"الطرف الذي نؤيده صاحب الحقيقة المطلقة" ، "نحن سنفوز وهم سيخسرون" ، "نحن الأغلبية وهم الأقلية"، "نحن أصحاب كل شيء وهم لا شيء" ، "نحن وطنيون وهم من خانوا البلاد والعباد" ، "نحن أصحاب الحق وغيرنا من أصحاب الضلالة" ،" نعم هذه بعض العبارات إن لم تسمعها من أفواه الكثير من السوريين نطق بها ظاهر حالهم .

فثقافة التعاون والتسامح ملغية بشكل كامل في مجتمعنا. كل أحدٍ منا يدعم طرف من أطراف الصراع وبطريقة مستميته لا زيغ فيها ولا ريب، نصدق ما يأتينا منهم ولو كان من دون أي دليل ونشكك بالأخبار الآتية من الأطراف الأخرى ولو كانت مرفقة بألف ألف دليل.

فنحن مواطنون صالحون عندما نعطل عقلنا ونسلم بكل شيء أفضى أليه الطرف الذي نؤيده. وبعد ثلاث سنوات راودتني نفسي بسؤال أحسب أن أغلب من يهمهم مصلحة سوريا أعياهم الإجابة عليه كما أعياني وهو ،"بعد ثلاث سنوات من يهمه مصلحة الشعب السوري؟"

دعونا نبدأ بالنظام والمعارضة والذي حالهم اليوم كحال الشخص الذي قطع رأسه بسبب ألم شديد في أسنانه!!! فالنظام مستعد لفعل كل شيء من أجل أن يقضي على الجماعات المسلحة، والمعارضة مستعدة لفعل أي شيء للقضاء على الشبيحة وإسقاط النظام، ومستعدين للاستمرار بذلك وحتى لو كانت النتيجة أكثر من مئة ألف شهيد، وما يزيد عن سبعة ملايين مشرد ودمار مدن بالكامل.

فإن افترضنا أن النظام قضى على أخر مسلح موجود على الأراضي السورية، أو المعارضة قضت على أخر شبيح وأسقطت النظام فعلاً فهل يحق لأي من الطرفين أن يحتفل بالنصر؟ هل فعلاً ستكون النتيجة مصلحة الوطن؟. لو كان الطرفين صادقين ووطنيين فعلاً لكان جل أهدافكم يتمثل بوحدة الأراضي السورية، أعطاء الحياة الكريمة للمواطن السوري، تحسين الوضع الاقتصادي، أعادة المشردين إلى بيوتهم، تحسين مستوى التعليم.

ولكن ما وصلنا إليه بعد ثلاث سنوات ما هو إلا صراع على السلطة بين طرفين لا يعتبروا الشعب إلا وسيلة يستخدمونها لتحقيق غاية وللأسف هذه الغاية حتى الآن لا تتلاقى بأي شكل من الأشكال مع مصالح الشعب.

ستقول لي نعم ما قلت صحيح ولكن نريد التخلص من النظام لنعيش أحرار، والمؤيد سيقول ما نفع الحرية من دون أمان؟ دعونا نعيد الأمان لوطننا ومن ثم نفكر بالحرية وغيرها. وهنا يكون الجواب كيف يمكن أن نعيش أحراراً ونعيد الأمن والأمان إذا كانت الأطراف التي تمثلنا لا يردون على العمل القبيح إلا بعمل أقبح، ولا على الباطل إلا بباطل أكبر منه، ولا على الظلم إلا بالبطش، ولا على الوحدة إلا بالتفرق!!!. ولو كان أحد منهم ذو قضية عادلة ويريد الخير لنا (كشعب) لرد على القبح بالحسن وعلى الباطل بالحق وعلى الظلم بالعدل، لتركوا أسباب التفرق والتشتت وأصبحوا يداً واحدة لمساعد الشعب المسكين ولكن هؤلاء كبيضة الديك لا وجود لهم وإن وجدوا لاجتمعت المعارضة والنظام على محاربتهم (مثل: الشيخ معاذ الخطيب وغيره الكثيرون ممن نعرف ولا نعرف). وبالتالي إن كان هذا واقع الحال فهذا يعني أن أحد الطرفين قد ألزم خصمه بخصاله فصار الطرفين سواء ولا فرق بينهم إلا بالمسميات.

وهنا قد تقول لي "إذاً أنت تكفر بدماء الشهداء ممن ضحوا في سبيل تحقيق غاية الوطن التي نرنو إليه" وهنا أقول لا ولله لا أخون دمائهم ولكن أخشى عليك أن كنت تقاتل على الأرض فالذي تفعله قد يكون حق ولكن يتم استغلاله لتحقيق أمور باطلة وليس لك من نتيجة الأمر شيء سوى الإقصاء وخسارة النفس والأهل والمال. وإن كنت جالس في بيتك أو خارج البلد وتقول "أنا أساهم في مكاني أكثر من تواجدي على الأرض" ألا فاعلم أنك مقامر وما ذلك إلا حجه تتذرع بها لتجعل الغنم لك والغرم على غيرك. ولو أن مؤيدي النظام أو المعارضة علموا أن قرار الاستمرار سيقتلهم غداً لصرخ الجميع "أرجوكم أوقفوا القتال اليوم قبل الغد"، ولكن هكذا الحروب دوما تجعلنا نخسر أكثر الناس تضحية وشجاعة ليعلوا أصحاب الجشع والطمع على جثثهم الطاهرة.

أما الحديث عن الجماعات المتطرفة فيطول وقد لا ينتهي بالعديد من الكتب وليس بمقالة واحدة، فهم وبنظر أنفسهم المسلمون الأتقياء الأنقياء، أصحاب المذهب الحق، هم أصحاب الفرقة الناجية وكل من ليس على مذهبهم ما هو إلا من أهل الضلالة. وهنا لا بد أن نوضح بأن الدين بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف، إذ أنه لا يجوز نعت صفة الكفر بالجملة و أذا أرادوا أن يكفروا شخصاً فيجب تتبين الكفر الأكيد الذي لا يقبل شكً ولا واحد بالمئه،  فلا يجوز أن يقولوا مثلاً أن أهل القرية كلهم  كفار أو الطائفة الفلانيه جميعهم في النار. وإذا أرادوا أن يكفروا شخص فيجب أن يكون التكفير في القطعيات التي لا اختلاف فيها كإنكار وجوب الصلاة أو إنكار وجود لله أو غيرها.

وفي حال تبين الكفر الأكيد الذي لا شك فيه ولا ريب هنا لا تتعدى مسؤوليتهم سوى النصح والدعوى إلى الدين، لا أن يجبروا الناس على الدين إجبار أو أن يعملوا إلى قتلهم بحجة أنهم كفار، وكأنهم نسوا قول لله تعالى "لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ".

 ومن جهة أخرى البعض منهم قد بدأت صلاحياته تتجاوز صلاحية رسول لله صلى لله عليه وسلم، فأن رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا فيه العشرات من الآيات التي تقول "لست عليهم بمسيطر" ،"وما أنت عليهم بجبار" ، "وما أرسلناك عليهم وكيل" ،  "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" ،  "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظً" إن كانت هذه الآيات لرسول لله فكيف لرجل لا يوحى إليه أن يحكم على شخص أنه كافر وعقوبته القتل؟ وهل من ذنب في الدنيا أكبر من قتل شخص بحجة حماية الدين والتقرب من لله؟!!!   لا يا عزيزي حينما ترى شخصاً يبرر القتل ليحمي الدين فاعلم أما أنه أحمق ولا يعرف من الدين شيء، أو أنه كذاب أشر يسيء للدين من أجل أن يحمي حقوقه ومزاياه التي اكتسبها وما الدين إلا ذريعةً لحماية مصالحه.

في النهاية إن لم نقل عن الباطل أنه باطل بالفعل والقول فلن ينفع أحدا أن نقول ذلك بالقلب، لذلك لا للتخوين لا للتكفير لا للتعصب والانغلاقية لا للطرد من الملة لا للحكم على قلوب السوريين كلنا دفعنا وسندفع الثمن ولن يكون أحد منتصر أو غالب. دعونا نعمل عقولنا ولا نعطلها باسم المشايخ والمذاهب والسياسيين إذ ولله لن يقولوا لنا إلا كما قال إبليس (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)، دعونا نذكر قول السيد المسيح " تعرفون الحق والحق يحرركم وبقدر ما تعرف من الحق بقدر ما تتحرر وبقدر ما تجهل بقدر ما تستعبد".

دعونا نكون أحراراً وأمناء على الإنسانية كلها بدلاً من أن نكون إنسانيين مع الأطراف التي نؤيدها فقط. دعونا نترك السياسية لأهلها ونعمل نحن على أعادة بناء مجتمعنا ومساعدة بعضنا البعض، دعونا نقوم بثورات على أنفسنا ونصلح حالنا قبل أن نثور على غيرنا، دعونا نطبق المواعظ والحكم والآراء التي نعرفها وننصح بها الآخرين، إذ كيف نأمر الناس بالبر وننسى أنفسنا؟!!، دعونا نبحث على ما يجمعنا وكفانا تشتت وتفرقة فبعد ثلاث سنوات أصبح ما يجمعنا أمور كثيرة يفوق تصورها أهمها "وطناُ أصبح قبلة للعشاق كبرنا به وصار من حقه أن يكبر بنا".