syria-news.com
الصفحة الرئيسية
من نحن
اسرة الموقع
أكثر المواضيع قراءة
الإعلان في سيريانيوز
الإتصال بنا
الاستراتيجية الوداعية لأوباما: سنة أخرى من التردد واللاقرار .. صحيفة العرب القطرية
صحافة وإعلام

عبد الوهاب بدرخان
هل هي نظرية جديدة لـ «الأمن القومي»؟ وإلا فما الذي يعنيه الرئيس الأميركي حين يدعو إلى التحلي بـ «الصبر الاستراتيجي»؟ لا بد أنه يبدي إصراراً على أن خياراته صحيحة، وكذلك قراراته، لكن نتائجها تحتاج إلى وقت وانتظار،


وبالتالي إلى صبر، قبل أن تظهر. باق من ولاية باراك أوباما سنة، ولن تكون كافية لإثبات مدى صواب وجهة نظره، ولم يمض وقت طويل منذ أطلق التصريحات التي اعترف فيها بأن تقديرات إدارته، بالأحرى تقديراته، بالنسبة إلى الخطورة التي يمثلها تنظيم «الدولة الإسلامية» «داعش». كان عليه أن يقول ذلك بعدما اضطر -متأخراً- إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة هذا التنظيم، وهو الذي قاوم بشدة أي احتمال لتدخل عسكري في الخارج، مهما كان حجمه أو نوعه.
ولا تلقي وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» التي قدمها أوباما أخيراً إلى الكونجرس ضوءاً على أي جديد مزمع في سياساته الخارجية، لكنها تؤكد المعروف والمؤكد من نمط تفكيره الحذر والمتمهل والمتردد، وتفترض أنه النهج الصحيح بمعزل عن انعكاساته الكارثية على العديد من البلدان والشعوب، خصوصاً في المنطقة العربية. وبمقدار ما أن أوباما يتوجه إلى الأميركي العادي فإنه يلقى صدى طيباً، إذ يقول له إن الرئيس طوى صفحة الحروب (ما لم يثبت بعد)، وفضل عدم التسرع بإقحام جنود أميركيين في أماكن بعيدة عن ديارهم، كما بل أنزل عدد الجنود في الخارج من 180 ألفاً إلى 15 ألفاً، وآثر الاهتمام باستعادة القوة الاقتصادية لأميركا لتكون «مصدر قوتنا ومصدراً مهماً لنفوذنا في الخارج». والواقع أن السياسات الخارجية التي تقود إلى نزاعات لم تكن يوماً محور اهتمام الأميركي العادي الذي يؤيد بلا شك توجهات أوباما، كما لم يكن يوماً صاحب القرار فيها. أما أن يقال له إن هذا «الانسحاب» من الخارج يعني تعزيزاً للوضع الاقتصادي الداخلي فهذا ما يحب أن يسمعه، أياً كان الحزب الحاكم.
في المقابل كانت شعوب كثيرة ولا تزال تعتبر تدخلات الولايات المتحدة مصدراً رئيسياً لمصائبها، ويفترض إذا أن تكون مرحبة بهذا التغيير الجوهري الذي أجراه أوباما، أو يعتقد أنه أدخله إلى صميم «مؤسسة الحكم» وأيديولوجيتها الهاجسة دائماً بالهيمنة. هنا لا بد من ملاحظتين: أولاهما أن مثل هذا التغيير يستحق الترحيب لو أنه أدير بذهنية تصفية النزاعات والأوضاع الصراعية المعقدة التي ترتبت عن السياسات السابقة التي لا تزال آثارها متفاعلة إلى اليوم، كما في العراق وفلسطين وسوريا وأفغانستان. والثانية أن نهاية عهد أوباما قد تكون أيضاً نهاية هذا التغيير، فالاستمرارية ليست سمة السياسة الأميركية وفقاً لما أظهره تقلب التزاماتها من إدارة إلى إدارة... وفي هذه الحال يكون أوباما برهن شيئاً واحداً، وهو أن النتائج ستكون سيئة وسلبية هي ذاتها سواء تدخلت الولايات المتحدة أم لم تتدخل.
ومن «الصبر والمثابرة» إلى «الأمن القومي الذكي»، هذا هو الشعار/ النهج الآخر لأوباما الذي «لا يستند فقط إلى القوة العسكرية». وترجمته العملية أن تحصل أميركا على مصالحها وتحقق أهدافها بأقل الأكلاف والأعباء، وأيضاً بالبدء باعتماد وكلاء إقليميين للقيام بالمهمات لقاء مكاسب لا تخسر أميركا فيها شيئاً. والذريعة الأساسية في هذا المجال أن «العالم معقد» (متى لم يكن كذلك؟)، وفيه مسائل أمنية «لا تحتمل أن نواجهها بأجوبة سهلة وسريعة». أي أن أوباما لم يتعلم بالتجربة أن تسويف القرارات جعل أميركا تذهب من مواجهة مشاكل صعبة إلى مواجهة مشاكل أكثر صعوبة وتعقيداً. ولعل التجربة السورية أفضل مثال على أن اللاقرار في الوقت المناسب أدى اللافاعلية في الوقت الضروري. وإذ ينوه أوباما بقيادة أميركا للتحالف ضد الإرهاب، فإنه لا يجهل، ولا أركان إدارته يجهلون، أن «الحلفاء» لم يثقوا بالاستراتيجية التي تبنتها واشنطن لهذه الحرب ولم يكفوا عن انتقادها والتساؤل عما تريده في نهاية المطاف.
في الوثيقة الجديدة يكرر أوباما التزامه نقل ثقل الاهتمام الأميركي إلى الاستثمار في منطقة آسيا والمحيط الهادي. ويعتقد العديد من البحاثة والمحللين أن تركيز الإدارة الأميركية الحالية على التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وبالتالي تطبيع العلاقة معها، باعتباره عنصراً لازماً وضرورياً في ترتيب استراتيجيتها الآسيوية. غير أن حصر الأمر في الأزمة النووية والاستعداد لتقديم «تنازلات سياسية» لقاء تسوية بشأنها وتجاهل التدخلات الإيرانية في محيطها العربي لا يعالج الأزمات الكثيرة التي زرعتها إيران لترهيب جيرانها وتعريض الاستقرار الإقليمي لتوترات مستديمة، بل تؤسس لمرحلة صراعات طويلة وخطيرة. وكانت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية خلال الولاية الأولى لأوباما، وكذلك وزير الدفاع السابق روبرت جيتس، أشارا إلى غياب «عقيدة حقيقية» للسياسة الخارجية لدى الرئيس. وإذ ذكرت كلينتون أن أوباما كان يردد عبارة «لا تقوموا بأمور حمقاء» في إشارة إلى قرارات سلفه جورج دبليو بوش، ولتبرير تردده، فإن أقل ما يمكن قوله في اندفاعه الإيراني هو أيضاً: «لا تقوموا بأمور حمقاء».
بدأ أوباما عهده مطلع 2009 باندفاع نحو الشرق الأوسط، سعياً إلى إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويبدو أنه رضخ للفرملة المنظمة التي اتبعها معه بنيامين نتنياهو، إذ إن استراتيجيته للأمن القومي لا تأتي على ذكر هذا النزاع الأساسي الذي احتل منزلة ذات أولوية في استراتيجيته السابقة (2010) وتورطت فيه الولايات المتحدة بأسوأ أنواع الانحياز. وإذ أشار مجدداً إلى الانسحاب من العراق، فبعد الحدث «الداعشي» المستفحل لم يعد أحد ينظر إلى ذلك الانسحاب باعتباره «إنجازاً». لكن الخلاصة القديمة- الجديدة لتوصيف سياسات واشنطن، سواء كان الرئيس ديمقراطياً أو جمهورياً، أبيض أو أسود، هي أن المصالح الأميركية لا تتطابق مع مصالح الشعوب التي تتدخل أميركا في شؤونها.


2015-02-09 15:55:50
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:



شارك بالتعليق