في يوم من الأيام رغب الرئيس جورج دبليو بوش والمحافظين الجدد
بتغيير خارطة الشرق الأوسط، وقد نجحوا بذلك. ولكن ما لم يحسبوا له هو أن يتم رسم
تلك الخارطة بريشة سوريا وإيران، الدولتان اللتان يعتبرهما بوش ضمن الدول المارقة
الداعمة للإرهاب.
لنبدأ أولاً بالعراق، في العراق كانت إدارة بوش تطمح بعد إسقاط
نظام صدام حسين إلى خلق عراق ديمقراطي ليكون نموذجاً يحتذى به في جميع أرجاء الشرق
الأوسط. في الحقيقة، أصبح العراق نموذجاً ولكن مرة ثانية على عكس ما تمنت أو توقعت
إدارة بوش.
الحرب الأهلية المشتعلة في العراق— والتي لم يعترف بها رسمياً
كحرب أهلية— تقطع أوصال البلاد. والانقسام الواضح يكتسب معالمه عميقاً ليفصل بين
الطوائف الشيعية والسنية التي غرقت في سلسلة لا منتهية من الانتقامات، الاختطاف،
والقتل. ففي الأسبوع الماضي قامت الطائفتان بتفجير مساجد بعضها البعض، وكان أخرها
تفجير المسجد الذهبي في سامراء الذي يعتبر من أقدس الأماكن لدى المسلمين الشيعة.
ناهيك عن الأكراد الذين أقصوا أنفسهم عن بغداد.
إن الحرب الأهلية في العراق تحاكي نظيرتها في الأراضي
الفلسطينية، بينما لبنان فيقبع على شفير هاوية السقوط في شرك اشتعال النزاع الداخلي
مجدداً.
تقول إحدى الفلسطينيات الأمريكيات في القدس لوكالة يونايتد برس
انترناشيونال "لقد حلمنا طويلاً بدولة فلسطينية مستقلة واليوم أصبح لدينا دولتان
بسعر واحد".
إن الحقيقة الجديدة في الشرق الأوسط بعد أسبوع من القتال العنيف
بين الفصائل الفلسطينية المتنازعة على الأراضي الفلسطينية هي أن حركة حماس تسيطر
اليوم على غزة. والحقيقة الجديدة في الشرق الأوسط أن انتصار حماس هذا يأتي نتيجة
سنوات من السياسة الخارجية الإسرائيلية والأمريكية المضللة. فقد اختارت إدارة بوش
تجاهل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى أن أصبح الوقت متأخراً على الإصلاح. كما أن
خيار إسرائيل بعدم التعامل مع من خلفه عباس، ياسر عرفات، كان خياراً غير جدير
بالثقة وساهم كثيرا في تشكيل المستنقع الذي يغرق الأراضي الفلسطينية اليوم.
فعلى الرغم من عيوبه الكثيرة إلا أن عرفات كان إلى حد ما قادراً
على السيطرة على الوضع في السلطة الفلسطينية وأكثر بكثير من الرئيس الفلسطيني
الحالي الذي يفتقر إلى التدابير الذكية التي كان يقوم بها عرفات.
إن الحقيقة الجديدة في الشرق الأوسط هي أن هناك اليوم جماعة
راديكالية مسلحة حماس" تقبع على الحدود الجنوبية لإسرائيل، وهناك يعيش أكثر من 1.5
مليون نسمة يعانون أسوأ ظروف اقتصادية اجتماعية يمكن أن يعيشها أي إنسان على سطح
هذا الكوكب. ربما كان هذا المصطلح مطروقاً جداً ولكنه جدير بالتكرار: فقد حولت
الأوضاع المتدهورة في غزة هذا القطاع إلى ارض خصبة جداً لتجنيد عناصر القاعدة.
إن الحقيقة الجديدة في الشرق الأوسط هي أن الفلسطينيين أضاعوا
فرصة أخرى في تكوين دولة لهم والانضمام إلى المجتمع الدولي.
وفي لبنان، وبينما تناضل حكومة السنيورة بوسائل شتى للبقاء
والحفاظ على الأغلبية يندلع في شمال البلاد اشتباك بين الجيش اللبناني وبين عناصر
جماعة تدعو نفسها فتح الإسلام، الأمر الذي يجعل لبنان يقف على شفير هاوية السقوط في
الهاوية.
أكثر من 60 جندي لبناني خسروا أرواحهم في هذا الاشتباك الدائر
بالقرب من مخيمات نهر البارد. كما ان أحداث الاغتيال التي تطال المسلمين والمسيحيين
على حد سواء تزيد من التوتر الذي تعيشه البلاد.
بعد مرور أربع سنوات على دخول القوات الأمريكية إلى العراق، على
أمل إحداث تغيير في الشرق الأوسط، تمر هذه المنطقة بظروف من التغييرات الراديكالية
القاسية. ولكن هذه التغييرات بعيدة تماماً عن ما طمحت إليه واشنطن. كما أنها بعيدة
جداً مطامح أهالي المنطقة أنفسهم، فهذه التغييرات لم تفض سوى إلى تدخلات عسكرية،
صنع الاستبداد، الفساد، أنظمة ثيوقراطية (دينية) تطرف إسلامي، إرهاب، والقاعدة
وطالبان.
بقلم : كلود صالحاني - يونايتد برس انترناشيونال
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز