انتقل الطفل كامل الذي اشعل شمعته الحادية عشرة هو وعائلته الى منزلهم الجديد يحدوهم الامل بأن يكون ذاك المنزل فيه خير لهم ولاخوته فأمام منزلهم القديم لاتوجد المساحة الكافية والفسحة المريحة لكي يلعب هو واخوته الصغار، انتقل لكي يلعب بابتسامته المعتادة وببراءة الطفولة التي تشع من عينيه وقلبه المحب وبلا ذنب قد اقترفه و بعد يومين بالتمام انتقل كالملاك وصرخاته تعلو من اعماق اعماقه، ما الذنب الذي اقترفته لكي اموت؟

الحادثة المؤسفة

 لم يكن صمت الوالد الملتاع ولادموع الوالدة المفجوعة ولاحسرات اهل الفقيد وآهات اهالي الحي تعبر عن حجم الكارثة والمصيبة التي نزلت كالصاعقة التي تشبه الى حد كبير الصاعقة التي اصابت قلب الطفل كامل والتي ادت الى توقف القلب والتنفس الناجم عن صعق بتيار الكهرباء حسب تقرير الطبابة الشرعية وحسب مصادقة نقابة الاطباء وشهادة الوفاة، لم تكن آلام الجميع ومشاعر الحزن لتعبر عن حجم الساعات والايام التي مرت فالجميع غير مصدق ماحدث والدهشة تأكل النفوس والصدور ووسط كل هذا انبرى المدعو محمد الحارس عم الطفل المتوفى ليفصح عما تعرضت له العائلة من كارثة فظيعة الحقت نوبات هستيرية فيقول: انا الى هذه اللحظة غير مصدق ماحدث، ولعلي قريب جداً من العائلة واعلن ان العائلة انتقلت الى هذا الحي(صلاح الدين) املاً بمنزل جيد وامامه حديقة ليكون متنزهاً لهم ولاطفالهم لكن ماحدث كان اكبر من ذلك فبعد يومين تماماً تحولت فرصة انتقال هذه الاسرة لذلك المنزل والحديقة الى حزن وألم كبيرين ومصدر شقاء وموت لطفل بريء فحين نزول كامل الطفل لكي يلعب هو واصدقائه واخوته في الحديقة وجدوها مقفلة رغم انها كبيرة جداً وفيها اشجار كثيرة ولاأحد يعلم ماهي الفائدة من اقفالها مادامت خصصت كمتنزه ولكون السور الحديدي ذا ارتفاع  يسمح للاطفال بالقفز من فوقه هو الذي يمنع الكثير من الاطفال من اللعب خاصة بعد انتهاء العام الدراسي ودخول العطلة الصيفية فقد اراد كامل ان يلعب الكرة مع اخوته واصداقائه فالسيارات المارة المسرعة كانت تشير له بالتنحي ولايمكن اللعب على الرصيف الضيق فأراد النزول لكي يمارس هوايته المفضلة كرة القدم وضع قدمه على حجر السور المصمم على شكل سلم وامسك بالبرج الحديدي فأمسكت به الكهرباء وقذفت به مرمياً على الارض حاولنا انقاذه وانتقلنا للمشفى رغم حالة وفاته لكن على امل انقاذه فادخله الاطباء لغرفة العناية المشددة رغم وضوح حالته وقام الاطباء بشرح حالته لي بعد ان علموا انني عم الطفل واعلموني انهم ادخلوا الطفل لغرفة العناية رغم تأكدهم من وفاته لكي يمتصوا قلق اهله فتوجهت لوالد الطفل لاشرح له بطريقتي ولكن الصدمة كانت فوق طاقة التحمل.

عيون شاهدت

 الطفل كمال ابن عم الفقيد كان يلعب معه الكرة وتحدث لنا بكلام يحمل براءة الطفولة وشفافية الصديق والقريب الذي كان يراقبه دوماً ويلعب برفقته قال: عندما امسك بالبرج ورمت به الكهرباء  قال( اخ.. وابتسم) واما محمد اخ كامل الطفل قال ايضاً: انا حزين لفقدان اخي وحين امسكته لكي انقذه من ثيابه رمتني الكهرباء اما احد اهالي الحي والذي يعمل في مهنة النجارة وتقع ورشته امام البرج الكهربائي تماماً تحدث بحرقة قلب فقال السيد احمد مكناس : الحديقة مهملة واسأل لماذا اقيمت هذه الحديقة التي تبقى طوال الوقت مقفلة وهي في شارع ابي طالب بالقرب من ملعب الرياضي في صلاح الدين ولكن ماجرى انني عندما كنت اعمل وفي الشتاء كنت ارى شرارات الكهرباء تخرج من هذا البرج وقمت بالاتصال لمرات عديدة ولكنه لم يأت احد وعندما يأتون لايقدمون شيئاً ولايقومون بالاصلاح ويقولون انه لاتوجد اية مشكلة ونصرخ في وجوههم اننا نسمع اصوات كهرباء وكذلك الجميع متضايق من تسرب الكهرباء حول الحديقة يصممون انه لاتوجد اية مشكلة وعند سؤالنا حول الموظف المسؤول الذي يقوم بالاتصال معه اجاب قائلاً: الحديقة وعبر سورها الطويل الضخم مكهرب وتوجد حالات لاطفال قد اصابتهم الكهرباء ولكن لم تؤذهم وعندما شاهدت شرارات النار تخرج في الشتاء الماضي قمت بالاتصال مع قسم الصيانة في حي الحمدانية ولكنهم يأتون متأخرين وعندما يأتون لايقومون بالاجراءات المطلوبة لصيانة الخط الارضي والاسلاك الشائكة المسببة للتيار الكهربائي وللاسف ان هذا الاهمال قد اودى بوفاة الطفل كامل وانا كنت شاهداً على ماجرى حيث امسكت به الكهرباء وللاسف ادت مباشرة لوفاته.. وبعد ساعات من انتقال الجثة والاهل لانقاذ ابنهم اتت دورية صيانة من الكهرباء وقام العامل باجراء تعديلات تكفل باصلاح البرج وكان الجميع يراقب مايحدث ولكن حين التأكد من انتهاء الاصلاح ولكثرة الاسلاك الكهربائية المتدلية والمتشابكة كاد احد العاملين من شركة الكهرباء ان يتكهرب، واسأل لماذا لايتم الاهتمام بهذه الحديقة التي تبقى طوال الليل دون انارة لتكون مرتعاً لافعال غير اخلاقية وترك الاوساخ بها ولماذا لاتنار ولاتفتح ابوابها للسكان لكي تكون متنزهاً؟.

محاسبة المتسبب

 اما السيد محمد الزامل- قريب الطفل المتوفي والذي سارع لمكان الحادث لنقل الطفل قال: كانت المصيبة كبيرة عندما توجهنا لمكان الحادث لكي لايمس العامود اي طفل ومن خلالها توجهت الى قسم الشرطة لتحميل المسؤولية لمن اهمل واستهتر في حياة الاطفال والروح الانسانية البريئة فهذا الطفل يمكن ان نقدمه شهيداً وشهيداً للوطن ولايمكننا ان نقدمه بهذا الشكل الرخيص ومن اجل ماس كهربائي كان يمكن اصلاحه ومعالجته حتى لايشكل خطراً على الروح البشرية وفوجئنا ان المحامي الاول رد الدعوة واعتبرها قضاء وقدراً مبيناً عدم وجود الشريط المتدلي من البرج الكهربائي ولكن من الطبيعي الا يوجد الشريط المتدلي لاننا اسرعنا والجوار باخبار شركة الكهرباء التي حضرت بعد الحادثة وقامت باجراء الاصلاحات وبشهادة الشهود الذين اكدوا ويؤكدون ان عملية الاصلاح كانت(بعد) الحادثة مباشرة وحتى ان الموظف الذي قام بعملية الاصلاح قد تكهرب والمستغرب ان القضاء وفي تفسيره المبدئي لم يحمل المسؤولية لاحد فالسور الذي يبلغ مسافة كبيرة كان بأكمله مكهرباً وبسبب الخط الارضي والاسلاك المتدلية وكذلك الحديقة التي ظلت مقفلة لاكثر من خمس سنوات جعلت الاطفال يقفزون عن طريق السور لكي يلعبوا داخلها وانا من هذا المنبر اخاطب كل الذين يقرؤون هذه الكلمات ان يعتبروا ان هذا الطفل هو طفلهم كيف يمكن ان يتصوروا حجم المأساة وهل من المعقول ان تلك القضية قضاء وقدر ونطالب الا يضيع دم الطفل /كامل/ هدراً.

 أتمنى اتخاذ الاجراءات التي تكفل عدم تكرار هذه القصة التي تعتبر مأساة وكارثة ان يفقد طفل بتيار كهربائي وبسبب الاهمال من قبل عمال الصيانة.

فهل من المعقول ان تسرع دوريات الكهرباء لمكافحة السرقات الكهربائية وبسرعة كبيرة وتترك سلكاً متدلياً او برجاً كهربائياً يسبب الخطر لحي بأكمله لمدة تزيد عن عام او عامين؟.

الرأي القانوني

المحامي محمود خلف تابع مجريات هذه القضية بعد أن شكلت من محكمة الامور المستعجلة لجنة خبراء ستقدم تقريرها للأستاذ القاضي سمير المصري وتضمن كذلك خبراء من الهندسة الكهربائية وحين متابعة الأستاذ خلف طرحنا عليه الرأي القانوني فقال: نحن أمام قضية إنسانية وصعبة جداً وهي وفاة طفل بسبب صاعق كهربائي والمسبب شريط كهربائي بإهمال شركة الكهرباء وعدم الصيانة التي أدت إلى تكهرب السور الكهربائي في حديقة صلاح الدين والتي أدت إلى تكهرب السور بشكل كامل وإن المواطنين أكدوا أن السور مكهرب ونحن أمام دعوة بشقين شق جزائي وشق مادي الشق الجزائي نجد صعوبة بالوصول إليه لأن الكهرباء لم تحدد من المسؤولة عن هذا البرج الكهربائي على اعتبار أن مجموعة صيانة الحمدانية هي المسؤولة عن الصيانة  لكافة الأعمدة والأبراج ولا يوجد شخص معين مثلاً يقوم بإصلاح و صيانة عدد من الأبراج ومخصص بغرض المتابعة والصيانة خصيصاً أو عن حي أو شارع أو قطعة معينة أما المسؤولية المادية فستتم بمخاصمة شخصية اعتبارية للوصول إلى الحق المادي... لكن ما نتمناه من شركة الكهرباء الاهتمام بهذه القضايا فليس من المعقول ان تظل مجموعة أشرطة كهربائية بحالة يرثى لها ولا أحد يستجيب لشكاوي المواطنين وهذه القضية ليست قضاءً وقدراً ولكنها إهمال من المعنيين.

مصطفى رستم

البعث