يبدو المشهد في سوريا حالك السواد وفي احسن الاحوال ضبابي لا يمكن التكهن بما ستأتي به الايام على هذا البلد المنكوب.

الاحداث تتسارع نحو استحقاقات كبرى لا يمكن معرفة مستقبل ما ستكون الامور عليه الا بعد تجاوزها.

الانتخابات الرئاسية ، موعد تسليم المخزون من الاسلحة الكيماوية ، معركة الساحل ، تعزيز دعم المعارضة .. ، كلها عناصر تدخل في المعادلة ولكن هلا هناك أي ترابط بينها ؟

قدم النظام السوري في مناورة سياسية ناجحة ثمن بقائه في السلطة منذ وافق على تسليم اسلحته الكيماوية في مواعيد محددة وابدى التزاما معقولا في تنفيذ هذا الاتفاق وسط شكوك دولية مستمرة فيما اذا كان سيقوم ( النظام ) بالوفاء في هذا الالتزام حتى النهاية.

هناك عدة نظريات فيما يخص هذا الملف الذي قد تتمحور كل السياسة الدولية حوله في هذه الفترة.

نظرية النظام نفسه والتي يروج لها عبر وسائل اعلامه وتصريحات مسؤوليه وتتبناه الدول الحليفة له ، والذي يقول بانه ملتزم وبان التأخير الذي حدث في موضوع تدمير وتسليم الاسلحة الكيماوية هو جراء الاوضاع الامنية المتدهورة وبضع محاولات لاستهداف المخزون خلال نقله الى خارج سوريا عبر مرفأ اللاذقية.

اما المجتمع الدولي ومن خلال الكثير من التحليلات التي نشرت في الاونة الاخيرة والتصريحات ، يعتقد بان النظام يماطل وبانه يحاول الحصول على اكبر قدر من المكاسب لقاء استمراره في التعاون في هذا الملف ، وان حجة الاوضاع الامنية حجة واهية وبانه ( النظام ) قادر على الالتزام والوفاء بتعهداته في الوقت المحدد تماما.

لا شك ان وفاء سوريا بالتزاماتها الدولية امر يصب في مصلحة الدولة السورية في النهاية ، فالذي ابقى الدولة ومنعها من الانهيار امام ضربة عسكرية اميركية ( دولية ) محتملة هو الدبلوماسية السورية التي برعت في تجنيب سوريا مثل هذا الحدث الذي كان من شأنه ان يجر البلاد للانهيار التام ونشر الفوضى والوصول الى وضع كارثي اسوء من الوضع الذي نحن فيه.

الكثير منا يعلم بمدى الارتباط العضوي بين الدولة والنظام ، وان انهيار النظام حتما سيتبعه انهيار للدولة ، هذه المعضلة هي التي تدفع الحل في سوريا الى مسار وحيد هو الحل السياسي الذي من شأنه ان يحدث انتقالا للسلطة بموافقة كل الاطراف وفك الارتباط العضوي للدولة بالنظام ونقله تدريجيا الى هيئة سياسية مؤقتة تحافظ على الدولة وتمنع الانهيار.

قد يستغرب البعض بان الطريق الوحيد الذي يمكن ان ينقذ سوريا هو وفاء النظام بالتزاماته تجاه المجتمع الدولي وعدم استخدام هذه الاتفاقات لكسب الوقت والمراوغة.

فعندما يتأكد الغرب من شكوكه المعلنة حول التزام النظام فانه سيعود بلا شك للحل العسكري باشكاله المختلفة وصولا الى العودة لنكون تحت وطأة التهديد بضربة عسكرية.

تماسك الحل السياسي يبدأ من التزام النظام بتعهداته وبغض النظر فيما اذا كان تسليم الاسلحة الكيماوية من صالح سوريا او لا ، فان مردود هذا (الثمن) يستحق العناء في حال اوصلنا الى اتمام الانتقال الى مرحلة جديدة بتوافق دولي تبقي على المؤسسات وعلى توازن القوى الذي من شأنه ان يحمي المجتمع السوري من مجازر وكوارث قادمة.

ما اريد قوله ، بانه مرة اخرى بيد النظام ، ابتداءا من رأسه الى مكوناته السياسية وصولا للتنفيذية ، مصير ما تبقى من سوريا ، فاما ان يكون جادا في تعهداته الدولية ومستعد بعدها للخوض في مسار سياسي جدي لنقل سوريا الى نظام جديد ينقذ البلد من الغرق في فوضى دامية قد تستمر لعقود ، واما ان يكون مصرا على المراوغة وكسب الوقت للتملص من التزاماته معتقدا بانه سيكون في مقدوره اعادة السيطرة على الامور وحينها سينقلب الجميع عليه بما فيهم حلفائه الروس ويذهب هذا بنا كلنا الى ابعد من الكارثة التي نحن فيها .