والدخان ، وأقصد هنا التبغ ومشتقاته ، يبدو وكأنه أصبح
واقعا مفروضا رغم ايماننا بضرره ! ونواظب على استخدامه بالرغم من معرفتنا بذلك
!! تصوروا مثلا كم ندفع سنويا ثمن سكائر تحرق ، تخيلوا اننا جمعنا كلفة ما
نستهلكه في سورية ، وهو بحدود ستة وعشرين مليار ليرة سنويا ، تخيلوا لو أننا
وضعنا بدل الدخان على انواعه هذا المبلغ الكبير ، ليرات ورق ، ثم صببنا عليها
الكاز ، وأحرقناها ! الن يقولوا عنا بأننا مجانين ؟!
اليوم ومنذ فترة قريبة صدر المرسوم 62 لعام 2009 ، والقاضي
بمنع التدخين تحت طائلة اتخاذ الاجراءات الرادعة بحق المخالفين ، فهل سنستطيع
تطبيق نص المرسوم وتعليماته التنفيذية ، ونكون بذلك قد حققنا انجازا تاريخيا
غير مسبوق ، ام سيصير بنا كما يقول المثل : وكأنك يابو زيد ، ماغزيت !؟
لقد حددت التعليمات التنفيذة للمرسوم العقوبات الناتجة عن
مخالفته ، حتى قد تصل الى تسريح الموظف مثلا !! تصوروا أن رجلا يقطع باب رزقه
ومعيشة عائلته لأنه لا يستطيع البقاء دون دخـــان وتدخين !! والأنكى من ذلك ،
أولئك الذين لا ذنب لهم ولا جريرة الا أنهم يشاركون المدخنين قسطا طويلا من
حياتهم سواء في العمل او المنزل ، ويشاركونهم مجبرين دخانهم المؤذي ، وأنفاسهم
الملوثة بسحب الموت ، ولا حيلة لهم حيال ذلك ؟!
انني أقول وبصراحة ، وهذا ليس من قبيل اليأس ، اننا شعب
تعودنا على التراخي في التخلص من عاداتنا السيئة ، ويرى البعض ان التدخين مسألة
حرية شخصية ، ولا يحق للغير فرضه من طرف واحد ، كما ان المخالف عندنا اذا ما
وقع ، فإن يدا ما تحاول انقاذه ، مما يشجع على المخالفة أكثر ، ولذلك استشرت
لدينا مخالفات الفساد والسرقة والاحتيال والنصب والاعتداء على الملكية العامة
!!
وثمة كلمة اود قولها وهي بخصوص كيفية معالجاتنا لمشاكلنا ،
اذ غالبا ما تستفحل المشكلة ونشعر جميعا بآثارها السلبية التي ندفع ثمنها كل
يوم ، ومع ذلك نتأخر في علاجها ، حتى اذا أصبحت لا تطاق ، اخترعنا نصا على
عجالة أو استوردناه ، وطلبنا الالتزام به تحت طائلة العقاب الشديد !! لماذ لا
ننتبه الى ذلك وندرسه دراسة معمقة دون استهلاك المزيد من الوقت ، فنخرج
بتعليمات قابلة للتطبيق ، وفيها حل لهذه المشكلة ؟ الم نضطر الى تعديل قانون
السير بعد فترة وجيزة من صدوره ؟
كذلك ثمة أمر آخر هام جدا ، وهو أن من يكلف بتطبيق النص ،
هو أول من يخالفه في الغالب !! جدوا لي مثلا سيارة شرطة أو أمن يضع سائقها
حزام الأمان ، فكيف سيطبق القانون والحال كهذه ؟
الحمد لله اننا لسنا من المدخنين ، ولكننا لسنا بمنأى عنه
شئنا أم أبينا ، الا اذا نفذ القانون بعدالة ، واذا قلنا ان تطبيقه مستحيل فهذا
هو المستحيل بذاته ، اذ ان كل سائقي بلدنا وحتى عهد قريب كان الالتزام بوضع
الحزام اثناء قيادة السيارة عندهم شيء مستحيل ، لكنه اليوم صار عرفا وأمرا لا
يمكن نسيانه أو التهاون فيه !! وكذلك التدخين ، وأملنا أن (تظبط )هذه المرة
أيضــــا .