لست رجلاً سياسياً ولا معلقاً سياسياً. ولم أكن في حياتي
محافظاً ولا حتى همجياً. ومن المؤكد أنني لم أكره يوماً حزب العمل. أنا ببساطة رجل
أعمال مساهم في تأسيس شركة تسمى أيجنت بروفوكيتير، شركة مصنعة للألبسة النسائية،
وحالفني الحظ في نجاح هذه الشركة.
منذ ثلاثة أسابيع تلقيت رسالة تفيد بأنه تم ترشيحي للحصول على
وسام شرف.
ورأيت فيها مؤشراً لطيفاً على بث السعادة في نفسي. ولكن وبعد
انتشار الأخبار حول هذه الجائزة في الصحف بدأت الفكرة تخلق لي صراعاً مع ذاتي. ويوم
أمس قررت أنني لا استطيع قبول هذا الشرف.
إن السبب الذي دفعني لرفض هذه الجائزة الرفيع يمكن تلخيصه
بكلمتين : توني بلير.
في عام 1997 صوت لصالح توني بلير، فقد كان الأمل يملؤنا مع
توليه منصب رئيس وزراء بريطانيا. والى حد ما نجح حزبه في انجاز أمور ايجابية مثل
الحد الأدنى للأجور، والنظام الضريبي الذي خلق بيئة جيدة لنمو أعمالي.
ولكني أعتقد أن الطريقة التي قاد بها بلير البريطانيين إلى
الحرب في العراق أفغانستان جنباً إلى جنب مع جورج بوش لم تكن شريفة أبداً. فقد بنوا
خططهم على أساس من النفاق. فنحن لم ندخل هذه الحرب بدافع أخلاقي وإنما بدافع
اقتصادي بحت. وهذا ما تبين اليوم بوضوح أكثر.
كنت سأثني على توني بلير او على الأقل احترمه لو أنه اخبرني
بأنه سيخوض هذه الحرب لأن فيها خيراً لاقتصادنا، بغض النظر عن ما سنقدمه من أرواح
بشرية. كنت سأحترم صراحته وان كنت أعارضه بشدة. ولكن السيد بلير تبنى تلك الفكرة
السخيفة التي تسمى اللف والدوران التي تفضي في النهاية إلى الكذب لإقناع الشعب
البريطاني بأن أسبابه منصفة.
وكانت نتيجة معاناة لا تطاق لمئات الآلاف من الناس. إنهم
يتعرضون للتعذيب والموت ويعيشون اليوم ظروفاً من اليأس وفقدان الأمل بسبب غزو توني
بلير لبلادهم. إن ما يحدث يومياً في العراق ما هو إلا مأساة إنسانية. وأنا نفسي
رأيت الموت والبؤس الإنساني الذي يلف تلك البلاد. رأيت صوراً لعائلات تحولت بأكملها
إلى أشلاء نتيجة التفجيرات. إن هذه اكبر فضيحة لبلادنا في هذا العصر.
لا بد من احد أن يتحمل مسؤولية ما يحدث. شخص ما يجب أن يقف
ويرفع يديه ويقول أسف بشان الأكاذيب، أسف بشأن ملفات الاحتيال والخداع. ولكننا
بدلاً من ذلك نلتزم الصمت. مع أن المملكة المتحدة أصبحت المكان الأخطر في العالم،
والهدف الأول للإرهابيين. ومع ذلك ليس من احد في حكومة بلير وقف ليعتذر.
ما الذي حدث لمفهوم الشرف القديم؟ أين هم الناس المستعدين
للاعتراف بخطئهم وتقديم الاعتذار أو الاستقالة؟
لقد خيّبت الديمقراطية أمال الشعب. فهم يشعرون أنفسهم عاجزين
ولا حول لهم ولا قوة السبب هو توني بلير. مئات الآلاف من الناس نزلوا إلى الشوارع
واعتصموا ضد القرار ولكن توني بلير لم يعرهم أدنى انتباه.
لقد تسبب السيد بلير بموت أو تعذيب الكثير من التعساء. فقد كان
يشرف على أداء استثنائي، وكان سعيداً بمراقبة الناس يزجون في السجن دون محاكمة ودون
وجود أدلة ضدهم. في بريطانيا لم تعد أوامره القضائية مقدسة وبالتالي وعلى الصعيد
الشخصي أنا ببساطة لا استطيع قبول وسام الشرف هذا منه.
طبعاً قراري هذا شخصي بحت. ويفترض بي أن أؤكد بأن لا علاقة
لشركتي بهذه المسألة. فأوسمة الشرف على كل حال جوائز شخصية. ولكني في أعماق قلبي
أحس بأني غير قادر على قبول شهادة شرف من رجل منافق. وتوني بلير رجل منافق. بالطبع
هذا ليس انتقاداً للملكة. فقد كنت ولا زلت معجباً برعايتها للحرف البريطانية.
ولكن جائزة الشرف تلك لن تقدم لي من قبل الملكة، وإنما من قبل
لجنة يصادق على قراراته توني بلير مباشرة.
كان من الممكن أن أعبر عن كل ما سبق بطريقة مختلفة. كان من
الممكن أن ابعث برسالة خاصة إلى توني بلير. ولكني اخترت هذه الطريقة لأبث شعوري
علناً وأطلع الجميع عليه. فإذا رشحت لنيل درجة شرف فقد منحت فرصة للتحدث علناً، ومن
الهام جداً عندها التعبير عن ما يجول في خاطرك.
لا يمكنني الموافقة على أنني جزء من نظام توني بلير. ولا فإنني
اشعر باني غير صادق مع نفسي. ولهذا السبب قررت رفض الشرف الذي يمنحني إياه.
بقلم جوزيف كور - الاندبندنت
ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز