syria-news.com
الصفحة الرئيسية
من نحن
اسرة الموقع
أكثر المواضيع قراءة
الإعلان في سيريانيوز
الإتصال بنا
الجمهورية العربية المتحدة ...  الانفصال .. (الجزء الثاني)
اخبار وصحف ايام زمان

بشير العظمة يتحدث عن تزوير استفتاء الوحدة

والبارودي يحذر المشير عامر ... لقد بدأ الخوف والنتائج أكبر مما تتصور

" تحمست للوحدة مع مصر، وشاركت في تزوير الاستفتاء على الدستور وانتخاب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة، لتبلغ نسبة القائلين نعم 99.98% بأن أدليت بصوتي في عدة صناديق اقتراع، وكأن القائمين على الاستفتاء من الأجهزة عاجزون عن ملئها دون عناء ".


هذا الكلام الذي قاله بشير العظمة أحد وزراء عهد الوحدة في كتابه جيل الهزيمة، يدل بشكل أو بآخر عن الوحدة المتسرعة المتهورة التي قامت في 22 شباط 1958، وكيف تم استخدام الاندفاع والحماس القومي لدى الشعب السوري ليُحكم الرئيس جمال عبد الناصر قبضته على سوريا، بعد أن رفض أي شكل من أشكال الاتحاد، ولم يقبل إلا بشكل وحيد، هو الوحدة الاندماجية التامة، على الرغم من التحذير المستمر لكبار السياسيين والقادة لعواقب هذه الوحدة.

 

بعد ثمانية أشهر من الحماس المنقطع النظير للوحدة مع مصر، بدأت سلبيات الوحدة تتكشف، وبدأت مظالم الناس تزداد يوماً بعد يوم، فلقد أدخل عبد الناصر مفهوماً جديداً من مفاهيم الحكم لم يكن موجوداً في سوريا، وهو مفهموم الحكم الأمني الاستخباراتي الديكتاتوري الفردي، وبات أشد المتحمسين للوحدة أمثال أكرم الحوراني وصلاح البيطار وغيرهم يفكرون جدياً بالاستقالة من منصبهم (الفخري) كنواب لرئيس الجمهورية، كونهم لايملكون أدنى صلاحيات في هذه الوحدة الجديدة.

 

استهل الرئيس جمال عبد الناصر عهده كرئيس للجمهورية العربية المتحدة من خلال التضييق على الحريات، وتعيين الأشخاص الأسوء ليتسلموا زمام الأمور في سوريا، ابتداءاً من صديقه ورئيس أركانه المشير عبد الحكيم عامر الذي عينه نائباً له في الإقليم السوري، وانتهاءاً بعبد الحميد السراج الشخص الذي لطالما تحدث السوريون عن مظالمه خلال رئاسته للمكتب الثاني قبل الوحدة، إلا أن عبد الناصر لم يهتم لكل ماقيل عنه بل رفعه وجعله الرجل الثاني في الإقليم السوري من بعده وسلمه وزارة الداخلية يتصرف بها كما يحلوا له دون رقيب أو حسيب، وهنا بدأت المصائب تنهال على سوريا وشعبها، بين الشخصين اللذين أصبحا فيما بعد من ألد الأعداء ألا وهما نائبا الرئيس في القاهرة المشير عبد الحكيم عامر وعبد الحميد السراج.

 

أما بقية الزعماء والقادة السياسيين فلم يسلموا من مصائب الوحدة، فمنهم من تم تعينه نائباً فخرياً لعبد الناصر لا أكثر، ومنهم من اعتقل ومنهم من فر خارج البلاد هرباً من الوحدة ومصائبها ومظالمها.

 

لم يكتف عبد الناصر بحل الأحزاب السورية ليقضي على الديمقراطية في هذه البلاد، بل قام وبإيعاز من عبد الحميد السراج بإصدار مرسوم يقضي بإغلاق وانهاء امتيازات الصحف السورية، بعد التعويض عليها، وهنا تحولت البلد التي فيها أكثر من عشرات الصحف الحرة، إلى دولة لا يوجد فيها أكثر من عشر صحف جميعها خاضعة للرقابة من قبل رجالات عبد الحميد السراج، منع عنها الحديث عن القائد الأوحد جمال عبد الناصر ورجالاته في الإقليم السوري منعاً باتاً وإلا تعرضت لما حل بزميلاتها من إغلاق ومصادرة امتيازات.

 

على الصعيد العسكري، تم تدمير بنية الجيش السوري تدميراً ممنهجاً من قبل المشير عبد الحكيم عامر، وبأوامر من الرئيس جمال عبد الناصر، فتم استبعاد عفيف البزرة قائد الجيش السوري ووضعه في الإقامة الجبرية بمصر، وتم تسريح نسبة كبيرة من الضباط السوريين المشهود لهم بالكفاءة والأمانة، وتم تعيين الضباط المصريين بدلاً عنهم ليكونوا أوصياء على الضباط السوريين، وبذلك أصبح الضابط المصري في الجمهورية المتحدة بدرجة أعلى بكثير من الضباط السوريين فقط لأنهم ينتمون للإقليم الجنوبي المصري، وبشكل مخالف لدستور الجمهورية العربية المتحدة الذي كان يقضي بالمساواة بين جميع أبنائها.

 

أما فيما يتعلق بالاقتصاد السوري الذي كان في أوجه ماقبل الوحدة، فقد تم تدمير الاقتصاد والصناعة والزراعة السورية من خلال مراسيم التأميم والإصلاح الزراعي الغير مدروسة، هذه المشاريع التي أصابت البلاد بالكساد وأضعفت النتاج الصناعي والزراعي السوري حتى أوصلته إلى الحضيض، وخير شاهد على ذلك الرسالة التي أرسلها المرحوم فخري البارودي للمشير عبد الحكيم عامر يخبره بها أن " الخوف قد بدأ ... والنتائج أكبر مما تتصور " ومما جاء في هذه الرسالة :

 

( ..... ياسيادة المشير !
نحن اليوم على أبواب مرحلة جديدة، في تأسيس كياننا الدولي، وغداً سيفتتح مجلس الأمة، ولست أدري تفهم أعضائه لنظام الاتحاد القومي بروحه وجوهره. ولست وحدي في حيرة من الأمر، مهما حاولت فهم الشروح والتفسيرات التي تصدر كل يوم عن شخص مسؤول أو عن أشخاص غير مسؤولين. وقد اجتمعت إلى الكثير من أعضاء الاتحاد وسألتهم فأجابوا أنهم لايعلمون شيئاً عما سيفعلون. وغالباً ماتكون قيمة الأعمال الباهرة على مقدار تفهم الرجال لهذه الأعمال.
    

سيادة المشير !!
نحن إلى الآن لن ندرك مدى مايفعله سلاح الدعاية فأهملنا هذا السلاح، ولم يعد لنا الأجهزة الكافية لرد دعايات أعدائنا بحقنا بدعاياتنا المضادة.
إن الدولة الناشئة عادة لاتخلوا سياساتها الانشائية من أخطاء وإنما تظهر قوة الدولة في تحري أخطائها، وابتكار الأساليب لتصحيح هذه الأخطاء. وإني أرى بعين مجردة مخلصة ونظرة بريئة من كل غرض، أنه من أكبر هذه الأخطاء، هو قانون الإصلاح الزراعي، وفي يقيني أن الواجب يقضي إزالة الممنوع بعد أن زال المانع، ذلك ل
أن النتائج السيئة التي نشأت عن تطبيق هذا القانون كانت أعظم مما نتصور، ولايطيق الشعب المناضل الكادح ان يتحمل سوء هذه النتائج أمداً طويلاً لأن في ذلك إرهاقاً لجسده وقتلاً لكل نشاط، وقضاء على كل أمل في مستقبل باسم .
 

إن الحالة الاقتصادية في البلاد تدعوا إلى التفكير العميق، فالمواسم الشتوية الثلاثة الأخيرة جاءت سيئة، وبدأ الفقر على بعض المناطق، وفي الوقت نفسه تسرب الخوف إلى قلوب الناس نتيجة القوانين الجائرة، كقانون إنشاء المؤسسة الاقتصادية، وقانون العمل الموحد وغيره من القوانين الجائرة ... أو من نتائج الاشاعات التي حاقت بالدولة فهذا يقول إن دولتنا اشتراكية ولن تبقى فيها ملكية صناعية أو زراعية أو عقارية لأي مواطن، وذلك يدعي بأنه سمع بأشكال وأنواع من استيلاء الدولة على اموال الناس، مما يشبه البلاد الاشتراكية المتطرفة كيغوسلافيا .
 

فهذ الاشاعات سببت القلق والخوف في نفوس أصحاب المشاريع والأموال فمنهم من يكتم قلقه إلى حين وقد هرب كثير من المواطنين قسماً كبيراً من أموالهم. ومنهم من أخذ يهرب أمواله إلى بلد قريب أو أطلق الحرية والربح إلى ما لانهاية، وتطرف في ذلك حتى طبق سرية الحسابات في المصارف وإعفاء فوائد الودائع من الضرائب.
 

وبين القلق والتخوف وعدم الطمأنينة وبين هذه المغريات من كل نوع يقف أصحاب المشاريع ورؤوس الأموال في معركة لن تكون خير لاقتصاديات بلدنا وقد تزول الثقة من النفوس. وإذا فقدت الثقة فالخطر لا سمح الله واقع . وفي ذلك تهديد لبرنامج التصنيع والتنمية الاقتصادية ولنقدنا ولمستوى معيشتنا وبالخلاصة تهديد لكياننا .
 

يا سيادة المشير ........
إن الرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه . وفقكم الله إلى مافيه الخير والصلاح والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.)

 

أما على الصعيد الخارجي، فلقد أدخل عبد الناصر سورية في لعبة هي بعيدة كل البعد عنها، وهي لعبة المهاترات والعداء مع الدول العربية قبل الدول الأجنبية، ففي حين أن الرئيس عبد الناصر لم يقم بأي إجراء على الحدود السورية الإسرائيلية منذ قيام الوحدة، بل على العكس زاد التمادي الإسرائيلي على الحدود، نجد أن عبد الناصر قد شكل أحقاد ومشاكل مع الدول العربية جميعاً من العراق إلى السعودية إلى الأردن ولبنان حتى اليمن، لم يترك عبد الناصر أية دولة عربية لم يتدخل بشؤونها ولم يثير القلاقل بداخل أراضيها، ولم يرتب عداوة معها فباتت جميع هذه الدول على عداء كبير مع سورية، عداء لم يكن أي رئيس سوي سابق لعهد الوحدة يقبل أن يكون موجوداً، بين دولته السورية وأي دولة عربية أخرى.

 

أما كيفية تشكيل الوزارة الاتحادية داخل الجمهورية العربية المتحدة، فلم يكن على أساس الكفاءة والخبرة بل كان بموجب تقارير استخباراتية بين موالٍ للوحدة وقائدها عبد الناصر وبين معارض لها، هذا الشكل من أشكال انتقاء الوزراء لم تعرفه الوزارات السورية سابقاً، تلك الوزارات التي كانت تتألف من مختلف أطياف المجتمع السوري على اختلاف انتماءاته، وبهذا الصدد يخبرنا الوزير بشير العظمة وزير الصحة في الحكومة الاتحادية  عن كيفية اختيار الوزراء واخياره لمنصب وزير الصحة بذلك الوقت فيقول:

 

( يطلب من أي متقدم لوظيفة ولو في مستوى حارس ليلي أو آذن مدرسة مؤهلات تفيد بأنه صالح للقيام بالمهام الموكولة إليه، بينما يكفي تقرير المخابرات أو شهادة ضابط في الأجهزة ليتم الترشيح والموافقة على منصب الوزير في الجمهورية العربية المتحدة ....)

 

ثم يضيف متحدثاُ على الشكل الجديد بالحكم الذي جاء به عبد الناصر لسوريا فيقول:

( قصدت مركز عملي الجديد بعد تعييني وزير للصحة بالحكومة لأبلغه قبل ربع ساعة من الدوام الرسمي، كأي موظف متحمس ليكون أمثولة للتابعين له، وصلت إلى بوابة المبنى ماشياً على قدمي وهو لايبعد أكثر من مئتي متر عن منزلي، فاستوقفني الجندي الحارس، فقلت له:

"وزير الصحة" فقال: " لم يأتِ بعد" قلت له : "هو أنا ". أفسح لي بإشارة والشك واضح في حركاته وسحنته، أفهمني مدير المكتب بعد ذلك بأن التقاليد لابد وأن تراعى، فالوزير لايحضر لوزارته قبل الحادية عشر، ولو توفر لديه الوقت لذلك.

 

إخفاء وحجب الملوك والوزراء والأمراء عن الأنظار إجراءات لها ضرورتها، لتبقى صورة القائد في خيال الجماهير أقرب إلى صور الآلهة والأئمة نقية وطاهرة.

 

لم تعرف سوريا في تاريخها الحديث الملكية والحاشية والبلاط والحجاب، كان شكري القوتلي رئيس الجمهورية قبل قيام الوحدة يسكن في شقة مستأجرة عادية جداً في حي الجسر الأبيض وحارسه شرطي يداوم نهاراً فقط).

 

هذا ماقاله أحد وزراء عهد الوحدة البائد، الوحدة التي جثمت على صدور السوريين أكثر من ثلاث سنوات، لم يذق فيها السوريون يوماً واحداً من الراحة، الوحدة التي لم تحقق حتى واحد بالمائة من طموح الجماهير الملتفة حول عبد الناصر تتغنى بالوحدة العربية، لقد استطاع الرئيس جمال عبد الناصر ان يفقد شعبيته بسرعة قياسية في سورية، استطاع أن ينمي الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد بسبب الخلافات التي صنعها بيديه بين الجمهورية العربية المتحدة، والدول العربية الأخرى، كل هذا قاد الضابط عبد الكريم النحلاوي ليقوم بانقلاب ضد الوحدة والانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة في صبيحة 28 أيلول 1961 لتنهي عهداً من الظلم والاستبداد ولتمهد لعهود من الدكتاتوريات الفردية المتسلطة التي تتغنى إلى اليوم بعبد الناصر والوحدة مع مصر، وخير ما نختم به هذا المقال هو ما قاله رئيس الوزراء في عهد الانفصال خالد العظم في مذكراته حيث جاء فيها:

 

"  "لقد توالت على مسمعي البلاغات فظننت أنني في حلم، وجلسنا جميعا حول المذياع نتمتع بسماع الأخبار المسرة المفرحة ولا سيما النشيد السوري الذي حرمنا سماعه، فاغرورقت عيناي بدموع الفرح لانهيار حكم بوليسي تعسفي لاقت منه سورية الأمرين، ونحن مع أننا دعاة وحدة إلا اننا لسنا من مؤيدي هذا النظام الذي أزال سورية من الوجود، وابعد زعماءها، ونكل بالمواطنين وأطاح باقتصاد سورية، وسلط الموظفين والمباحث المصريين على شؤون البلاد".

 

المراجع:

1-    مذكرات أكرم الحوراني الجزء الخامس والسادس.

2-    مذكرات خالد العظم .

3-    كتاب اعترافات شامي عتيق للصحفي عبد الغني العطري.

4-    كتاب جيل الهزيمة للدكتور بشير العظمة.

5-    مذكراتي عن فترة الانفصال في سورية – عبد الكريم زهر الدين.

6-    ماذا يجري في سورية؟؟ ولماذا فشلت الوحدة؟؟؟ المحامي نزار عرابي.

7-    كتاب وطن وعسكر – مطيع السمان.

8-    فجر الاستقلال في سورية – محمد سهيل العشي.

9-    مجموعة من الصحف والمجلات السورية المحفوظة في إرشيف سيريانيوز.


2014-09-15 00:42:46
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:



شارك بالتعليق
موفق تفكجي2014-09-24 22:51:05
ومازلنا إلى الأبد
الله يرحم جدي كان يقلي كلشي بيتصلح بالعالم إلا أغلاط الوحدة تفشت بالمجتمع وماعاد تتصلح ... شكراً سيريانيوز لتأكيد كلام جدي
-سوريا
حسام يبرودي2014-09-21 11:33:48
العقل زينة ...
فيه برنامج لزياد الرحباني اسموا العقل زينة ... وبالظاهر نحنا مكان عنى عقل وقت قبلنا نعمل وحدة مع مصر ..
-سوريا
مواطن سوري2014-09-16 15:49:47
دورة تدريبية
لقد كانت هذه السنوات الثلاث عبارة عن دورة تدريبية للبعثيين تعلموا خلالها كيف يمكن تدمير البلاد و بعد انقلات 1963 كان لديهم الوقت الكافي لتطبيق كل ما تعلموه و في النهاية سبقوا استاذهم ***
سوريا
مواطن تعيس2014-09-15 12:30:20
هذا ما جنته علينا الوحدة والاشتراكية
صحيح كل ما ورد في المقال والأدهى هو تدمير الاقتصاد الممنهج وهروب رؤوس الأموال، هذا النزيف المستمر الذي لم ينتهي حتى الآن وكان وما يزال يصب للأسف أكثر ما يصب في لبنان التي يناصبنا أغلب أبناءها (الأشقاء) العداء. بلد ذو مقومات اقتصادية عظيمة سلم مقدراته للآخرين وأفقر وأذل شعبه وما يزال. المسلسل مستمر والأجزاء أصبحت أكثر قتامة وسوداوية ولا أمل إلا برب العالمين أن يسدل الستار عن مأساتنا... رحماك يا رب.
-سوريا
محمد قابوني2014-09-15 12:26:30
99.99%
هذه هي الأنظمة الدكتاتورية واستفتاءاتها قائمة دائماً على التزوير واستغلال طيبة الشعوب ...
-البحرين