إنَّ المَسؤوليَّةَ
التَّربويَّةَ تِجاهَ الطِّفلِ ، لَم تَعُدْ مُقتَصِرَةً عَلى البَيتِ والمَدرَسَةِ
؛ بَلْ يُشارِكُ فيها الكاتِبُ والباحِثُ والمُختَصُّ التَّربويُّ والرَّسامُ
والطَّبيبُ ، وكُلُّ مَنْ تَقَعُ عَليهِم مَسؤوليَّةُ النُّهوضِ بِواقِعِ الطِّفلِ
مُساهَمَةً مِنْ جُهودِهِمُ المُتَضافِرَةِ في خَلقِ جيلٍ سَليمٍ ومُبْدِعٍ.
فالكِتابَةُ لِلطِّفلِ، لَمْ تَعُدْ تَعتَمِدُ عَلى المَوهِبَةِ والقُدرَةِ عَلى
التَّخَيُّلِ وَوَصفِ الأشياءِ فَقَط ؛ بَلْ أصبَحَتْ عِلماً وفَنّاً ، يَتَطَلَّبُ
مِنّا البَحثَ عَنْ كُلِّ ما هوَ هامٌّ وجَديدٌ ويُسايرُ رَكبَ التَّطَوُّرِ
الإبداعيِّ لَدى الطِّفلِ. وهَكذا فإنَّ أدَبَ الطِّفلِ ، وما يَخُصُّهُ مِنْ
بُحوثٍ عِلميَّةٍ وتَربويَّةٍ لَهُا أهَمّيَّةٌ كَبيرَةٌ في حَياةِ الطِّفلِ
الاجتِماعيَّةِ ؛ لِذا كانَ كِتابي هَذا الَّذي يَبْحَثُ في مَشاكِلِ الطِّفلِ
الاجتِماعيَّةِ اليَوميَّةِ والصِّحيَّةِ ويُحاوِلُ إيجادَ الحُلولِ السَّليمَةِ
لَها. رسالة إلى كل أسرة: -فَكِّروا بِصَوتٍ عالٍ أمامَ أطفالِكُم...حتّى
يَنجَحوا...حتّى يَعمَلوا فيَصِلوا...! كيفَ ذَلِكَ ... ؟!
تَفَحَّصوا أفكارَهُم بِكُلِّ
دِقَّةٍ...نظِّموها ، ومن ثُمَّ تَمَعَّنوا بِها، وتأمَّلوا في مَعانيها ، ثمَّ
رتِّبوها بما يُناسِبُ وعيَ أطفالِنا ،واطْرحوها عَليهِم. اعْلَموا أنَّ طِفلَكُم
ذَكيٌّ جِدّاً، ويَأخُذُ ما تَطرحونَهُ أمامَهُ فَوراً ؛ لِذا اطرحوا أفكاراً
إيجابيَّةً تَدُلُّ عَلى أعمالٍ إيجابيَّةٍ...
-بَينَ كلِّ فَترةٍ وفَترةٍ،
قوموا بِطرحِ أسئِلَةٍ عَلى أطفالِكُم تَكتَشِفوا من خِلالِها تَطوُّرَ ذَكائِهِم ،
كأنْ تَقولوا لهُم : لماذا الأرضُ تَدورُ...؟ ومَتى يَكونُ القَمَرُ بَدراً...؟
-لا تُظهِروا أمامَ أطفالِكُم
أنَّكُم تَعرِفونَ كُلَّ شَيءٍ؛ بلِ اِجعلوهُم يُفكِّرِونَ لَوحدِهِم قَليلاً ،
حَتّى تُطَوِّرَوا مدى تفكيرِهِم، ويُصبحَ أكثَرَ عُمقاً...! -أضيفوا إلى
تَفكيرِهِم روحَ النُّكتَةِ مَعَ ،وامْرَحوا مَعَ الأطفالِ قليلاً،فالطِّفلُ
بِطبعِهِ يُحِبُّ المرَحَ كَثيراً، وتجنَّبوا السُّخريَّةَ ؛ لأنَّ فيها مَعنى
الإحباطِ ...
أظهِروا لأطفالِكُم أفكاراً
جَديدَةً وبَديلَةً، إنْ لم تَصِلْ فِكرَتَنا إليهِم من الوَهْلَةِ الأولى...
-قوموا باسْتِخدامِ ذِكرِ الأحرُفِ الأولى أمامَ أطفالِكُم لبَعضِ الكَلِماتِ
الَّتي تَعتَقِدونَ أنَّها رُبَّما تَكونُ جَواباً لِما يَدورُ في أذهانِهِم
لِتَكونَ كِلِمَةً مِفتاحيَّةٍ وذَلِكَ لمَعرِفَةِ أفكارِهِم...
اجْعَلوا من أنفُسِكُم أصدقاءَ
صَدوقينَ لأطفالِكُم، وحاولوا مُشارَكَتَهُم الأفكارَ ، وإيّاكم أن تَضنّوا عَليهِم
بِأفكارِهِم ...
اِبْحَثوا في كلِّ يومٍ عن شيءٍ
جميلٍ وجديدٍ ومُثيرٍ للاهتمامِ ؛ لِتَجعَلوا مِنهُ حَدَثاً تُشارِكونَ بهِ
أطفالَكُم ، وأشعِروهُم بأهمّيَّتِهِم في حَياتِكُم، وبأنَّهُ لَولاهُم لمَا تَمَّ
الأمرُ كذا... ولما نجحت الرحلة تلك ... دور الأسرة:
1- دَورُ الأسرَةِ في
تَلبيَةِ حاجاتِ الطِّفلِ.
2- الإعدادُ لِلضّيفِ
الجَديدِ.
3-التَّربيَةُ مِنَ الصِّفرِ.
يَقولُ (ماريو كوفو) : إذا لَمْ تَكُنْ الشَّفَقَةُ كافيَةً لِدَفعِنا لِتَوجيهِ
اهتِمامِنا إلى المِحنَةِ الَّتي تُحيطُ بِأطفالِنا ؛ فإنَّ اهتِمامَنا بِذاتِنا
يَجِبُ أن يَدْفَعَنا لِذَلِكَ فالأسرَةُ هيَ المُجتَمَعُ الأوَّلُ الَّذي
يُمارِسُ فيها الطَّفلُ أولى عَلاقاتِهِ الإنسانيَّةِ ، فإمّا أنْ يَنشَأ بِطريقَةٍ
سَليمَةٍ ليَصِلَ إلى تَنشِئَةٍ اجتِماعيَّةٍ جَيِّدَةٍ أو لا ... فالأسرَةُ هيَ
المسؤولَةُ عَنْ سَعادَةِ هَذا الطِّفلِ أو شَقائِهِ في الحاضِرِ والمُستَقبَلِ .
وهي المَسؤوليَّةِ عَنْ نَمائِهِ في مُجتَمَعٍ سَليمٍ مُثَقَّفٍ.
ومُستَقبَلِ الطِّفلِ
مُتَوقِّفٌ عَلى حُسنِ الرِّعايَةِ والتَّربيَةِ الَّتي يَتَلقّاها مِن أسرَتِهِ ،
فالأسرةُ بهذا المعنى هي المِقياسُ السَّليمِ للأمَّةِ النّاجِحَةِ. فَفي الأسـرَةِ
:
1 ـ يَبدَأ الطِّفلُ بِتَكوينِ
مَفهومِ الذّاتِ.
2 ـ يَكتَسِبُ اللُّغَةَ ،
ويَأخُذُ دِلالاتِ الألفاظِ والمعاني.
3 ـ يَتَعَلَّمُ لُغَةَ
التَّخاطُبِ والتَّعامُلِ مَعَ الجَماعَةِ.
4 ـ يَكتَسِبُ أنماطَ
السـُّلوكِ الاجتِماعيِّ.
5 ـ تُبْنَى مُحاكَمَتُهُ
العقليَّةُ ، ويَكتَسِبُ أنماطَ التَّفكيرِ بَعيداً عَنِ الأوهامِ .
6 ـ يَستَمِدُّ مُيولَهُ
وقيَمَهُ البيئيَّةِ والدّينيَّةِ والأخلاقيَّةِ .
7 ـ تُبنى شَخصيَّتُهُ الَّتي
يَتَوَقَّفُ عَليها سُلوكُهُ اللاحِقُ.
8 ـ يَكتَسِبُ خِبراتٍ
حَياتيَّةً مِنَ المَواقِفِ الَّتي مَرَّ بِها .
9ـ يَنمو ذَكاؤُهُ الفِطريُّ ،
ويَكتَسِبُ أنماطاً أخرى :كالذَّكاءِ الجانبيِّ وغيره.
10ـ يَنشَأ سَليمَ الجِسمِ
خالياً مِنَ الأمراضِ . ولكيْ تكونَ الأسرةُ قادِرَةً على إنشاءِ فَردٍ يَتَمَتَّعُ
بِهذِهِ الصِّفاتِ ؛ لابُدَّ أنْ يَكونَ الوالِدانِ طُموحَينِ ليَنشَأ الأبناءُ
مُتَطلِّعينَ إلى فَضاءاتِ الإبداع ، كأنْ يَزرعوا الطُّموحَ دائِماً في أذهانِهِم،
عنْ طريقِ التَّرغيبِ والتَّعزيزِ الإيجابي . فالأسرَةُ بِهَذِهِ الطَّريقَةِ
تُشَكِّلُ نَواةَ شَخصيَّةِ الفَردِ لِتَصِلَ إلى الشَّخصيَّةِ الإنسانيَّةِ
والاجتِماعيَّةِ الحَقيقيَّةِ ، والَّتي تُبعِدُنا عَنِ العُنفِ وتُوصِلُنا إلى
المُجتَمَعِ الأمثَلِ. وتَنمو بِها بِدايَةُ الحَياةِ الإنسانيَّةِ الَّتي تُعطيكَ
في طُفولَتِكَ مُحاضَراتٍ وشُروحاً في الحُبِّ والنُّفورِ..
في الاحتِرامِ والاستِهتارِ ،
وغَيرِ ذَلِكَ مِنْ أساليبِ التَّعامُلِ الاجتِماعيِّ ،وهذا يُساعِدُ الطِّفلَ في
حَياتِهِ الاجتِماعيَّةِ داخِلَ الأسرَةِ وخارِجِها وفي المراحل التي تعقب
طُفولَتِهِ. من كتابي فن تربية الطفل.