إذا أقبلتم لمعايدة أمي واستقبلتكم بالأهلا والسهلا .... ربما
حدثتكم قصتها مع العيد عندما كانت إبنة الخمسة سنوات هذه القصة التي تختصر الكلام
الكثير ببساطتها وقربها من القلب
سمعت هذه القصة لأول مرة عندما كنت طفلة وقد أفرحتني
كثيرا...واليوم أسترجعها بعد أن من علي الله بنعمة الأمومة حيث أصبحت أفهمها أكثر
عمل جدي والد أمي في ( الدرك) وكأي أب مثالي طمح للسكن في
المدينة ناشداً مستقبل تعليمي وحياتي أفضل لأولاده ...
اقتنى جدي في أوائل الخمسينات من القرن الفائت قطعة أرض في
مدينة حمص وبدأ ببناء منزل عليها وتوالت الالتزامات المادية المرهقة مع اقتراب
العيد ... وعندما اشتكى لجدتي ضيق الوارد قررا معاً إلغاء ثياب العيد للبنات الثلاث
اللواتي كانت أمي أكبرهن ....
واقترب العيد وشاع الخبر بين الأقرباء أن جدي لن يشتري لأولاده
وبناته ثياباً جديدة للعيد نظرا لالتزاماته المادية المرهقة وأخذت الفتيات
الصغيرات القريبات يتفاخرن أمام أمي وأخوتها بأن ثياباً جميلة تنتظرهن في يوم العيد
الأول بينما بقي لأمي وأخواتها ثياب العيد الماضي .....
اقتنع كل بقسمته .... وأخذ العيد بالاقتراب
عاد جدي كعادته اليومية في يوم الوقفة مساءاً استقبلته جدتي
وأخذت منه الحاجيات التي أتى بها .... بفضول الأطفال أخذت أمي وإخوتها يبحثون بين
الأكياس الورقية السميكة عن مفاجأة ما يأملون الحصول عليها في لفة غامضة ....
وإذ حملت إحدى الأكياس تلك المفاجأة المنشودة فعلا حيث أحضر جدي
قماشأً جميلاً من نوع (الأوركنزا) مزخرفاً بورود من (مخمل) حمراء اللون مع كل
متتماتها بمقدار كاف لتفصيل ثلاثة فساتين صغيرة لامي وإخوتها ....
هاقد ضمن الفتيات القماش وأصبح همهم الصغير هو قدرة جدتي على
خياطة الفساتين في ليلة العيد ....
أوقدت جدتي ضوء الكاز وأخذت تقص القماش .... كانت تفصل بذات
الوقت أحلام بناتها
اللواتي جلسن أمامها للقياس والمراقبة .....
وصلت جدتي القماش المقصوص وكأنها وصلت لهم الفرح الذي رسمته
عيونهم الصغيرة وبدأن بالقياس .... كانوا يرتدون قيماً حملوها لمستقبلهم الذي عرفوا
فيه كيف يضحوا لأبنائهم كما قدم أهلهم لهم التضحيات .....تسلسل النعاس للعيون
الصغيرة ظلت الأم طوال الليل تقص وتوصل وتقيس ...
أتى صباح العيد ... كانت الفساتين الثلاثة جاهزة وكنت فرحة
الصغيرات عامرة إذ ذهبن لمعايدة خالهن الذي اعتقد وبناته أن جدي لن يأتي بثياب
العيد ....
كانت ابنه خالهم الصغيرة التي تقربهم سناً وتتقد غيرة منهن
مستيقظة لتوها من النوم بثياب البيت حيث اطمئنت أن بنات عمتها لن يرتدين ثيابا
جديدة أجمل من ثيابها وحين أقبلت أمي وأخواتها بثيابهن الجديدة الجميلة المزركشة
والتي مازالت ساخنة من مكواة جدتي .....
صاحت ابنة خالهم
لماذا قالو أنهم لن يفصلوا ثياب للبنات .... عم يضحكوا علينا