الشي، و هالظاهرة كتير جديدة و الناس بيقنعو حالن إنو بيحكي مع ناس من جيلو و نسيو إنو الأولاد هن سندن ليكبرو.
-سوريا
copy rights © syria-news 2010