اذكر اني كنت في الصف الخامس الابتدائي عندما رأيت باصات النقل الداخلي بلونيها البرتقالي والاخضر اول مرة وقد حلت مكان باصات "الهوب هوب" ، وادمنت تعاطيها متنقلا بين مدرستي وبيتي الواقع في احد احياء السكن العشوائي على اطراف مدينة دمشق ، ولم تكن اختي الصغرى قد ولدت بعد.

كانت المحطة الثانية الهامة في حياتي هي تاريخ دخول الميكروباص واعتقد انها كانت في نهاية عقد الثمانينات ،الحقبة التي انهار خلالها الاتحاد السوفيتي وبدأ عصر الانفتاح الاقتصادي في سوريا.

وكنت ادرس في مدينة حلب واصطفت "السنافر" البيضاء ، كما كنا نسميها بدايةً ( تحولت الى جرادين مستقبلا ) ، لتنقلنا من وسط منطقة تدعى العزيزية الى الجامعة وكانت لحظة سعادة اخرى في حياتي ، فيما كانت اختي الصغرى قد بلغت الرابعة من عمرها.

سقط الاتحاد السوفيتي ، و برجا التجارة العالمي ، والفرنك الفرنسي ..  وبتنا في عصر اليورو ، و روسيا الرأسمالية ، والهيمنة الاميركية ، واقتصاد السوق الاجتماعي ، وتخرجت اختي من الجامعة صحفية ..

لم تستوعب اختي اهمية الحدث ، الذي استقبلته انا بدموع الفرح ولاحقت الباص الاخضر من شارع الى شارع اتجاوزه تارة وادعه يتجاوزني تارة اخرى ، انظر اليه بإعجاب ودهشةِ ( غير المصدق ) اصوره .. احفظه ..  ولو كان في يدي لخرجت من نافذة سيارتي وقبلته ..

وصلت الى المكتب هاشاً باشاً متلهفاً ، حملت اختي الكاميرا وأرسلتها لتغطي الحدث ، وتجري اللقاءات و تسجل الانطباعات ، كان الناس ( مبسوطين ) وكذلك الشوفيرية ، وقررت ان آخذ ابني الصغير ذو السبع سنوات يوم الجمعة القادم فيه ( دورة ) .. وكم انا اتوق اليها ..

وسأروي له عن احلامي الصغيرة ..  عن بناء مجمع يلبغا وساحة العباسيين وسوق مدحت باشا ، وسأشركه في إملاء ورقة استبيان وزع علينا بخصوص مترو الأنفاق في المدينة ، واتخيله كبيرا يجلس فيه(المترو) ويخرج نسخة مهترئة عن الورقة من جيبيه وقد احتفظ بها، ويقول "رحمك الله يا أبي .. " .. بعد ان يلحظ توقعي القديم عليها ..