الصحافة
التي أفلتت من أغلال الدولة العثمانية ...
صحيفة واحدة
تتحول إلى مائة صحيفة ...
الثورة ... البعث ... وتشرين
وبعض الصحف المستقلة شكلاً والتابعة لسلطة الدولة وأفكارها ومعتقداتها قولاً وفعلاً
...
هي الشكل الوحيد من الصحف
الورقية الذي تراه في سوريا ابتداءاً من محاربة جمال عبد الناصر لحرية الصحافة
والصحافيين في سورية، وانتهاءاً بالضربة القاضية للصحافة السورية التي جاءت مع
انقلاب حزب البعث في 8 آذار 1963 وما تبعها من انقلابات عسكرية آخرها في العام 1970
على يد اللواء حافظ الأسد أو ماسمي قسراً بالحركة التصحيحية.
حتى المواقع الصحفية
الالكترونية في سوريا لم تسلم من ملاحقة الرقابة لها، فإما السير على هدي الدولة
ومخططها والتهليل لها، وإما الحجب والإقصاء ....
فهل عانت الصحافة من الشح
والتبعية يوماً ... مثلما تعانيه اليوم ...؟؟؟؟
للإجابة على هذا السؤال ليس
لدينا إلا العودة إلى تاريخ الصحافة السورية، لأنها الأصدق والأقدر على الإجابة على
هذا السؤال ....
والحقيقة أنه وقبل شروق شمس
الصحافة على الصحافة السورية، وبالضبط في النصف الأول من القرن التاسع عشر، شهدت
سورية نهضة علمية وأدبية كبيرة سببها فتح أبواب التجارة ومسارعة الأجانب بالحضور
إلى سوريا، وثانيها انتشار مطبوعات بولاق ومطابع الآداب الشرقية، وأخيراً وليس
آخراً، الدور الذي لعبه رجالات الدولة العثمانية الذين نهلوا من حضارة أوروبا
وحاولوا نشرها في أرقاع الدولة العثمانية، فكان لهذه العوامل الأثر الإيجابي في
النفوس للبدء بمسيرة البحث عن صحافة سورية خالصة تختص فقط بالشأن السوري، ومن هنا
انتشرت فكرة الصحافة المغلفة بالطابع المحلي والمرتبطة بشكل عضوي بالجمعيات
الدينية، ومن أوائل الصحف والمجلات الصادرة في سورية مجلة "أعمال الجمعية السورية"
والتي أصدرها في بيروت الشيخ ناصيف اليازجي في العام 1852 والتابعة للجمعية
السورية، وكان هدفها نشر العلوم والفنون بين العرب عام والشاميين خاصة.
وفي الآستانة ظهرت الصحافة
الشامية على أيدي صحفيين سوريين موجودين فيها، فكانت أول صحيفة عربية أسست في
استنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية، هي صحيفة "مرآة الأحوال" لصاحبها "رزق الله
حسون" الحلبي المنشئ في العام 1855، ولاقت هذه الصحيفة رواجاً سريعاً وكبيراً في
الأوساط السورية، وكانت تختص بنشر الأخبار الرسمية والمحلية مع الأخبار الاقتصادية
والمتنوعة.
ثم تتالت الصحف السورية التي
تصدر باللغة العربية في قلب العاصمة العثمانية، فكانت صحيفة "السلطنة" لصاحبها
السوري "إسكندر شلهوب" وكان ذلك في العام 1858.
أما أول صحيفة صدرت في سورية
بتصريح رسمي من السلطات العثمانية، هي صحيفة "حديقة الأخبار" التي كانت تصدر في
بيروت عام 1858.
وخلال هذه الفترة صدرت عدة صحف
سورية أخرى في استنبول ومنها: صحيفة عطارد، صحيفة برجيس باريس، صحيفة الجوائب ....
وفي
أواخر العهد العثماني في سوريا، تخوف الولاة العثمانيون من الانفتاح الكبير
للصحافة، وأن يصدر فيها ما يقلق الإمبراطورية العثمانية ويحرض عليها، فبدأت تستخدم
أساليب الرقابة واستمالة الصحف إلى جانبها، وتعطيل الصحف الجريئة ذات النزعة
القومية، وفي هذا المناخ نشأت أول وأقدم صحيفة أنشئت في دمشق، وهي صحيفة "سورية"
والتي أنشأت في دمشق 19 تشرين الثاني عام 1865، وكانت تطبع باللغتين العربية
والتركية في أربع صفحات، ومن الذين كانوا يحررون القسم العربي فيها، الصحفي أديب
نظمي والصحفي محمد كرد علي.
وقد تخصصت هذه الصحيفة بنشر
الأوامر الحكومية، وتسجيل الحوادث الرسمية فيها من عزل وتنصيب الولاة بالإضافة إلى
إعلانات دوائر الدولة.
ظلت هذه الصحيفة مستمرة في
صدورها حتى انحسار سيطرة الدولة العثمانية عن الأقطار العربية عام 1918 وبذلك بلغت
في عمرها حوالي الخمسين عاماً.
وفي حلب، صدرت ثاني الصحف
الرسمية عام 1867 باسم صحيفة "غدير الفرات" وهي الصحيفة الرسمية الأولى لولاية حلب،
وكانت شديدة الشبه بصحيفة "سورية" من حيث الشكل والمضمون، إلا أنها كانت تفترق عنها
بصدور أعداد كبيرة منها باللغة الأرمنية بالإضافة إلى اللغة العربية والتركية.
أما في الصحافة الخاصة، فكانت
صحيفة "دمشق" التي أصدرها أحمد عزت باشا العابد في عام 1878، وكانت تصدر بشكل
متقطع، وذات تنوع شامل في مضمونها.
أما أولى المجلات، فكانت مجلة
"مرآة الأخلاق" التي أصدرها الصحفيين السوريين سليم وحنا عنجوري.
وكانت جريدة "الشهباء" التي
أسسها العلامة والأديب الكبير عبد الرحمن الكواكبي عام 1877 في ولاية حلب، من أول
الصحف التي انتقدت وبشكل مباشر مظالم الدولة السورية في العهد العثماني، وانتقدت
الوالي نفسه، وطالبت بمحاربة الاستبداد، فكانت من الصحف التي أخافت الدولة
العثمانية، وكان صاحبها الكواكبي من الصحفيين الذين أخافوا السلطان عبد الحميد
الثاني بفكره الوقاد المطالب بالاستقلال، وقد أغلقت هذه الصحيفة بعد صدور خمسة عشر
عدداً منها.
في هذه المرحلة بدأت الصحافة
السورية تهتم بالشأن الداخلي السوري، وتروج بمعظمها لفكر القومية العربية، باستثناء
القلة القليلة منها التي كانت مؤيدة بشكل كبير للدولة العثمانية وسياساتها، ومن
الصحف والمجلات التي انتشرت في تلك الحقبة: صحيفة الشام 1896، صحيفة الاعتدال 1879
وغيرها من الصحف السورية.
واستمر التشدد والرقابة على
الصحافة في عهد الدولة العثمانية، حتى العام 1908، حيث تم إعلان الدستور، وتقويض
أركان الحكومة المطلقة، ماولد لدى جميع الولايات السورية كما في سائر الولايات
العربية، موجة عارمة من المسرات والابتهاج والسرور.
وفي هذا الصدد، يقول السياسي
المحنك "فخري البارودي" مايلي:
" بإعلان الدستور، فتح باب
الصحافة على مصراعيه، فصدرت في دمشق أول جريدة يومية متزنة ووطنية هي جريدة
(المقتبس) للأستاذ محمد كرد علي، وكانت إدراتها مجمعاً للعلماء والأدباء والمفكرين
من العرب على اختلاف أفكارهم ....."
كل هذه الامتيازات التي تمتعت
بها الصحافة السورية في العهد الدستوري الجديد، جعلها تنعم بحرية لم تكن تتوقعها
منذ سنوات طويلة وقد بلغ مجموع ماصدر من الصحف في كل من دمشق وحلب وحمص وحماة
واللاذقية ودير الزور من العام 1908 وحتى إعلان الحرب العالمية الأولى عام 1914
أكثر من مائة جريدة ومجلة، منها صحيفة القبس 1913والمقتبس 1907 وتكمل التي احتجبت
فترة من الزمن ثم عادت للظهور باسم صحيفة هلال عثماني وصحيفة حمص 1909 وصحيفة حط
بالخرج 1909 ودمشق 1909 وظهرك بالك 1909 موارد الحكمة 1909 الراوي 1909 حمارة بلدنا
1910 وغيرها الكثير من الصحف والمجلات.
والجدير بالذكر أن العديد من
هذه الصحف والمجلات كانت تتعرض للتعطيل من قبل الحكومة الاتحادية، إلا أنها كانت
تصر على الظهور ولو بأسماء مختلفة، وكانت نهضة صحفية سياسية كبيرة قد دخلت الأوساط
السورية وظن الجميع أنها لن تخرج منها أبد الحياة ....
وجاء العهد الفيصلي من العام
1918 وحتى تأسيس المملكة السورية الأولى في 8 آذار 1920 وحمل معه انفتاحاً كبيراً
على عالم الصحافة والأدب والعلوم، فكانت صحيفة "لسان العرب" أول صحيفة تصدر في دمشق
بالعهد الفيصلي أصدرها خير الدين الزركلي عام 1918، كما صدرت صحيفة الاستقلال
العربي وسورية الجديدة والحياة والحسام وحرمون، والكثير الكثير من الصحف والمجلات
السورية، التي كانت تحمل نسمات الحرية الصحافية، وخاصة أن الملك فيصل بدأ عهده بدعم
كامل للصحافة من خلال دعوة رؤساء تحرير الصحف الدمشقية وطلب منهم دعم الروح الوطنية
الاستقلالية، وأعطاهم الحرية التامة في التعبير عن آرائهم وأفكارهم في الصحف التي
يصدرونها.
إن النظام الديمقراطي الذي
اتبعه الملك فيصل مع الصحافة، قد شجع على إصدار الصحف ونشرها بكثرة في البلاد
السورية، بعدما تمتعت بحريتها التامة، وباتت بعيدة عن أي رقابة، كما أخذت تميل إلى
التخصص، إلى جانب كثرة صدور المجلات العلمية والثقافية، التي تهدف إلى تثقيف الرأي
العام السوري، والنهوض بها إلى مصاف الدول الأوروبية.
المراجع:
1- كتاب صاحبة السلطة الرابعة
.... فلك حصرية.
2- تاريخ الصحافة السورية ج1
.... د.شمس الدين الرفاعي.
3- مجموعة من المقالات المتخصصة
بهذا الموضوع والمنشورة بعدد من الصحف والمجلات السورية.