مرت سوريا كغيرها من الدول بعدد من التشريعات والقرارات الناظمة للأحوال
الشخصية للسوريين، والتي تختلف باختلاف الزمان وواقع الحال التي كانت عليه
البلاد في كل فترة من الفترات.
سوريا التي خضعت للدولة العثمانية، وللاحتلال الفرنسي، قبل أن تنال استقلالها
في 17 نيسان 1946 كانت تخضع إما لقوانين مستقلة خاصة بها تبعاً لطبيعة سكانها
وأهلها، أو لقوانين خاصة بالدول التي كانت خاضعة لها، فكانت تلك الدول تطبق
قوانينها على السوريين كما تطبقها على سكانها.
ففي العام 1917، في أواخر الحكم العثماني لسورية، صدر قانون (حقوق العائلة)
وتضمن أحكاماً للمسلمين وغير المسلمين، كما صدر في العام نفسه قانون أصول
المحاكمات الشرعية الذي جعل المحاكم الشرعية في سورية مختصة بالنظر في جميع
قضايا الأحوال الشخصية للسوريين مسلمين وغير مسلمين، وبذلك تم توحيد المرجع
القضائي في الأحوال الشخصية للمواطنين جميعاً. غير أن هذه الحال لم تدم طويلاً
ففي عام 1919 صدر قانون عن الملك فيصل، ملك سورية يومئذ، جاء فيه ما يلي:
«المحاكم الطائفية للطوائف غير المسلمة تحتفظ باختصاصاتها القضائية وبحقوقها
كما في السابق».
وبذلك أعيد العمل بنظام المحاكم الطائفية التي تخضع للسلطات الروحية الدينية
الخاصة بها. وتمّ توطيد هذا الواقع بالقرار رقم (60ل.ر) الصادر بتاريخ 13 آذار
1936 عن المفوض السامي الفرنسي في سورية (في مرحلة الانتداب الفرنسي) المتعلق
بنظام الطوائف الدينية، وترتب على ذلك، من الناحيتين الواقعية والقانونية،
استمرار العمل بنظام تعدد الشرائع المطبقة على السوريين في مسائل الأحوال
الشخصية من جهة، وتعدد الجهات القضائية المختصة بالنظر في هذه المسائل بتعدد
الطوائف المعترف بها من جهة أخرى.
فلقد تضمن هذا القرار (وهو بمنزلة قانون) نوعين من الطوائف: الطوائف ذات النظام
الشخصي والطوائف ذات النظام العادي.
والطوائف ذات النظام الشخصي قسمان:
القسم الأول الطوائف التي حدد تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك تشريعي وهي
الطوائف القائمة بتاريخ صدور القرار (60ل.ر) لعام 1936 وتضم: من المسيحيين:
الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، الأرمن الأرثوذكس، الأرمن
الكاثوليك، الآشوريين الكلدان، الكلدان، اللاتين، البروتستنت، ومن اليهود: كنيس
دمشق، وكنيس حلب، وكنيس بيروت، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الملحق رقم 1
التابع للقرار (60ل.ر) قد أدخل في عداد الطوائف ذات النظام الشخصي الطوائف
الدينية الإسلامية إلا أن تطبيق هذا النظام على المسلمين أدى إلى موجة من
التذمر والاحتجاجات العلنية حملت السلطات المنتدبة الفرنسية على إصدار قرار
مرقم (53ل.ر) لعام 1939 يقضي بعدم تطبيق نظام الطوائف الدينية على المسلمين.
القسم الثاني الطوائف التي لم يكن قد حدد تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك
تشريعي عند صدور القرار رقم (60ل .ر) المشار إليه سابقاً، ولكنها كانت حائزة
على بعض ميزات أو كانت متمتعة ببعض الحصانات بموجب أوامر سنية أو قرارات من
المفوض السامي أو قرارات من حكومة دولة سورية ولبنان (في ذلك الوقت) أو بمفعول
من حيازتها حالة راهنة ناتجة عن تقاليد ترجع إلى أكثر من قرن. ويمكن لهذه
الطوائف الحصول على اعتراف بها فيما إذا تقدمت بنظام كامل لها مستخلص من النصوص
التي تدار الطائفة بموجبها بشرط أن لا يخالف هذا النظام الأمن أو الآداب أو
دساتير الدول والطوائف أو أحكام القرار رقم (60 ل.).
أما الطوائف التابعة للقانون العادي فهي باقي الطوائف من غير المسلمين وكانوا
يخضعون في أحوالهم الشخصية للقانون المدني.
وبعد الاستقلال، وفي عام 1953، صدر قانون الأحول الشخصية السوري بالمرسوم
التشريعي رقم 59 ونص في مادته 306 ما يلي:
" تطبق أحكام هذا القانون على جميع السوريين سوى ما تستثنيه المادتان
التاليتان: المادة 307 وتتضمن بعض الأحكام الخاصة المتعلقة بأهلية الزواج وتعدد
الزوجات واللعان والرضاع والمهر والطلاق والوصية والميراث، لأتباع الطائفة
الدرزية"
والمادة 308 وفيها أنه يطبق على الطوائف المسيحية واليهودية ما لدى كل طائفة من
أحكام تشريعية دينية تتعلق بالخطبة وشروط الزواج وعقده والمتابعة والنفقة
الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه والبائنة (الدوطة)
والحضانة "
وهكذا أصبحت مسائل الأحوال الشخصية في سورية تخضع لعدة تشريعات فقانون الأحوال
الشخصية هو بمنزلة قانون عام يسري على جميع السوريين أياً كانت ديانتهم وإلى
جانبه تشريعات الطوائف غير الإسلامية التي تطبق بشأنهم في المسائل التي حددتها
المادة 308 من قانون الأحوال الشخصية.
كما تتعدد القوانين الناظمة لمسائل الأحوال الشخصية في سورية تتعدد المراجع
القضائية المختصة بشأنها. فبموجب المادة 33 من قانون السلطة القضائية الصادر
بالمرسوم التشريعي رقم 98 لعام 1965، النافذ اليوم، تؤلف محاكم الأحوال الشخصية
من:
أ - المحاكم الشرعية وهي خاصة بالمسلمين، ب - المحاكم المذهبية للطائفة
الدرزية، ج - المحاكم الروحية لغير المسلمين التي ما زالت خاضعة للأحكام
النافذة قبل صدور القرار رقم (60 ل.ر) تاريخ 13 آذار 1936.
استمر العمل بقانون الأحوال الشخصية رقم 59 بالنسبة لغير المسلمين حتى تاريخ
26/09/2011 حيث صدر المرسوم التشريعي رقم 76 والذي قضى
بتعديل المادة 308 من قانون الأحوال الشخصية حيث
أضاف بموجب هذا التعديل إلى اختصاص المحاكم
الروحية الإرث والوصية اللتين كانتا من اختصاص
المحاكم الشرعية. وذلك تماشياً مع أحكام المرسوم التشريعي
رقم 7 الصادر سابقاً والذي صادق بموجبه على
الأحكام المتعلقة " بالإرث والوصية الخاصة بالطوائف
المسيحية الشرقية مع تعديل بسيط على أحكامه
يتعلق بأيلولة تركة من لا وارث له
من المسيحيين إلى الخزينة العامة".
حيث بموجب هذا المرسوم "أصبح بإمكان المحاكم الروحية
تنظيم وثيقة حصر الإرث والوصية بالنسبة للطوائف
المسيحية كما هو حال الطوائف المسيحية الغربية
وباتت المرأة المسيحية تتساوى مع الرجل في
مسألة توزيع الإرث كما أصبحت الوصية بمقدار
النصف بعد أن كانت تخضع في السابق
لما هو محدد في قانون الأحوال الشخصية
العام بنسبة الثلث وما زاد عن الثلث
يتوقف على إجازة الورثة".
وفي الوثيقة التي تنشرها سيريانيوز نلاحظ أن مايعرف بحصر الإرث اليوم كان يسمى
(بصك وفاة) إبان الاحتلال الفرنسي لسوريا، وهذه الوثيقة الصادرة في العام 1935
صادرة عن إدارة النفوس والإحصاء بدولة حلب إبان تقسيم سوريا إلى دويلات ولم تكن
وثيقة حصر الإرث تصدر عن المحاكم الشرعية كما هو الحال اليوم.
كما نلاحظ على ظهر هذه الوثيقة في الصورة الثانية، وجود طابع عن المالية صادر
عن دولة سوريا يمثل رسوم الاستحصال على وثيقة صك الوفاة، وعليه ختم إدارة
النفوس والإحصاء عن دولة حلب.
سيريانيوز